كتب وبحوث

منهج ابن تيمية المعرفي.. قراءة تحليلية للنسق المعرفي التيمي

اسم الكتاب: منهج ابن تيمية المعرفي، قراءة تحليلية للنسق المعرفي التيمي.

اسم المؤلف: د. عبدالله نافع الدعجاني.

عدد الصفحات: 806 صفحة.

الناشر: مركز تكوين للدراسات والأبحاث.

 

نبذة عن الكتاب:

الكتاب أصله رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه في قسم العقيدة بعنوان (المنهج المعرفي عند ابن تيمية دراسة تحليلية) وبإشراف الدكتور محمد عبد الحافظ حافظ عبده، عام (1434هـ) مبدأيا يمكننا القول إن الكتاب سد ثغرة وجدت في مكتبتنا الإسلامية وهي عن المنهج المعرفي البديل الذي يطرحه ابن تيمية ليكون صالحا في مواجهة مشكلات العصر ويمكن بناء معرفة حقة غير متجافية عن الواقع، ويعضدها تجربة تاريخية متمثلة في شخصية أبي العباس ابن تيمية رحمه الله.

يحاول هذا الكتاب أن يقرأ فكر ابن تيمية من حيث مفاهيمه المعرفية الكلية ويكشفها من جهة إجراءاتـه الاسـتدلالية الجزئيـة، ولم يكن هدف هذا البحث تحرير المسائل العلمية، بقدر تحقيق الدلائل المنهجيـة المولدة لها وليس غرضها تتبع الجزئيات إلا بقدر الوصول إلى الكليـات، ولم تكـن غايتهـا حكايـة المواقف، بل تفسيرها. ولذلك لم يكن الكتاب تقليديا بعنوان (موقف ابن تيمية من النظرية المعرفة) مثلاً.

الكتاب مكوّن من ثلاثة أبواب:

الأول: الفطرة المعرفية:

وهي شعور نفسي ضروري ملازم للنفس يعتبر المرجع المعرفي لكل أنواع المعارف، كما قال ابن تيمية: “لا يتصور أن يعيش أحد بني آدم بل ولا البهائم مع جحد جميع الحقائق والشعور بها…”

الثاني: الواقعية المعرفية:

وهي التي ترتكز على الواقع الموجود في الوجود الخارجي وتعتبره مركزا للمفاهيم ومفسرا لطبيعة المعرفة البشرية.

الثالث: الوحدة المعرفية:

وهي الرؤية الكلية التي تنتظم بها مواقف الشيخ رحمه الله ومن أمثلتها لديه مقولة الموافقة بين العقل والنقل.

بحسب المتابعة لقد فاجأ الدعجاني كتابه بعض الشباب المثقفين الكاتبين في تويتر، وقالوا إن مراد المؤلف: إظهار ابن تيمية الفيلسوف، وكأن هذا عيبا ينزه الشيخ عنه، والذي يظهر أن ابن تيمية فيلسوف، لكن ليس مشروعه الفلسفة، وإنما مشروعه وراثة النبوة، والقيام بدين الله، وطرح الحلول التي تضمن مواصلة الأمة للبقاء على اتصال وثيق بالوحي، باستخلاف حضاري مؤثر في مسيرة البشر.

ولما بحث ابن تيمية فلسفيا أبان عن مقدرته وعمقه، ولا نرى ذلك غريبا لما امتاز به من فهم عميق للوحي فستغدو مثل هذه المقولات بالنسبة له سطر في كتاب لا يحتاج سوى الشرح والنقد والتقويم.

ثم هناك من اعتبره فيلسوفا حقيقا كالأجهر في (ابن تيمية واستئناف القول الفلسفي) وكعلي حرب الذي اعتبره أبرز ناقد للمنطق الصوري بين أرسطو ومفكري ما بعد الحداثة.

قبل ولوجه للباب الاول قدم الدعجاني بمدخل تعرض فيه للمحات من حياة الشيخ: كإلمامه بعلوم عصره وكثرة مؤلفاته، ومراسه في المناظرات واتزانه النقدي واستقلاله المعرفي ومهارته في التأصيل للمقالات والفرق وانفتاحه المعرفي وطول نفسه العلمي في التقرير والنقد.

