بسم الله الرحمن الرحيم
تشرّف (منتدى العلماء) يوم أمس 24-3-1439هـ / 12-12-2017م باستضافة الشيخ العلامة المصنف المتفنن (محمد خير رمضان يوسف)، المولود في سورية عام 1375هـ.
صاحب المؤلفات المشهورة والمصنفات المتميزة، والتي من أشهرها السفر النفيس (تتمة الأعلام للزركلي).
وقد أمتعنا الشيخ بحديثه الرائق عن سيرته مع التأليف والكتب والمخطوطات على مدى ثلاث ساعات مضت كأنها دقائق، تحدث الشيخ عن بداية تأليفه للكتب، وقبل ذلك عن شيخه العالم علوان حقي الذي تأثر به ونال على يده إجازة علمية، وأثناء حديثه تبين لي أن الشيخ علوان هو والد زميلي في الدراسات العليا في جامعة الإمام سنة 1403هـ الدكتور أحمد معاذ حقي.
أعطى الشيخ (محمد خير) لمحة عن دراسته في المعهد العالي للدعوة في الرياض، ثم بعض الوظائف التي عمل بها، حتى استقر به المقام في مكتبة الملك فهد الوطنية حيث واكب فكرة تأسيسها ثم نشأتها، ثم عمله المستمر فيها نحو ثلاثين سنة، حتى أُبلغ بالاستغناء عنه، وطُلب منه المغادرة، فأهدى مكتبته النادرة، ثم غادر إلى إسطنبول واستقر فيها قبل أسابيع قليلة. وكان قد وصل إلى الرياض في عام 1402هـ.
يعد الشيخ (محمد خير) من النوادر في معرفة الكتب والمخطوطات وتراجم الرجال، ولذلك جاءت مصنفاته على جانب كبير من الندرة والإجادة والتنوع، ومن أهمها -حسب اطلاعي المحدود- كتابه (تتمة الأعلام) الواقع في عشر مجلدات، وقد جاء متميزاً عن الأصل الذي هو كتاب (الأعلام) للزركلي بمميزات كثيرة من أهمها شمول التراجم للعرب وغيرهم، وعنايته بوصف حال المترجم له، وبيان توجهه الفكري.
وقد أبان في خاتمة كتابه المذكور ما ينبغي على من يتصدى لتراجم الأعلام فقال: (يذكر تخصصه من خلال الشهادات الأساسية والفرعية المتخصصة التي حصل عليها، وهل مارسها أو مارس أعمالاً أخرى؟ فيذكر أنه كان أستاذاً في علوم القرآن، أو موجهاً تربوياً، أو عالماً نووياً، أو مهندساً معمارياً، أو مناضلاً سياسياً، أو قاصاً، أو شاعراً، أو ممثلاً وهكذا.
ويذكر المناصب التي اعتلاها، من رئاسة، ووزارة ورتب عسكرية، وقضاء، وعمادة..
وأهم شيء في الترجمة ذكر عقيدة الشخص ومنهجه في الحياة، وسلوكه، فهل كان من جماعات إسلامية معيّنة، أو علمانياً وحداثياً، أو على ملّة أخرى، أو حزبياً شيوعياً، أو ناصرياً وبعثياً، أو من جمعيات صهيونية، أو مذاهب سياسية أخرى..
إن هذا ما يريده الجميع، فكل يحب مذهبه ومعتقده، ويريد أن يعرف هل هذا الشخص معه أو ضده؟ وهو مهم لمن يتصدى للتراجم من الإسلاميين، ليبيّنوا للقارئ المسلم حقيقة من يقرأ له أو يسمع به، فيحبه أو يحذره، وكان هذا منهج سلفنا في كتابة التراجم، وهو قريب من منهج الجرح والتعديل، فيذكرون الفرقة التي ينتمي إليها الشخص بكل وضوح، كأن يكون شيعياً، أو معتزلياً، أو جهمياً، أو حتى من مذاهب فقهية، إن كان مالكياً، أو حنفياً..
ولا أعرف لماذا يتحرج بعض الناس من ذكر ذلك وقد كرّس المُتـَرجَم له حياته كلها لمذهبه ومنهجه؟ ويدعو الناس إليه ويفتخر به، ويريد أن يعرفه الناس بهذا، فلماذا لا يقال ذلك في ترجمته وقد صبغ حياته به؟
كما يذكر الجمعيات والهيئات والمنظمات والمؤسسات التي ترأسها أو كان عضواً فيها، فإنها تقرّب انتماء الشخص واهتمامه.
وحضوره المؤتمرات والندوات والمهرجانات وأنواعها، ومشاركته في الحياة الثقافية أو الأدبية أو الاجتماعية وما إليها.
