من أصول الإيمان (4 – 7) .. توحيد الأسماء والصفات
بقلم د. أحمد ناجي
إن للإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته آثاراً عظيمة في نفس المسلم وتحقيقه لعبادة ربه، فمن آثاره تلك المعاني التي يجدها العبد في عبوديته القلبية التي تثمر التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه، وحفظ جوارحه، وخطرات قلبه، وضبط هواجسه حتى لا يفكر إلا فيما يرضي الله تعالى، ويوالي لله وفي الله.
تعريف توحيد الأسماء والصفات
توحيد الأسماء والصفات: هو إثبات ما أثبت الله تعالى لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفى الله تعالى عن نفسه، ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات والإقرار لله تعالى بمعانيها الصحيحة ودلالاتها واستشعار آثارها ومقتضياتها في الخلق.
منهج السلف في إثبات توحيد الأسماء والصفات
يقوم منهج السلف -وهو المنهج الحق- في إثبات توحيد الأسماء والصفات على الإيمان الكامل والتصديق الجازم بما وصف الله تعالى به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، والتحريف قد يكون لفظياً وذلك بالزيادة في الكلمة أو النقص أو تغيير حركة في الكلمة كتحريف كلمة استوى في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) إلى استولى، وقد يكون تحريفاً معنوياً وذلك بتفسير اللفظ على غير مراد الله ورسوله منه، كمن فسر ” اليد ” لله تعالى بالقوة أو النعمة، فإن هذا تفسير باطل لا يدل عليه الشرع ولا اللغة، والتعطيل: هو نفي صفات الله تعالى كمن زعم أن الله تعالى لا يتصف بصفة، والفرق بين التحريف والتعطيل هو أن التحريف نفي المعنى الصحيح الذي دلت عليه النصوص واستبداله بمعنى آخر غير صحيح، أما التعطيل فهو نفي المعنى الصحيح من غير استبدال له بمعنى آخر، والتكييف هو تعيين كيفية الصفة والهيئة التي تكون عليها كفعل بعض المنحرفين الذين يكيفون صفات الله تعالى فيقولون كيفية يده: كذا وكذا، وكيفية استوائه على هيئة كذا وكذا، فكل هذا باطل إذ لا يعلم كيفية صفات الله تعالى إلا هو وحده، والتمثيل هو التشبيه كمن يقول لله سمع كسمعنا ووجه كوجوهنا تعالى الله عن ذلك، وينتظم المنهج الحق في باب الأسماء والصفات في ثلاثة أصول من حققها سلم من الانحراف في هذا القسم.
أصول توحيد الأسماء والصفات
الأصل الأول: تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئًا من صفات المخلوقين.
الأصل الثاني: الإيمان بما سمى ووصف الله به نفسه وبما سماه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته.
الأصل الثالث: قطع الطمع عن إدراك حقيقة كيفية صفات الله تعالى لأن إدراك المخلوق لذلك مستحيل.
فمن حقق هذه الأصول الثلاثة فقد حقق الإيمان الواجب في باب الأسماء والصفات على ما قرره علماء السلف في الماضي والحاضر.
أدلة منهج السلف في إثبات الأسماء والصفات
لقد دلت الأدلة من كتاب الله تعالى على تقرير هذا المنهج، فمن الأدلة على الأصل الأول: قول الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: 11)، ومقتضى الآية الكريمة نفي المماثلة بين الخالق والمخلوق من كل وجه مع إثبات السمع والبصر لله تعالى، وفي هذا إشارة إلى أن ما يثبت لله من السمع والبصر ليس كما يثبت للمخلوقين من هاتين الصفتين مع كثرة من يتصف بهما من المخلوقين، وعندما نزل قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة: 1) قالت عائشة رضي الله عنها: “الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع فأنزل الله عز وجل {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}(1)، ومن أدلة هذا الأصل أيضاً قول الله تعالى: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل: 74)، قال الطبري في تفسير هذه الآية: ” فلا تمثلوا لله الأمثال ولا تشبهوا له الأشباه فإنه لا مثل له ولا شبه “(2).
وما يقال في السمع والبصر يقال في غيرهما من الصفات.
ومن الأدلة على الأصل الثاني: قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة: 255)، وقوله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد: 3)، وقوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ – هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر: 22 – 24).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: «اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدَّيْن وأغْنِنا من الفقر»(3)
وأما الأصل الثالث فقد دل عليه قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) (طه: 110)، أي لا إحاطة للعلم البشري برب السماوات والأرض فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها، ومن الأدلة لهذا الأصل أيضًا قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) (الأنعام: 103) وهذا يدل على كمال عظمته وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به فإن الإدراك وهو الإحاطة بالشيء قدر زائد على الرؤية فالرب يُرى في الآخرة ولا يُدرك كما يعلم ولا يحاط بعلمه، وينبغي للعاقل أن يعلم أن للعقل حدا يصل إليه ولا يتعداه كما أن للسمع والبصر حدا ينتهيان إليه، فمن تكلف ما لا يمكن أن يدرك بالعقل كالتفكر في كيفية صفات الله، فهو كالذي يتكلف أن يبصر ما وراء الجدار أو يسمع الأصوات في الأماكن البعيدة جدا عنه.
قواعد في باب الأسماء والصفات
القاعدة الأولى: القول في الصفات كالقول في الذات، فالله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا صفاته، ولا أفعاله، فإذا كان لله ذات حقيقية لا تماثل الذوات بلا خلاف فكذلك الصفات الثابتة له في الكتاب والسنة، هي صفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات فالقول في الذات والصفات من باب واحد.
القاعدة الثانية: القول في بعض صفات الله من حيث الإثبات والنفي كالقول في البعض الآخر، وهذه القاعدة يخاطب بها من يثبت بعض الصفات وينكر البعض الآخر.
القاعدة الثالثة: الأسماء والصفات توقيفية، فأسماء الله وصفاته توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء والصفات فوجب الوقوف على النص. قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء: 36).
القاعدة الرابعة: أسماء الله كلها حسنى، أي بالغة في الحسن غايته، قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (الأعراف: 180)؛ وذلك لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول وهو الله عز وجل ولأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالا ولا تقديرًا.
وأسماء الله تعالى وصفاته الواردة في الكتاب والسنة كثيرة، ويجب على المسلم إثباتها لله تبارك وتعالى على ما يليق بجلاله وكماله، كما أثبتها الله لنفسه في كتابه، وهو أعلم بنفسه من خلقه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته وهو أعلم الخلق بربه وأكملهم نصحًا وأفصحهم وأبلغهم بيانًا وأتقاهم وأخشاهم له، وليحذر من تعطيل الله من صفاته أو تشبيهها بصفات المخلوقين لأن الله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
____________________________________
(1) رواه البخاري في التوحيد (13 / 372) والإمام أحمد في المسند (6 / 46).
(2) الطبري (7 / 621).
(3) صحيح مسلم برقم (2713).
(المصدر: مجلة المجتمع)