منهج الاجتهاد الطهائي في دراسة وتقويم الفكر الحداثي الغربي
إعداد أ. محمد كنفودي
تسهيم
يقول طه عبد الرحمن:” إذ ما ورد علينا من تراث غيرنا، فيتعيّن أن نخضعه لإجراءات النّقد، لا تنقيصاً منه كما قد يفهم بعضهم، بل ننتقده لامتحانه واختبار مدى مطابقته لمقتضيات واقعنا ومتطلبات وجودنا؛ فليس معنى النّقد هنا القدح والإبطال، وإنما هو وسيلة للتحقق من قيمة ما يرد علينا، حتى نكتسب الملكة على ضبط المفاهيم عن طريق ما نأخذه عن الآخرين”.
تمهيد
استطاع “الفكر الحداثي الغربي” أن يملأ مجالات معرفية عديدة في الوطن العربي والإسلامي نقلاً، دينية كانت أو معرفية أو أدبية أو فلسفية أو تاريخية أو نفسية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو تعليمية ونحو ذلك. وقد تحقق ذلك نتيجة عدة أسباب، منها: غياب الإبداع الفائق أو المُحوج، الفراغ أو الضعف الذي وجد عند من قلده أو لقَمه دون أي اعتبار لأي أمر، فقدان الأفق أو الباعث الموضوعي على الإبداع المستقل الجذري، كل ذلك وغيره ولّد “عقدة نقص” اتجاه “الفكر الحداثي الغربي”، الذي أفضى بأهل “الولع بالتقليد” من “مقلدة المتأخرين” إلى التقيّد بحذافيره؛ فكان من أمرهم أن أقبلوا عليه إقبال المقدس له، الذي لا يرى في الإمكان الاجتهادي سواه؛ بحيث تم أخذ كل ما ظفروا به، دون سؤال ولا تفكر فيه ولا نقد له ولا اعتراض عليه ونحو ذلك من الوجوه المعتبرة في سياق التلقي والتفاعل مع “المنقول”. وكان من هؤلاء زمرة من العرب والمسلمين من أهل الفكر الإسلامي المعاصر المتصل بالنظر في النص الشرعي والتراث الإسلامي، الذين سعوا إلى قراءة النص الشرعي الإسلامي وما انبثق عنه في تاريخ الفكر الإسلامي بكل ما ظفروا به في فضاء “الاجتهاد الحداثي الغربي” من مناهج ومفاهيم وآليات منقولة مجردة كانت أو محمّلة ونحو ذلك مما هو منهجي ومعرفي معاً، دون البحث في مقتضيات “سؤال المجانسة” و”الموافقة” بين مناهج النظر المنقولة وبين النصوص المقروءة، مع العلم بوجود الاختلاف بينهما الذي لا ينكر ولا يسع القارئ جهله، وبالأولى الباحث أو المجتهد. وطه عبد الرحمن وجد في نفس مرحلة الافتتان والإقبال المطلق على “منقول” الفكر الحداثي الغربي”، إلا أنه لم يساير أترابه من أهل الفكر الإسلامي المعاصر في التقليد والاتباع، بل أوجد لاجتهاده ونظره منهجاً خاصاً مستقلاً؛ سواء في النقد والتقويم، أو في الإنشاء والتأسيس، قصد السعي نحو بناء “الإبداع المستقل”.
(المصدر: مركز نماء للبحوث والدراسات)