ترجمة: جمعة مهدي فتح الله – شبكة الألوكة.
تقول إحدى المهتديات من الهندوسية إلى الإسلام: أودُّ أن أقول: إنَّه لم يكن لديَّ اعتقاد أو إيمان بأيِّ دين من الأديان، ولكنْ بِما أنَّني وُلِدتُ في أسرة هندوسيَّة، فقد كان من الواجب عليَّ تقديسُ الإله الذي تعلَّمْتُ أنَّه هو الإله، إلاَّ أنَّني لم أَكُن أفعَلُ ذلك من صميم قلبِي، فالدِّين بالنِّسبة لأُسْرتي – والذي كان مبنيًّا على مبادئ آريا ساماج – كان عبارةً عن الطُّقوس والعبادات التي تُبْنى على راحتهم الخاصَّة، ولم يكن يوجد في بيتِنا أيُّ مَعْبد أو صنَمٍ من الأَصْنام التي تُعْبَد بشكلٍ يومي، وذلك على خلاف جَميع العائلات الهندوسيَّة الموجودة في الهند، لم أكن أَسْتريح دائمًا للطُّقوس والشعائر الهندوسيَّة السائدة؛ لِذا فإنَّني عندما أستعيد أحداث الماضي أَخْلص إلى أنَّني كنتُ أذكر الله، أو أزور المَعْبد المُجاور لنا عند الحاجة فقط، والَّتِي كانت تزداد بشكل أساسي في أوقات الامتحان، أو قُرْبَ إعلان النَّتيجة، أمَّا خلافَ ذلك فإنِّي لا أَذْكُر أيَّ تقرُّب إلى الله، أو أيَّ رباط روحيٍّ آخَر، وكنتُ بذلك أُعَدُّ “متديِّنة” في نظر المصطلحات الخاصَّة بنيزتش.
كنتُ أبعد عن خير الدِّين وشرِّه، وكنتُ أبعد عن الإِثْم والألفاظ القذرة، وكنتُ أعيش حياة عاديَّة مبنيَّة على اتِّباع قاعدة “الحسَنة والسيِّئة الأساسية”، كانت كلُّ معتقداتي الدِّينية غيرَ ثابتة – تَمامًا مثل هؤلاء المُلْحدين – فقد كُنَّا ننحرف عن عقيدتنا عندما نشعر بشيء آخر يسرُّنا، ولم تكنْ لدَيْنا عقيدةٌ قويَّة وثابتة على واحدةٍ من هذه العقائد، تأثَّرْتُ في مرحلةٍ ما من حياتي بالنَّصرانية، (ويَرْجع الفضل في ذلك إلى مَدْرسة التبشير التي كنتُ أذهب إليها)، لكن في وقت آخَر من حياتي كنتُ وفيَّة للهندوسيَّة – لا بِمُمارسة الشعائر أو الاعتقادات، ولكن بِحَركة سافارونيزيشن في الهند، فكنتُ أنا بنفسي معاديةً للمسلمين، معتقدة أنَّهم كانوا يشنُّون الغارات على أُمَّتِي من خلال نَشْرِ (أو فرض) معتقداتِهم، هذه هي مراحل حياتي التي مضَتْ، وتلاشَتْ مع العصور والأزمان.
وفي المدرسة اصطحَبْتُ بعض الأصدقاء المسلمين، لَم أكن متحيِّزة ضدَّهم أو قريبة منهم، إلاَّ أنَّني في المرحلة الثانويَّة تعلَّقْتُ ببعض أُسَرِ أصدقائي المسلمين، واعتَدْنا أن نتناقَش في قضايا التَّاريخ والسياسة والدِّين، وكانوا دائمًا يَحْرِصون على تصحيح الأفكار الخاطِئَة عن الإسلام المتعلِّقة بذِهْنِي والمنتشِرة في أرجاء العالِم (خصوصًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعد الأحداث الأخرى في الهند)، وبعد هذه الْمُناقشات والتوضيحات أصبحَتْ صورةُ الإسلام الصحيحة أكثرَ وضوحًا أمامي، ولكنِّي شعرْتُ بعدم الحاجة إلى الالتزام بدينٍ معيَّن، شعرت بأنَّ عقْلَ الإنسان وقلبَه يجب أن يكون دائمًا مثل النَّافذة المفتوحة بِحَيث يَقْبل كلَّ ما هو خير، سواء في الثَّقافات أو في الأديان أو الممارسات، كنتُ أرى دائمًا أن الإسلام حازِمٌ وصارم جدًّا بحيث إنَّه يحرِّم الحرية الفكرية الموجودة عند البشر والتي يحبُّون مُمارستَها، بل كنتُ دائمًا أحكم على الإسلام بأنَّه دينُ “افْعَلْ ولا تفعل”؛ وذلك لِنُقصان المعرفة عندي، وفي الوقت نفسه تقدَّم السنُّ بوالديَّ فكانا يَبْحثان عن اللُّجوء إلى مَهْدِ الدِّين والقِيَم الرُّوحية، وكان هذا حمْلاً كبيرًا عليَّ أيضًا؛ فما لَم يحدث في عشرين سنةً في حياتي، أصبح الآن ظاهرة حقيقية! حيث إنَّنا اتَّخذْنا معبدًا في المَنْزل فيه التماثيل وصُوَر الإله، ثُمَّ تَبِعه ذلك الولَعُ المفاجئُ لأمِّي بإِنْفاق المال على الشَّعائر المختلفة؛ جريًا وراء المنجِّمين، كنتُ مشمئزَّة من ذلك، ولكن لم يكن لديَّ أيُّ خِيار آخَر سوى تَحمُّل ما أنا فيه.
وكلَّما قالوا: إنَّ كلَّ ما يَحْدث خيْر، وإنَّ الله أرداه، أدركتُ أنَّ كل هذه الأنشطة التي تُمارَس في مَنْزِلنا لا جدوى لَها، وعند زيارتي للمعابِد المعروفة في الهند، وجدْتُ أنَّها عبارة عن تسويقٍ للدِّين، وأنَّها مَتْجر واسعُ النِّطاق، فبإنفاق المال يُمْكِنك الدُّخول إلى المعبد بِسُهولة ويُسْر، أمَّا بِخِلاف ذلك فيَجِب عليك الوقوف في طابور طويل، يُمْكِنك أن تُسْعِد “إلهَك” بإنفاق 1000 روبيَّة لِبُوذا، ويُمكنك أن تزيد من سعادته لو أنفقت 5000 روبية، وهكذا تتوقَّف رحمةُ الله على قدرتك على الإنفاق، أمَّا الفقراء فقد كان من الصَّعب عليهم الحصولُ ولو على درشان “الإله”.
أدركتُ أنَّه لَمِن الغباء أن يصبَّ الناسُ اللَّبَن والسمنَ على الأصنام، في حين يَمُوت آلاف الفقراء في الهند بسبب الجوع وسوء التغذية! لقد جُرِّد الدِّين من الحُبِّ والعطف والامتنان، وأصبح مشروطًا بشكل متزايد على مرِّ الأيام، ولم أتَمكَّن مِن رؤية إرضاء الله في هذا الدِّين، حاولتُ أن أُذكِّر والِدايَ بِمبادئ “آريا ساماج”، التي تُحرِّم عبادة الأوثان، وتدعو إلى التوحيد، ولكن دون جدوى؛ حيث إنَّ المعتقدات الشائعة كانت كثيرة جدًّا لدرجة أنَّه لا يُمْكِن تَجنُّبُها في مواجهة هذا الفِكْر، بل إنَّ “آريا ساماج” نفسه انغمس في الطقوس.
كل هذه الأمور جعلَتْني شديدةَ الاهْتِياج ومرتَبِكة ومرعوبة؛ فقد انصدَع موقفي الدِّينِيُّ بِحيلة اتِّباع ما كنا نُمارسه في المَنْزل، كانت الخُيَلاء تتخلَّل كلَّ هذه المُمارسات، وكنَّا نُحاول أن نقنع أنفسنا أنَّنا – بفِعْلها – نُرْضِي إلَهَنا، وأنه سيَأْجرنا على ذلك، ولكنَّنا فقَدْنا أهمَّ الأسُس الَّتي يقوم عليها أيُّ دين؛ حيث لم يكن ثَمَّة سلام، ولا قناعة ولا روحانيَّة، بل لا توجد صِلَة مباشِرة بالله – عزَّ وجلَّ – كل هذه الممارسات كانتْ عبارة عن حَلقة فاسدة تَعِدُك بالتقرُّب إلى الله، ولكنَّها في الواقع لا تَقُود إلى تَحقيق ذلك، حتَّى ولو التزمَتْ بها طوال الوقت.
في نهاية الأمر توقَّفْت عن المشاركة في مِثْل هذه الأحداث، وقُلْت لأسرتي: لا تجبروني على هذه الممارسات، فمَكْثت ثلاثَ سنوات لا أصلِّي، بل لا أرى وجْهَ أي معبد من المعابد.
وعندما بدأت أقرأ عن الإسلام ، كانت قراءتِي عرَضيَّة، وليست جادَّة، فقد كنتُ أقرأ في بعض الرَّوابط الموجودة هنا أو هناك على شبكة الإنترنت، لكن في الكُلِّية درَسْتُ أحد المناهج التي تتحَدَّث عن دين الإسلام، أو عن الرأي الإسلامي، وهذا جعلني أندفع إلى قراءة المزيد والمزيد في هذا الموضوع، فكنتُ أمضي السَّاعات أتَحدَّث مع الأصدقاء عَبْر الإنترنت، وكانوا يتحدَّثون معي بشكل دائم عن الإسلام، قرأتُ العديد من الرَّوابط، وشارَكْتُ في العديد من المناقشات عَبْر المنتديات، فبدَأَتْ تتغيَّر وجهة نظري عن الإسلام، كان هذا التغيُّر يَظْهر جَليًّا عندما أتَحدَّثُ مع أصدقائي أو أتناقش معهم في شيءٍ ما، بالطَّبع لَمْ يُعْجِبهم هذا التغيُّر، بل حذَّروني من “غسيل المُخِّ” – كما يسمُّونه – وقالوا: إنَّ هناك أشخاصًا هدَفُهم الوحيد هو تَحْويل الهندوس إلى الإسلام.
عندما نتحدَّث عن الإسلام نواجِهُ كثيرًا من الانتقادات؛ فوسائل الإعلام تنشر العديدَ من القصص، ومعظَمُنا يعيش تحت الانْطِباع الذي يستَقيه من هذه القَصص، وفي مثل هذا الموقف يكون من الصعب جدًّا التعرُّفُ على ما هو صوابٌ واتِّباعه.
كلُّ هذه الأشياء كانتْ تُزْعجني، فكنتُ أشعر بالفزَع من هذا التَّناقُضِ، وشعرْتُ وكأنِّي أَخْدَع أصدقائي وأُسْرَتي إذا فعلْتُ شيئًا ما لا يتَّفِقون معي عليه، ولكنْ إلى متَى سنتهرَّب من الحقيقة، ولا نقبَلُها؟
عندما كنتُ أقرأ القرآن الكريم، كانت كلُّ كلمةٍ في كل آية كأنَّها وحْي يُخاطِبُني، فالكلمات كانت توضِّح المَعْنى الحقيقيَّ للإله، وتُبيِّن النَّمط المثالِيَّ للحياة، لم يكن ثَمَّة سؤالٌ قد يقفز إلى الذِّهن؛ لأنَّ القرآن الكريم لم يَتْرك سؤالاً إلاَّ أجاب عنه؛ فالقرآن الكريم هو المرجع لكلِّ الأبحاث وكلِّ الاستفسارات، وكل ما يدور في خاطرك مِن قلق.
اقتنعتُ بالحقيقة التي يَدْعو إليها الإسلام، وكانت هذه هي الخُطَّة الَّتي ذهبَتْ عنِّي فيها كلُّ المخاوف، قلتُ: إذا لَم أعتنق الإسلام فسأظلُّ مكبوحةً في تعقيداتِ حياة العالَم المادِّي، حيث توقفنا المشاعرُ الزائفة عن فعل الخير، تشجَّعْت لألبِّي النِّداء، وأواجه كلَّ غريب، أو كما قال القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].
الحمد لله لقد اعتنَقْت الإسلام، وها أنا أحاول أن أتعلَّم الكثير والكثير من القرآن الكريم، ومِن هَدْي النبِيِّ محمَّد – صلى الله عليه وسلم – وسأقتَدِي به على الوجه الأكمل إن شاء الله.