مقالاتمقالات مختارة

من أصول الإيمان.. الإيمان بالملائكة (6)

من أصول الإيمان.. الإيمان بالملائكة (6)

بقلم أحمد ناجي

الملائكة هم خلق من مخلوقات الله تعالى، لهم أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل والتمثل والتصور بالصور الكريمة، ولهم قوى عظيمة، وقدرة كبيرة على التنقل، وهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، قد اختارهم الله تعالى واصطفاهم لعبادته والقيام بأمره، فلا يعصون الله تعالى ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

والمادة التي خلق الله منها الملائكة هي “النور”، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم” (رواه مسلم).  

الملائكة خلق من مخلوقات الله تعالى لهم أجسام نورانية لطيفة

وقد تضمن القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة الكثير من النصوص التي تبين صفات الملائكة وحقائقها فمن ذلك:

– أنهم موصوفون بالقوة والشدة، كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} (التحريم: 6)، وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (النجم: 5)، وقال تعالى في وصفه كذلك: (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (التكوير: 20).

– وهم موصوفون بعظم الأجسام والخلق، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (التكوير: 23)، فقال صلى الله عليه وسلم: “إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خُلِقَ عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض” (رواه مسلم)، وروى الإمام أحمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم” (رواه الإمام أحمد)، وروى أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام” (رواه أبو داود).

الله تعالى وصف الملائكة بالقوة والشدة

– ومن صفاتهم أنهم يتفاوتون في الخلق والمقدار فهم ليسوا على درجة واحدة، فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له ستمائة جناح، قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) (فاطر: 1).

– ومن صفاتهم الحسن والجمال فهم على درجة عالية من ذلك، قال تعالى في حق جبريل عليه السلام: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5} ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) (النجم)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “ذو مرة: أي ذو منظر حسن”، وقال قتادة: “ذو خلق طويل حسن”، وقال تعالى مخبراً عن النسوة عند رؤيتهن ليوسف عليه السلام: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (يوسف: 31)، وإنما قلن ذلك لما هو مقرر عند الناس من وصف الملائكة بالجمال الباهر.

– ومن صفاتهم التي وصفهم الله تعالى بها أنهم كرام بررة، قال تعالى: (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ {15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ) (عبس)، وقال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ {10} كِرَاماً كَاتِبِينَ) (الانفطار).

– ومن صفاتهم الحياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عثمان رضي الله عنه: “ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة” (رواه مسلم).  

الملائكة يتفاوتون في الخلق والمقدار فهم ليسوا على درجة واحدة

– ومن صفاتهم أيضاً العلم، قال الله تعالى في خطابه للملائكة: (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، فأثبت الله تعالى للملائكة علمًا وأثبت لذاته سبحانه وتعالى علمًا لا يعلمونه، وقال الله تعالى في حق جبريل عليه السلام: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)، قال الإمام الطبري رحمه الله: علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن جبريل عليه السلام، وهذا يتضمن وصف جبريل عليه السلام بالعلم والتعليم، إلى غير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة من صفاتهم العظيمة وأخلاقهم الكريمة الدالة على علو شأنهم وسمو منازلهم عليهم السلام.

وللملائكة عليهم السلام كذلك خصائص قد اختصهم الله تعالى بها، وامتازوا بها عن الجن والإنس وسائر المخلوقات من هذه الخصائص:

– أن مساكنهم في السماء وإنما يهبطون إلى الأرض تنفيذًا لأمر الله تعالى في الخلق وما أسند إليهم من تصريف شؤونهم، قال تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (النحل: 2)، وقال الله تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (الزمر: 75)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون” رواه البخاري.  

الله تعالى اختص الملائكة بأنهم يسكنون السماء

– ومن خصائصهم أنهم لا يوصفون بالأنوثة، وقد أنكر الله تعالى على الكفار ذلك، فقال الله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) (الزخرف: 19)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى) (النجم: 27).

– ومن خصائصهم أنهم لا يعصون الله تعالى في شيء، ولا يقعون في الذنوب، بل طبعهم الله على طاعته، والقيام بأمره: قال الله تعالى في وصفهم: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)، وقال تعالى: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (الأنبياء: 27).

لا يجوز وصف الملائكة بالأنوثة وقد أنكر الله تعالى ذلك على الكفار  

– ومن خصائصهم كذلك، أنهم لا يفترون عن العبادة ولا يسأمون، قال تعالى: (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء: 19، 20)، وقال تعالى: (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) (فصلت: 38).

هذه بعض خصائص الملائكة التي اختصهم الله تعالى بها دون الثقلين من الإنس والجن، وفي العموم فالملائكة جنس آخر، يتميزون في أصل خلقتهم وتكوينهم عن الإنس والجن، كما أن لكل من الإنس والجن خصائصهما التي يتميز بها كل منهما عن الآخر والله أعلى وأعلم.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى