من أسباب شيوع الإلحاد
بقلم محمد رفعت زنجير
الإلحاد خرافة.. وهو مرض في العقل والسلوك سببه خلل في عملية التفكير، أو شيوع الشبهات، أو اتباع الأهواء. أو جموح في الشهوات، أو محن وظروف قاسية يمر بها بعض من لا صبر له..
ومن أسباب انتشاره في المجتمعات الإسلامية ما يأتي:
1 الهجوم على تراث الأمة وعلومها:
لا شك أن المبالغة في نقد التراث والبحث عن عيوب من سلف وتسفيه تاريخ الأمة واقتصاره على فترة الراشدين فقط.. هذا كله يجعل الشباب يشكون في كل شيء ولا يعتزون بهذه الأمة حتى وجدنا من ينكر أن هذه خير أمة أخرجت للناس.. وهذا كله من بواعث الإلحاد
2 تراجع العناية بالتوحيد
وهناك من تجاهل قيمة التوحيد أو أخرها أو استبدلها…وصارت أعلى قيمة عنده هي الحرية تأثرا بروح العصر… وصار بعض الدعاة يبدون وكأنهم ورثة أفكار الثورة الفرنسية وقاسم أمين…
مع العلم بأن القرآن الكريم لم يجعل شيئا فوق التوحيد، ثم تأتي بعد قيمة التوحيد قيم الجمال والعدل والحرية والمساواة والعلم والعمل وغيرها٠، وكل القيم الجميلة والحيوية تنبع أساسا من التوحيد، قال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25).
3 الطعن بالسيرة والتاريخ
وقد وجدنا من يطعن في الشيخين وعثمان وعلي رضي الله عنهم…بل وفي السيرة النبوية وتفسير القرآن الكريم وعلومه..
والملاحدة اليوم يركزون على السيرة وبعض حوادثها مثل معركة حنين وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب وجمع القرآن…
4 التأثر ببعض لمستشرقين
للمستشرقين بعض الفضائل العلمية، ولكن لبعضهم دسائس ينبغي الحذر منها، ولا ننسى في العصر الحديث كتابات طه حسين الذي استرشد بمرجليوث وفتح باب الشك في صحة الشعر الجاهلي وقصص القرآن الكريم مثل بناء إبراهيم للكعبة.. وقيل إنه قد تراجع عن ذلك فيما بعد سامحه الله.
وكثير من الشكاكين اليوم يقتدون بمنهج طه حسين الذي شك أيضا بوجود عبد الله بن سبأ وادعى أنه خرافة، وصار كل شكاك يدعي العقلانية ويتذرع بمنهج ديكارت..
والشك في كل شيء يلغي كل المعارف والعلوم وقد أشار إلى ذلك المتنبي في قوله:
وليس يصح في الأذهان شيء=إذا احتاج النهار إلى دليل
5 التأثر بالأمم الأخرى
كذلك أدى التأثر بالشيوعية ودولها وشعوبها وجامعاتها إلى شيوع الإلحاد في العالم، وتسرب ذلك إلى المجتمعات الإسلامية المعاصرة بفعل العلاقات الثنائية مع تلك الدول وأنظمتها.
والاحتكاك بالعالم لا مفر منه، ولكن ينبغي توخي الحذر في عملية الاحتكاك المعرفي والثقافي.
6 المبالغة في تقديس الجهلاء لعقولهم
وكذلك هنالك المبالغة في تقديس الجهلاء لعقولهم، فيدعي كل جاهل صاحب هوى أن عقله قال له كذا، ويجعل عقله حجة على عقول البشر غيره، وكأنه لا عقل في الوجود إلا عقله…
7- بعض المصححين الجدد
ولا ننس دعاة الحركة التصحيحية للتراث والعلوم الإسلامية..
فنحن كأمة في عصر عجيب وفتنة عمياء.. فكل عامي وجاهل ومختل وأحمق وعاطل عن العمل… ربما صار مصححا ومحققا لعلومنا وتراثنا وأدبنا وتاريخنا.. يصحح وينقح وينفي ويثبت اعتمادا على عقله فقط… وكثير من هؤلاء لم يقرأ شيئا في علم المنطق أو الفلسفة…
ويقال لهؤلاء الحمقى والغفلة هل تظنون أن علماءنا القدامى كانوا بلا عقول؟
رحم الله أبا العلاء إذ يقول:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا=تجاهلت حتى قيل إني جاهل
فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص=ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل
8- عبادة العلم والخيال
حيث صار هنالك تعظيم هائل للعلم التجريبي وصار مقدما على العلوم الإنسانية والروحانية…
ولا ننسى كذلك شيوع الشبهات وانتشار الزيغ والوسوسات الشيطانية والهلوسات العقلية باسم الحرية والإبداع والخيال العلمي…
9- الشهوات والأهواء
للشهوات والأهواء والإباحية تأثيرها في عصر صارت فيه القيم والآداب والسلوكيات المحافظة محل نقد واتهام وتم وصفها بعقد الماضي
10- الفقر والعوز والحرمان.
فالفقر سلاح الشيطان (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء). وهنالك ارتباط بين الفقر وشيوع الفواحش والكفر والإلحاد، وكاد الفقر أن يكون كفرا كما في الأثر… وعن علي: (لو كان الفقر رجلا لقتلته)…
ويلحق بالفقر الفتن والحروب والفساد الاجتماعي.. إذ يسبب ذلك كله أزمات فكرية ونفسية لدى بعض الناس، تظن أن الوجود عبث، والبقاء للأقوى وليس للأصلح، والحياة فوضى، مما يدفعهم إلى الإلحاد.
11- الفنون الهابطة
يسهم الفن الهابط الذي يتجاوز حدود اللياقة والأدب في تحطيم كل قيمة جميلة في الحياة. ومن ذلك قيمة الإيمان والبعث والجنة والنار…
12- حماقة بعض حملة الدين
حين يفسرون نصوص الدين بما يناقض العلم، أوحين يمارسون الاستعلاء على الناس، أو ينغمسون بالإرهاب وسلوكيات غير لائقة من. نهب التبرعات الخيرية وغير ذلك.. قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44).
نعوذ بالله من الإلحاد ومسبباته
فالإلحاد أكبر خرافة في تاريخ البشر، وأسوأ دين صنعه الإنسان… فقد تم نفي السببية، وصار السبب والمسبب شيئا واحدا، فكل كائن يوجد نفسه بنفسه، يطور نفسه بنفسه، هرب الملحدون من فكرة الخالق الواحد، ليجعلوا كل مخلوق خالقا لذاته، ووضعوا أنفسهم أمام آلهة لا تنتهي…
إن الإلحاد يتحلل من ربط الأسباب بالمسبب، ويبيح كل الحدود ويكسر كل القيود..
ويعود بالناس والعالم إلى عصر الكهوف الأولى حين حكم على كل أديان وثقافات البشر التي تؤمن بفكرة الخالق عبر جميع الأزمنة والأمكنة بأنها خرافة…
نختم بصيحة من أبي العتاهية:
فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ =أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ =وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ =تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
رحمك الله يا شاعر القلب البصير والعقل المستنير والإيمان الكبير
المصدر: رابطة العلماء السوريين