وإنجازاته وما ترك من أثر علمي واقع أو شارك فيه، أو أشرف عليه، أو وجه إليه. ومن خبرة، وتأسيس، واختراع، وإبداع، ومساهمة…
والآثار العلمية من كتب وبحوث، ومقالات، ومحاضرات، وتسجيلات صوتية، وأفلام، ولوحات خطية).
قلت: ومن دأبه في الكتاب أن يضع في أول الترجمة وصفاً مختصراً لصاحبها كأن يقول: (عالم داعية) أو (كاتب شيوعي) أو (دبلوماسي مخبر) أو (داعية صوفي) أو (أديب شاعر) ونحو ذلك مما هو مبين في ثنايا الترجمة، وفي الكتب التي يحيل إليها في الهامش.
وقد عني بتراجم شخصيات لا يجرؤ أحد على ذكرها في زمننا هذا فضلاً عن أن يترجم لها!!
كما أنه اهتم بالتدقيق في تراجم من اختلف الرأي فيهم، وكذلك بأولئك الذين اشتهروا بالعمل للإسلام وخدمته والدعوة إليه، أو أولئك الذين ارتكسوا في معاداة الإسلام ومضادته ومحاربة قضاياه، معتمداً في كل ذلك على التوثيق والدقة والأمانة، وقد ساعده في هذا الكتاب ولده الزبير كما هو مذكور في غلافه.
ثم يجيء كتابه الثاني (تكملة معجم المؤلفين) في نحو سبعة مجلدات ليسد ثغرة زمنية من بعد (عمر كحالة) حتى هذا الوقت. وعلى منواله أيضاً كتاب (تكملة معجم أعلام النساء).
وعلى هذا النحو كتابه المعدّ للطباعة (معجم المؤلفين المعاصرين في آثارهم المخطوطة والمفقودة وما طبع منها أو حقق بعد وفاتهم). وكتابه (المكثرون من التصنيف في القديم والحديث: من صنف مائة كتاب فألفاً فأكثر).
وفي الميدان نفسه له كتاب في موضوع نادر وهو (جولة بين كتب غريبة) وقد طبع منه عدة أجزاء وبقيت تسعة أجزاء معدّة للطباعة.
كما ألف في الفرائد العلمية كتاب (نوادر الشوارد) و(نوادر الكتب غريبها وطريفها).
أما الكتب والرسائل المخطوطة التي حققها فكثيرة منها:
- الحذر في أمر الخضر لملا علي قاري وهو أول كتاب بدأ به عمله التأليفي.
- رفع الريبة عما يجوز وما لا يجوز من الغيبة للشوكاني.
- تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين لمحمد المغيلي التلمساني ت 909هـ.
- الحيطان، مخطوط قديم في موضوع نادر يتحدث عن أعمال البلدية الإسلامية من أحكام الطرق والسطوح والأبواب ومسايل المياه وغير ذلك.
- مجموعة من رسائل ابن أبي الدنيا مثل: المحتضرين والمتمنين وكلام الليل والنهار.
- دلالة الشكل على كمية الأكل، وهو مخطوط لمحمد بن علي بن طولون يتحدث عند حدود الشبع.
ولا أستطيع في هذا الموجز أن أذكر كل أعماله التي تربو على مائتي عنوان.
وهو إلى كل ذلك يحتوي على أدب جم وتجربة غزيرة ومعرفة ثاقبة بالكتب والرجال والأحوال والدول وأهلها، مع روح رساليّة عالية، وصبغة تربوية إيمانية ظاهرة، وتواضع جمّ، وخلق حسن.
لقد كانت ليلة من ليالي العلم الجميلة في صحبة هذا العلم الفريد، الذي تعتبر مجالسته ومحادثته ومدارسته مورداً من موارد العلم والمعرفة، ووجوده في تركيا فرصة لطلاب العلم ومحبي الكتب أن ينهلوا من علمه ويستفيدوا من خبرته.
وإني لأقول صادقاً لو أن هذا الرجل في أحد البلدان الغربية لكانت له مكانة مرموقة في الجامعات والمكتبات ومراكز الأبحاث، ولكن للأسف ما زلنا في أوضاع يرتفع فيها اللاهي الهامل وينخفض فيها المبدع العامل.
كما وصف الطغرائي في لاميته:
وإن علانيَ مَن دوني فلا عجبٌ لي أسوةٌ بانحطاط الشمس عن زحلِ
ما كنتُ أؤثر أن يمتدَّ بي زمني حتى أرى دولةَ الأوغادِ والسفلِ
تقدمتني أناسٌ كان شوطهم وراءَ خطوي إذ أمشي على مهلِ
قد رشَّحوك لأمرٍ إن فطنت له فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهملِ
سعيد بن ناصر الغامدي
الأمين العام لمنتدى العلماء
24 ربيع الثاني 1439 / 12-12-2017