
من أسماء الله الحسنى
اسم الله “الحكيم”
بقلم: د. علي محمد الصلابي( خاص بالمنتدى)
إن من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه هو معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ومن هذه الأسماء الجليلة اسم الله “الحكيم”، فهو سبحانه وتعالى الحكيم في خلقه، الحكيم في شرعه، الحكيم في قضائه وقدره. لا يفعل شيئا عبثًا، ولا يشرع شيئاً سدى، بل كل أفعاله وأحكامه مبنية على الحكمة البالغة، والعلم المحيط. واسم الله الحكيم يدل على كمال علمه، وإتقان صنعه، وعدل حكمه، فحكمته تعالى تشمل كل شيء، من خلق السماوات والأرض، إلى تدبير أمور العباد، إلى ما أعد للصالحين من الثواب، وما أعد للعاصين من العقاب، فكل شيء عنده بمقدار، وكل أمر عنده بحكمة سبحانه وتعالى.
معنى اسم الله الحكيم:
قد دلّت العقول الصحيحة والفطر السّليمة على ما دلّ عليه القرآن والسنة؛ أنّه سبحانه حكيم لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنىً ومصلحة. وحكمته هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل ما فعل. كما أنّها ناشئة عن أسباب بها فعل، وقد دلّ كلامه وكلام رسوله على هذا. وذلك في مواضع لا تكاد تحصى، ولا سبيل إلى استيعاب أفرادها.
“والحكيم” هو الّذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره، الذي أحسن كلّ شيء خلقه ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [سورة المائدة: 50]، وهو الّذي له الحكم في الأولى والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك؛ فيحكم بين عباده في شرعه وفي قدره وجزائه، والحكمة في أسمى صورها من صفاته سبحانه، وهي وضع الأشياء مواضعها وتنزيلها منازلها (قصّة بدء الخلق، الصلابي، ص 358).
وقد ورد هذا الاسم الكريم في واحد وتسعين موضعاً في القرآن الكريم، وفي جميع المواضع يرد مقروناّ باسم آخر من أسمائه تعالى الحسنى، والحكيم من أوسع الأسماء تعلقاً لأنه مشتق من الحكم والإحكام، والإحكام هو الحكمة والإتقان، والحكم نوعان: شرعي وكوني، فهو سبحانه حكيم في شرعه: أي في أمره ونهيه، فلا يأمر عباده بأمر إلا بما فيه مصلحة، ولاينهى عن شيء إلا وفيه خير ومصلحة لهم. حكيمٌ في قضائه وقدره: فيعطي لحكمة؛ ويمنع لحكمة سبحانه وبحمده، ومن الآثار المسلكية للإيمان بهذا الاسم: الانقياد التام والطمأنينة لأحكام الله الشرعية والكونية؛ ينشرح لها صدر العبد ويطمئن فؤاده (المختصر في أسماء الله الحسنى، بندر العبدلي، ص37بتصرف).
واسم (الحكيم) مأخوذٌ من الحِكمة؛ ويعني ذا الحكمة، أو الموصوف بالحكمة، أو مأخوذٌ من الإحكام أي: الذي يُحْكم كل شيء، فالحكيم هنا بمعنى المُحكم، يُحكم الأشياء ويتقنها ويحسنها كما قال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: 7]، وقال سبحانه: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88]، كل خلّقه حسن، وكله جميل وكله مُتَقَّن، وكله في موضعه. ( أسماء الله الحسنى، يوسف القرضاوي، ص341).
وحكمته نوعان:
النوع الأول: الحكمة في خلقه؛ فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملاً على الحق، وكانت غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام، ورتبها أكمل ترتيب، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته، فلا يرى أحدٌ في خلقه خللاً ولا نقصاً ولا فطوراً، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا، وأنّى لهم القدرة على شيء من ذلك، وحسب العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه، ويطَّلعوا على بعض ما فيها من الحسن والإتقان. وهذا أمر معلوم قطعاً بما يُعلم من عظمته وكمال صفاته، وتَتَبُّع حكمه في الخلق والأمر، وقد تحدَّى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرّروا النظر والتأمل هل يجدون في خلقه خللاً أو نقصاً، وأنه لابدّ أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته.
النوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره، فإنه تعالى شرع الشرائع، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه، فأي حكمة أجلّ من هذا، وأيّ فضلٍ وكرم أعظم من هذا، فإنّ معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له وحمده، وشكره والثناء عليه، أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق، وأجلّ الفضائل لمن يمنّ الله عليه بها، وأكمل سعادة وسرور للقلوب والأرواح، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم، فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات وأكمل اللذات، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء، وخلقت الجنة والنار، لكانت كافية شافية، (هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير، فأخباره تملأ القلوب علماً، ويقيناً، وإيماناً، وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، وتثمر كل خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد، وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدِّين والدنيا، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مضرّته خالصة أو راجحة).
ومن حكمة الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو الغاية لصلاح القلوب والأخلاق والأعمال، والاستقامة على الصراط المستقيم، فهو الغاية لصلاح الدنيا، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد ، وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل، فإنّ أُمّة محمد لما كانوا قائمين بهذا الدين وأصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه، كانت أحوالهم في غاية الاستقامة والصلاح، ولمّا انحرفوا عنه وتركوا كثيراً من هداه، ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية، انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم، وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع، وكلها في غاية الإحكام، فهو الحكيم في أحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية (شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، القحطاني، ص71).
المراجع:
المختصر في أسماء الله الحسنى، بندر العبدلي، ط1، 2020م.
قصّة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، علي الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2020م
أسماء الله الحسنى، يوسف القرضاوي، الدار الشامية، تركيا، 2017م.
شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، سعيد علي القحطاني، السعودية، 1988.
إقرأ أيضا:الرد على الشيخ عثمان الخميس(٣)