من باكستان للهند… تركيا تجنب العالم الإسلامي مأساة جديدة
بقلم حمزة تكين
للمرة الأولى منذ حرب عام 1971 بين باكستان والهند، عادت وتيرة التصعيد بين البلدين بصورة أقلقت العديد من الأطراف في العالم، حتى وصل الأمر لاشتباك مباشر بين الجيشين النووين الباكستاني والهندي.
وإلى جانب هذا الاشتباك نقلت كل من الدولتين آلاف الجنود إلى حدود البلد الآخر في مشهد واضح ينذر بحرب جديدة، بكل تأكيد لن تكون حربا سهلة بين قوتين ضخمتين، ولن تنحصر تبعاتها الخطيرة والمأساوية على باكستان والهند فحسب بل ستمتد إلى الإقليم والعالم أجمع.
بدأت شرارة الأزمة الجديدة بعد تبني إحدى الجماعات المسلحة هجوما ضد القوات الهندية في الشطر الذي تسيطر عليه الهند من إقليم كشمير، وبطبيعة الحال لا يمكن لمثل هذه الجماعات أن تنفذ مثل هذه الهجمات الكبيرة إلا بإيعاز من الجهات الدولية التي تشغلها، وبالتالي هناك جهات كانت تسعى لإشعال حرب شرسة وخطيرة بين باكستان والهند.
ولكن بدا واضحا أن كلا البلدين سواء الهند وباكستان لم تكونا تسعيان لهذه الحرب، في ظل تحسن شهدته علاقاتهما خلال الفترة الماضية وجهود دولية تمارس خلف الكواليس لحل نهائي بين البلدين النووين الجارين، وخاصة من قبل تركيا التي تسعى لحل يرضي الكشميريين ويعيد الحقوق لأهلها.
رفض نيودلهي وإسلام أباد للانغماس بحرب ضروس والوقوع بفخ بعض القوى الإقليمية، دفع باكستان لطلب وساطة من قبل طرف ثالث، فلم تتوجه إلى هذه الدولة أو تلك، بل توجهت باكستان إلى تركيا ودعتها لأخذ المبادرة وتهدئة الأمر مع الهند.
وبالفعل أخذت تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان زمام المبادرة لإطفاء نار الحرب، ولم تكن في هذا الوقت باكستان وحدها المُرَحّبة بالوساطة التركية بل جاء الترحيب أيضا من الطرف الآخر الهند.
وهكذا خاضت وتخوض تركيا جهودا حثيثة لإطفاء نار الحرب من جهة ثم العمل بشكل أسرع على إيجاد حل للمشكلة الأساسية بين البلدين أي إقليم كشمير.
ووفق باكستان والهند فإن “تركيا لا تعمل من أجل نزع فتيل الأزمة الحالية وحسب، بل أيضا تسعى لتسهل تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في آسيا”.
وهنا يمكن القول إن الأزمة الأخيرة التي افتعلها البعض بين باكستان والهند أظهرت للجميع ـ مرة جديدة ـ قوة تركيا المؤثرة في الإقليم والعالم، فتركيا لم تعد محصورة بمجرد حدود جغرافية، رسمتها مؤسسات دولية لم تعمل منذ تأسيسها إلا في ما يغذي الحروب ويزيد الأزمات الإنسانية في العالم من فقر وتشرد ولجوء وجرائم وغيرها من الأمور التي فشلت الأمم المتحدة تجاهها.
الدور التركي الإيجابي بين باكستان والهند أوصل رسالة للبعض أنه عند الأزمات الحقيقية تركيا بحجمها وتاريخها ونفوذها ونظرتها الإيجابية للأمور ونيتها الصافية تجاه البشرية عامة والمسلمين خاصة، هي الحل، وليست المليارات وليس النفط وليست الأغاني الشعبوية وليست الديكتاتورية.
دور أنقرة اليوم في إطفاء حرب قد تتطور لحرب نووية ينتج عنها موت ملايين البشر ـ سيكون جلهم من المسلمين سواء من باكستان أو الهند ـ أوصل للبعض الآخر أيضا رسالة أن تركيا قادرة اليوم على إفشال مخططاتكم التخريبية للعالم الإسلامي، وكلنا رأينا ترحيب الشعوب الإسلامية بالوساطة التركية التي يقودها الرئيس أردوغان بنفسه.
حرب كانت ستتسبب بتشريد ملايين البشر جلهم من المسلمين، وكانت ستزيد من نزيف دماء العالم الإسلامي، إلا أن تركيا استطاعت أن تحولها إلى رسالة سلام سواء من أنقرة وإسطنبول للعالم، أو سواء بين باكستان والهند، وبطبيعة الحال وبسبب الإيجابية التركية ستتعرض تركيا لمزيد من الهجوم الإعلامي والسياسي والاقتصادي من قبل القوى التي انزعجت من إخماد نار الحرب بين باكستان والهند.
باكستان دولة إسلامية مهمة في العالم الإسلامي، ولكن أيضا علينا ألا ننسى أن الهند وبالرغم من أنها ليست دولة إسلامية إلا أن ربع سكانها هم من المسلمين أي أن هناك أكثر من 200 مليون مسلم في الهند، وبالتالي وبغض النظر أن الإيجابيات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية التي ستتحق لإخماد نار الحرب بين باكستان والهند بجهود تركية، إلا أن نجاح تركيا اليوم بمسعاها هو نجاح بوأد حرب جديدة في العالم الإسلامي، ونجاح بتجنيب المسلمين مأساة جديدة.
إنها يد تركيا البيضاء التي ما لامست شيئا إلا وطمأنته وكانت له يد خير وسعادة وأمان، على عكس أيادي البعض التي ما حلت في مكان إلا ورأينا فيه حروبا ودمارا ومجاعات ومآسي وأيضا كثيرا من الفشل السياسي والعسكري… ستبقى تركيا ومهما تعرضت لهجمات تسير على نهج طالما دعا للسلام والتآخي الإنساني والمحبة والعيش بأمان بين البشر، نهج يزيد عمره اليوم عن 1400 عام.
(المصدر: ترك برس)