منها مساجد ومقامات لصحابة.. هكذا دمرت العصابات الإسرائيلية 1200 معلم ديني وأثري في القرى الفلسطينية المهجرة
إعداد محمد وتد
تعاني القرى الفلسطينية المهجرة في “فلسطين 48” من ظاهرة نبش ونهب المعالم الدينية والأثرية على أيدي عصابات الآثار المنظّمة، تحت أعين المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، في ظل منع الجمعيات العربية بالداخل الفلسطيني من صيانة وترميم المقدسات والمقامات والمواقع الأثرية. ومنذ جائحة كورونا مطلع 2020 كُشف عن 180 حادثة سرقة ونبش في مقامات ومساجد ومعالم بقرى مهجّرة.
فقد وثق باحثون من “فلسطينيي 48” تدمير وسرقة ما تبقى من حجارة المسجد العمري ومقام الصحابي تميم بن أوس الداري في “بيت جبرين” بقضاء الخليل، وهي البلدة التي دمرها الاحتلال في النكبة عام 1948.
وفي التوثيق نفسه سُجّل نبش مقام الصحابي معاذ بن جبل في قرية عمواس المدمرة في حرب عام 1967، ومقام “النبي هوشان” بقرية هوشة المهجّرة بقضاء حيفا، ومسجدي الغابسية وعمقا في قضاء عكا، وكذلك مسجد حطين بقضاء طبريا، ومقابر بيسان وصفد ومعليا، في المناطق التي احتلتها إسرائيل وهجّرت سكانها بالنكبة أيضا.
ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي دمّر معظم القرى الفلسطينية التي هجرّ سكانها في النكبة فإنه سنّ قانونا لاحقا يجرّم من يدمر الآثار، فقد أسّست ما تسمى “سلطة الآثار الإسرائيلية”، في عام 1985، وحدة خاصة لمحاربة ظاهرة السرقة ومراقبة التجارة بالآثار، لكن هذه الوحدة، كما يقول الباحثون، لا تحرّك ساكنا عندما يدور الحديث عن المعالم في القرى الفلسطينية المهجرة.
تغاض منظم
يُلاحظ أن السلطات الإسرائيلية تسابق الزمن في كثير من المواقع الأثرية والدينية المستهدفة من قبل عصابات الآثار، من أجل إتمام مشاريع بنى تحتية، كشق الطرق، ومدّ خطوط المياه، بغية إقامة مشاريع إسكانية وتجارية وصناعية فوق أراضي الفلسطينيين المهجرين.
ويتزامن تغاضي سلطة الآثار الإسرائيلية، والتعمّد بعدم ملاحقة عصابات الآثار التي تستهدف المقامات والمساجد والمقابر مع محاولات تدنيس ممنهجة يشجعها حظر الجمعيات والمؤسسات بالداخل الفلسطيني من رعاية وإحياء هذه المواقع التي تقع في دائرة أطماع التهويد والاستيطان.
حملة لإغاثتها
يوثق الباحث في الآثار والمقدسات الإسلامية في فلسطين عبد الرازق متاني، وهو من بلدة قلنسوة بالداخل الفلسطيني، عشرات حوادث النبش والتدمير خلال جائحة كورونا، التي امتدت إلى مقامات ومساجد ومقابر، وما تبقى من معالم أثرية بالقرى المهجرة.
ولمواجهة التدمير الممنهج لما تبقى من معالم هذه القرى، أطلق متاني حملة خاصة بعنوان “أغيثوا ما تبقى من مساجدنا ومقدساتنا في الداخل الفلسطيني”.
ودعا متاني إلى تدويل قضية المقدسات والمواقع الأثرية بفلسطين التي تعاني من الطمس الممنهج من قبل السلطات الإسرائيلية، وهو ما يعدّ انتهاكا للقوانين الدولية ومواثيق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”.
يقول متاني، للجزيرة نت، إن الحديث يدور عن أعمال منظمة أشبه بنشاطات عصابات التنقيب عن الآثار التي تقوم بنبش وتجريف المقابر وتكسير شواهد القبور، والحفر تحت أرضية المساجد والمقامات، وسرقة الحجارة، بحيث باتت جدران كثير من المساجد والمباني آيلة إلى السقوط.
جولات ميدانية للتوثيق
كُشف عن حوادث النبش والسرقة المنظمة خلال جولات ميدانية بأنحاء فلسطين التاريخية يشرف عليها الدليل السياحي خالد الددا من النقب، وتشارك فيها مجموعات شبابية من “فلسطينيي 48″، تحت عنوان “عابر الوطن”.
ووثق الددا العديد من حوادث الحفر والنبش للمقدسات والمقامات في منطقتي القدس والنقب، وكانت هذه الحوادث تهدف إلى تدميرها طمسها.
وحسب الوقائع التي وُثّقت وصُوّرت والدلائل التي جُمعت، فلم يبق مسجد أو مقام أو مقبرة أو معلم أثري دون نبشه وحفر أرضيته وجدرانه وسرقة حجارته، علما أن جميع المواقع التي نُبشت وحفرت تتبع لـ”سلطة الآثار الإسرائيلية”.
حظر المؤسسات المهتمة
منذ عام 2016 حُظرت “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث” التابعة للحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، حيث كان الباحث متاني يعمل مدير وحدة الآثار بالمؤسسة.
ويحمّل متاني المسؤولية للمؤسسة الإسرائيلية التي عمدت بشكل ممنهج إلى تدمير المقدسات وطمس معالم القرى المهجرة، مشيرا إلى أن العصابات اليهودية دمرت خلال النكبة 530 قرية وبلدة فلسطينية، ومنعت أهلها من العودة إليها بعد تهجيرهم، وحوّلت القرى المهجرة إلى أحراش ومتنزهات وحدائق عامة تتبع لما يسمى “دائرة أراضي إسرائيل”.
وخلال عمله في “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث”، قام متاني بمساعدة طواقم مهنية وخبراء ومهندسين بمسح ميداني لـ300 قرية مهجرة وما تشمل من معالم.
ويقول متاني “نتحدث عن أكثر من 1200 معلم أثري ومبنى وموقع مقدس، بغالبيتها العظمى دُمّرت واندثرت بسبب الاعتداءات والانتهاكات الممنهجة أو بفعل العصابات”.
ويعتقد أن السلطات الإسرائيلية من خلال التغاضي عن عصابات الآثار تطلق العنان للسُرّاق والباحثين عن الكنوز لمواصلة نبش المقابر وتدمير المقامات وحفر المساجد، بغية وضع اليد عليها ومصادرتها لأغراض تهويدية استيطانية، وبذريعة أن هذه المواقع آيلة إلى السقوط وتشكل خطرا على المتنزهين.
ومن أجل التصدي للانتهاكات الإسرائيلية وللحفاظ على آخر ما تبقى من معالم أثرية ومقدسات بالقرى المهجرة، دعا متاني إلى تضافر كل الجهود وتدويل قضية المقدسات، عبر التوجه محليا إلى زيارتها وفك الحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية عليها.
ويرى الباحث ضرورة في التوجه للقضاء الدولي للضغط على الحكومة الإسرائيلية، والمطالبة بتحرير هذه المواقع واسترجاعها، داعيا إلى حراك عربي وإسلامي للحفاظ على المقدسات والموروث الحضاري العربي والإسلامي فيها، علما أن كثيرا من المواقع الأثرية المستهدفة تعود للحقبة العثمانية.