يعرف الدعجاني المنهج المعرفي بأنه:

النسق العام المكوَّن من مفاهيم كلية فلسفية ذات سلطة منهجية في توجيه تناول الباحث للحقيقة وتفسير مواقفه العلمية تكون له هذه السلطة بمثابة العين الثرة التي تمده بالقواعد والضوابط والمفاهيم والحجج في حالتي:

– التقرير

– النقد

طرح الدعجاني سؤالا :

كيف نقرأ ابن تيمية معرفيا؟ وأجاب: بتتبع نسق ابن تيمية المعرفي.

فإن قيل ما النسق؟ قيل: هو العناصر المترابطة المتفاعلة المتمايزة المكونة نظاما واحدا

وهذا التتبع لا يتم إلا بتحليل علمي لمواقفه، والتقاط المفاهيم المركزية في خطابه، ثم تركيبها وتأليفها حتى تكون الرؤية الكلية الكامنة وراء هذا التراث الهائل.

وهذا هدف البحث.

والمعرفة عند الشيخ نازلة لا صاعدة، نازلة من عند الله، فالمعرفة العليا لديه هي العلم الإلهي، وبناءا عليه فالعلم بالله أشد ضرورة “ورسوخا في النفس من العلم بأن الواحد نصف الاثنين”.

ثم تعرض لمسألة شهيرة وهي حصول المعرفة عقب النظر في الدليل، ثم بيّن افتقار الناظر إلى “الدليل الهادي” كما سماه الشيخ، وبين الدعجاني أن إيمان الشيخ بـ”مصدرية الوحي المعرفية” لم يكن تسليما فقط، بل ومبرهنا عليه أيضاً.

الباب الاول كان بعنوان: “الفطرة المعرفية تأسيسا وبناء”، استوعب (٣٢٥) صفحة من الكتاب..

وشرحها عند ابن تيمية شرحاً وافيا، مرتكزا على أن الفطرة مصدر للمعرفة شارحاً حديث (كل مولود يولد على الفطرة) لكن هذا المفهوم المركب (الفطرة المعرفية) هي عند ابن تيمية قوة أو قبول أو استعداد يقتضي “اعتقاد الحق وإرادة النافع”.

وفي هذا الباب ينفي الدعجاني دعوى استعمال ابن تيمية الشك المنهجي الذي تبناه ديكارت، بل يراه أبعد ما يكون عن ذلك، وذلك لأن ابن تيمية يرى أن أساس المعرفة البشرية هي اليقين القبلي (ما قبل الاستدلال) فالشك المنهجي يلغي المعارف الفطرية.

لكنه يستدرك يقول: لو كان الشك المنهجي حالة بعدية (بعد الاستدلال) على ضوئه تعاد القراءة والمراجعة، فإنه مبدأ علمي مقبول.

ويزعم الدعجاني أن ابن تيمية تبنى (مبدأ التذكير) واستشهد لذلك بقول ابن تيمية: “ولهذا كانت الرسل تأتي بتذكير الفطرة ما هو معلوم لها، وتقويته وإمداده ونفي المغيّر للفطرة”.

ولكي لا يقع خلط بين (مبدأ التذكير) بـ(مبدأ التذكر) عند أفلاطون حاجج الدعجاني وأوضح الفروق بينهما على نحو ما قال سيد محمد الشنقيطي:

نوضّح حين تلتبس المعاني *** دقيق الفرق بين المعنيينِ

وهل يقول ابن تيمية بـ نسبية المعرفة؟ يؤكد الدعجاني ذلك، ويبين أن النسبية هنا لا ترجع إلى العلوم والمعارف نفسها، بل إلى الباحث والناظر، ثم يفرّق بين النسبية التيمية والنسبية السوفسطائية بتفريق جميل، ينفي ما شغب به بعض أشعرية العصر على الشيخ.

وفي آخر الباب الاول أورد الدعجاني القواعد الكلية في الاستدلال عند ابن تيمية.

