“من أين يأتي الإرهاب؟”.. لماذا تتظاهر الحكومات المستبدة بالبلاهة؟
بقلم محمد عيسى
دار حديث بيني وبين أحد الأصدقاء – يدرس العلوم الطبيعية – في فلك تحقيق العدالة في ربوع المجتمع، وحماية حقوق الإنسان، لم يتردد صديقي في إطلاق سهام مبلورة في صورة تساؤلات تقدح في كيان المجتمع، وتجعلنا نعيد النظر في نظرية العقد الاجتماعي – فعلى سبيل المثال؛ هل التنازل عن جزء من حريتنا في سبيل الفرار من حالة الفطرة منطقي خاصة في ظل المثالب التي تخللت كل الحقب الزمنية في العلاقة بين المحكومين والأداة الحاكمة؟ – التي عفا عليها الزمن، ولكن، لو افترضنا مصداقية جوهر هذه النظرية وصحتها وإيمان المجتمع بها وتطبيقه لها، ماذا نفعل لو افترضنا أن الغاية لم تتحقق؟
أي أن الهدف الأساسي منها – النظام – بات شكليًّا بلا جوهر، لا سيما في ظل الفساد الإداري وأفول دولة سيادة القانون، مما يتمخض على ذلك، خلق مجتمع ينهش وباء الاستبداد في أوصاله، كما تنطوي انتهاكات الأداة الحاكمة إزاء المحكومين على تعقب أصحاب الرأي الحر، وكل مقارع للفساد، فما هي مغبة هذا التعقب، أي ما هي نتيجة الزج بشاب بالتذرع بحفنة من الاتهامات المجحفة في غياهب السجون؟، هل هذا الشاب سيخنع للأمر الواقع، أم أن هذا التنكيل سينمي في صدره غريزة الانتقام في آن واحد قد يتعرض فيه لتحولات فكرية راديكالية؟، هل التنازل عن جزء من الحرية للفرار من الحالة الأنارشية تقتضي إعادة النظر فيها إذا تخطى أحد المسؤولين – الأداة الحاكمة – حدود وظيفته؟
تساؤلات كانت لا محل للإجابة عنها في اللحظة التي انطلقت فيها، ولكن اكتشفت أن الإجابة على هذه التساؤلات نسبية، فبعد أن أجبرني حديث يدور بين شباب – أثناء ركوبي وسيلة مواصلات- على إرهاف السمع له، تبين لي من الكلمات التي لاكتها ألسنتهم، أن هناك فريقًا في المجتمع يرى أن من العبث التحدث عن احترام القانون في مجتمع تعصف فيه الأداة المسؤولة عن وضعه حيز النفاذ آناء الليل وأطراف النهار بمضمونه، فبالتالي استخدام العنف مطلوب وإزاحة الأذى عن الناس في مجتمع تتغاضى فيها الأداة المسؤولة عن حمايتهم عنه ضرورة لا مراء فيها.
واتضحت لي مرة أخرى النسبية بصورة فضفاضة، عندما حضرت ندوة انعقدت في الجامعة تحت عنوان مجابهة الإرهاب فكر بفكر، وتفحصت ردود أفعال الشباب والشابات لا سيما قبل الندوة، فبالرغم من أن فكرة الندوة كانت جيدة، إلا أن وضعها في خانة الفعل أفقدها جودتها من ناحيتين، فمن ناحية أولى؛ عزف العديد من الطلاب والطالبات عن الحضور إما لعدم اكتراثهم بهذه القضية أو لهواجسهم التي شبهت الندوة بالمصيدة المنصوبة من قبل الأجهزة الأمنية لكل صاحب رأي مارق عن القطيع، فأحال التوجس بينهم وبين الحضور. ومن ناحية ثانية؛ تناقض آلية إدارة الندوة مع عنوانها، فأحادية الندوة – أي أن الحوار كان من طرف واحد من قبل المحاضرين فقط دون إتاحة الفرصة للشباب الحاضرين للحديث عما يدور في نفوسهم- بلورت ديكوريتها.
ما بين هذين الموقفين؛ أصابتني الحيرة في الإجابة عن هذه التساؤلات فالفريق الأول يرفض الخنوع والمقاومة السلمية، والفريق الثاني انزلق في خانات السأم، ولكني في نهاية الأمر تيقنت أن غض الطرف عن الممارسات القمعية والرضوخ لها لمسايرة الحياة -خلقنا لنعترض (مكسيم جوركي)- يفقدنا آدميتنا، كما أن العنف لا يمكن أن يواجه بعنف لأن مواجهة العنف بعنف لن يسفر إلا عن إساغة العنف الموجه من قبل الأداة الحاكمة للمحكومين – لا سيما أصحاب الرأي الحر والمدافعين عن حقوق الإنسان- فالتمسك بالسلمية عن طريق سلك السبل القانونية في الدفاع عن حقوق الإنسان ومبادئ العدالة هي التي تزج بنا في خانة المنتصر حتى ولو كنا في ذات الوقت قابعين في غياهب السجون، أو تعرضنا لتصفية الجسدية.
كما تيقنت أيضًا أن مقارعة الإرهاب لن تأتي إلا عن طريق مقارعة أفكاره بصورة منهجية وحقيقية تنحو ناحية تقويض دعائمه بمنطقية، وأن الشباب الذين يتعرضون لتحولات فكرية راديكالية لا ينبغي بلورتهم في صورة الفزاعة بل يجب الإحاطة بالظروف والملابسات التي وضعتهم على بداية طريق الانصياع وراء أفكارهم الإرهابية، فالفريق الأول من الشباب يرى أن من الأحرى مواجهة القوة بالقوة، والفريق الثاني الذي عزف عن المشاركة في ندوة تنظمها الجامعة عزوفه كان بمثابة إعلان صريح عن سقوطه في مستنقع القنوط وخوفه من إبداء رأيه يعتبر نتيجة طبيعية ولا نبالغ إذا قلنا أن القهر يفعل أكثر من ذلك.
(المصدر: مدونات الجزيرة)