وفي الباب الثاني بعنوان: “الواقعية المعرفية، كشفا وفاعلية” عرف الدعجاني الواقعية المعرفية بأنها:

التي تتخذ من الواقع الموجود مركزا لمفاهيمها ومستندا لـ فلسفتها.

فالرجل الواقعي: هو الذي يرى الأشياء كما هي عليه في الواقع، وهي التي عدها سيد قطب من خصائص التصور الاسلامي.

وحتى يمكن فهم هذا الباب لابد من استحضار ما قاله ابن تيمية:

“إن لكل شيء أربع وجودات: وجود عيني وعلمي ولفظي ورسمي”.

١- وجود في الأعيان

٢- ووجود في الأذهان

٣- واللسان

٤- والبنان.

لكن الوجود العيني هو وجود الموجودات في أنفسها، والله خالق كل شيء، وأما الذهني الجَنَاني: فهو العلم بها الذي في القلوب، والعبارةُ عن ذلك هو اللساني، وكتابة ذلك هو الرسمي البناني”.

فإذن هذا الباب سيتناول: الواقعية الحسية الوجودية في فصل، والواقعية اللغوية الرمزية في فصل، وهو ما حدث، فقد ناقش في الواقعية الحسية الوجودية منهج ابن تيمية في مسائل مشهورة بحثت في الفلسفة الاسلامية كالعلم الحضوري والعلم الحصولي، وتحدث عن نوعي التصورات الذهنية وهما:

التصورات الاولية: كتصور البرودة

والتصورات الثانوية: ككل ما بني على التصورات الأولية.

ثم يأتي بنظرة ابن تيمية للوجود الذهني أنه أوسع من الوجود الخارجي، وهو ما بنى عليه حجاجه مع المعطلة الذين نفوا صفات الله بأنهم شبهوا الله بالممتنعات وإن كان لها وجود في الذهن، إلا أنه لا شيء يوجد في الخارج إلا ما اتصف بصفة، فـ “ليس كل ما فرضه الذهن أمكن وجوده في الخارج”، وهذا جر الباحث لشرح الامكان الذهني ومشكلة الكليات، والتي ترتكز على أن ابن تيمية لا يرى الكليات إلا في الذهن وليست في الخارج وبيّن أن هذا سبب للضلال، ثم انجر الحديث إلى نقد ابن تيمية للمنطق، وهو المبحث المعرفي الوحيد الذي تطرق له صالح بن غرم الله الغامدي في رسالته (موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها).

وعلى عكس فلاسفة كثر يرى ابن تيمية أن المعرفة الحسية هي أصل من أصول المعرفة البشرية، والعقل مفتقر إلى معاضدة الحواس له، فإذا اجتمع العقل بالحس= أمكن درك الحقائق.

ولذا فأصول الإحساس: السمع والبصر واللمس (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم)

وفي مشكلة الاستقراء: يرى ابن تيمية أن المسوّغ العقلي لتعميمات الاستقراء هي في ثلاثة أمور:

– في إثبات مبدأ السببية العامة (أي لكل سبب مسببا).

– في بدهية التماثل.

– في أن الاطراد يحدث المستقبل كما حدث الماضي إذا وجد التلازم بين السبب والمسبب.

فالمسوغ لتعميم الاستقراء وصدق نتائجه: الدلالة المركبة من الحس والعقل.

وفي فصل الواقعية اللغوية: يمكن تلخيصها في (قصد المتكلم وإرادته)

وهو ما تنصره بعض مدارس الهرمنيوطيقا الحديثة، وما نصره الجرجاني من قبل التي تعنى: بضرورة العلم بمقاصد الناس من محاوراتهم.

يقول الدعجاني:

بحوث ابن تيمية اللغوية تتعلق بأصالة النص الديني، فلم يكن فيلسوفا لغويا أو منظرا بلاغيا يتناول اللغة بشكل عام، بل كان عالم شريعة ومنظر للدلالات اللغوية في النص الديني، إذن فعملية الاستنباط الفقهي منوطة بالبحث عن مراد الشارع.

وكيف نعرف مراد الشارع؟ يطرح ابن تيمية طريقين لذلك:

– دلالة السياق

– فهم السلف

ثم يغلق الدعجاني الباب بالحديث عن المجاز وموقف ابن تيمية منه ومن التأويل.

في الباب الثالث بعنوان: “الوحدة المعرفية مفاهيم وإشكالات” يستفتح الدعجاني هذا الباب بالحديث عن ثمرات الوحدة المعرفية على ابن تيمية، ومن أبرزها:

– الاطمئنان المعرفي والثقة العلمية.

– الوسطية في النقد والتقرير.

– الفاعلية التحليلية.

ثم تحدث عن إشكالات الوجود والمعرفة وتطرق لما يلي:

الكون والشرع عند الشيخ التي تنطلق من قوله تعالى (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) وبذلك باين المعتزلة الذين آمنوا بالحقيقة الشرعية فقط وكذبوا الكونية فنفوا علم الله بها بل أنكروا عموم مشيئة الله القدرية، وباين الصوفية الذين غالوا في الحقيقة الكونية وعطلوا الشرعية وعارضوا بينها، وباين الزنادقة وأهل الكتاب الذين أقروا بالحقيقتين ولكن بزعم التناقض بينها وشككوا في حكمته سبحانه، وباين الاشعرية الذين نفوا الحكمة والتعليل من ذلك كله

ثم انتقل لطرق المعرفة وفصل فيها على ضوء قول ابن تيمية: “كان أكمل الأمم علماً= المقرّون بـ:الطرق الحسية والعقلية والخبرية، فمن كذب بطريق منها فاته من العلوم بحسب ما كذب به من تلك الطرق”

ثم تطرق لمشكلة أخرى وهي التوفيق بين الواجب الشرعي والواقع المفروض في السياسة، وكيف يطرح ابن تيمية توفيقا بينها تنشد الانسجام بينها والاستقرار السياسي، ثم يختم كتابه بالحديث عن علاقة العقل بالنقل، ونقده لقانون المعارضة بين العقل والنقل، ولكنه عموما يؤول تقديم النقل عند ابن تيمية على العقل إنما هو في سياق الجدل والمناظرة والا فالشيخ لا يرى تعارضا بينها أصلا، ثم اقتضب بفقرة جميلة كانت هي آخر الكتاب كمسك الختام، عن “مناط ذم علم الكلام وأهله عند ابن تيمية” لكنه قصّر جداً في بيان ذلك، ولعله اضطر للاقتضاب بسبب ما تفتضيه الدراسة الأكاديمية من وقت في إعداد الرسالة، أو لأي سبب من الأسباب.

وبعد:

فنسأل الله أن يجزي الكاتب خيرا على جهده الرائع، وربما وجد عليه بعض الأشياء لكن لا تنقص من قدر كتابه.

يقول الدكتور طلال الجابري:

” في لحظات استغراقي ومتعتي بأفكار ذلك الكتاب ذكرت عبارة المستشرق “جولد تسيهر”:” لقد قام ابن تيمية بزرع ألغام في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب بينما بقي بعضها ساكناً لم يتفجر حتى الآن”، إني لا أزعم أن المؤلف فجَّر كل الألغام التيمية، ولكنه فيما أحسب استطاع ــــ مع تفجيره بعضها ــــ فهم طريقته في زرعها، وتمكن من تقصي جذوره وتتبع نسقه، وكشف أدواته وأسلوبه في زراعة تلك الألغام المنهجية التي تقوَّت بها ثغور المعرفة الإسلامية، وتقوَّضت بها قلاع أعدائها”.

ولقد أبان المؤلف عن سعة اطلاع في الحقل المعرفي الذي كتب فيه، كنت أتتبع مراجعه فأجده قد رجع في كل مسألة إلى أشهر وأقوى مراجعها، كما أن مزاوجته بين طرح ابن تيمية وبين المفاهيم الفلسفية بارعا مكّنه من البرهنة على فهم كلام ابن تيمية “على ما هو عليه لا كما يحب أن يكون عليه”، كما أن القارئ لا يظفر بانحياز للباحث إلى أي كفة حتى كفة الشيخ، بل جعل القارئ تضطره قراءته إلى الحكم على الشيخ على ضوء شواهد تراثه ومؤلفاته.

المصدر: مركز البيان للبحوث والدراسات.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى