منبع الإرهاب الأكبر الضغط الصليبي الصهيوني
بقلم أ. د. عبد الحليم عويس
(خمسة قرون والغزو مستمرّ ..) هكذا يطلق هذا الشعارَ (نعوم تشومسكي) عنواناً لكتابه … وهو عنوان واضح الدلالة على أننا نواجه بأساليب مختلفة سرّية لنية حرباً صليبيةً منذ عدة قرون، فلم تضع الحربُ الصليبيةُ الواضحةُ أوزارَها حتى هرع الأوربيون ـ من خلال كتابات المستشرقين وطلائع الاستعمار الحديث ـ إلى تغيير خططهم والبدء بحرب أخرى ذات طبيعة خاصة!!
ـ وقد حصلت بريطانيا على شرف تدمير ملايين المسلمين وإبادتهم في شبه القارة الهندية وإفريقيا. أما فرنسا فقد كان لها في الجزائر وحدها شرفُ إبادة ثمانية مليون مسلم خلال مائة وثلاثين سنة.
– وهكذا نجد أن التوجّهَ الصراعيَّ خطّ مستمر شبهُ ثابت في موقف الحضارة الأورو أمريكية من الآخر المسلم .
وانطلاقاً من الفكر الديني الوثني القديم القائم على (صرع الآلهة) في اليونان ، والفكر الفلسفي القائم على مقولات (نيتشة وهيجل) والفكر الاقتصادي القائم على (صراع الطبقات)، و(وحشية الرأسمالية) لصالح الأغنياء تحقيقاً لقاعدة عَوْلَمَة الفقر لإبادة أربعة أخماس البشرية، ومروراً (بنهاية التاريخ) لصالح الرأسمالية عند “فوكاياه” و (صدام الحضارات) عند (هنتنجتون) وأستاذه (برنارد لويس) المُنَظِّر (اليهودي البريطاني الأمريكي) الدائم لوجوب إبادة المسلمين بكل الطرق.
وانطلاقاً من هذه الرؤية العنصرية العنيفة ضد المسلمين يتعامل الغرب بمعايير مزدوجة لصالح اليهود دائماً ، ويعطل فعالية الأمم المتحدة ومجلس الأمن دائماً ، ويفتعل صوراً من الإرهاب عن طريق أفراد مُسْتَأْجَرِين أو ممسوخي العقل ، أو جهلاء لا يُؤْبَهُ بهم من أجل تبرير إبادته الجماعية لشعوب إسلامية في مقابل أخطاء فردية – والعجيب أنه يدين دون محاكمة أو إجراءات قانونية – وحتى اليوم ما زالت حوادث 11 سبتمبر بعيدةً عن أن تخضع لمحكمة دولية عادلة، تعرف فيها الحقائق كما هي ، لا كما صَوَّرَها طرفٌ من الأطراف.
– إن الشعوب الإسلامية تواجه مشكلةً مأساويةً غريبةً تدفع بعضَ أبنائها عن حدود الوسطية والاعتدال؛ فالمجرم الصليبي والصهيوني هو القاضي ، وعلاقته ببعض الحكام العرب علاقة غير معروفة المعالم لدرجة تحار فيها بعض العقول فتتساءل : أ حكامنا لنا ومعنا ، أم معهم ولهم؟ وتمشي الشعوب بلا حارس يحميها ويقودها. وكل ذلك يمضي والشعوب المسلمة تعاني من إذلال الدول الكبرى والصهيونية وقهرها وإبادتها للمسلمين أصحاب أرخص الدماء في الأرض، سواء في فلسطين أم العراق أم أفغانستان أم غيرها. وكما يقول “رجاء جارودي”: فإن الغرب سلب ونهب وقتل الآخرين طَوَالَ خمسة قرون بمنهجية مؤسسة تارةً على أصولية دينية طبقاً لأخطر أساطير التاريخ الإنساني : الشعب المختار ، وأرض الميعاد ، ومملكة المسيح على الأرض التي تشيّد على دماء عشرات الملايين من القتلى، وتارةً على علمانية ليبرالية طبقاً للدارونية الشاملة ذات البقاء للأقوى ، وأن للأعراق الأعلى حقوقاً على الأعراق الأدنى(1)، ومع ذلك كله ، أي مع غزو الغرب للشرق لمدة خمسة قرون ، ومع أن الغرب هو الذي أطلق حلقة العنف الشرير الأول ؛ فإنه إذا هبت شعوبُ الشرقِ والإسلامِ تدافع عن نفسها أصبحت إرهابيةً جديرةً بسحقها.
ويرى مكولي: C.Mcauley أن ردّ الفعل المتحيز ضدّ العرب والمسلمين يجعلهم يتجهون من مؤيدين ومساندين للجهود المبذولة لمكافحة “الإرهاب” إلى مساندين “للإرهاب”، كما يؤدي أيضاً إلى رد الفعل المتحيز إلى الشك بالقوة والكره الموجّه نحو العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية .
ويرى مكولي – أيضاً – أن العنف الذي تمارسه بعضُ المؤسسات الإسلاميّة ناتج أساساً عن السياسية الأمريكية التي تكيل بمكيالين بانحيازها الشديد لإسرائيل ، واستناد هذه السياسة إلى الهيمنة والسيطرة والابتزاز والاستغلال لموارد الدول الأخرى فيما يخدم المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى؛ فهؤلاء الذين يمارسون العنف من المسلمين يدركون أن الولايات المتحدة كانت وما زالت تؤذي المسلمين وتُذِلّهم منذ خمسين عاماً.
لقد أشارت دراسة أعدّتها سكرتاريةُ الأمم المتحدة عن الإرهاب عام (1979م) إلى أن أهم الدوافع وراء ممارسة الأنشطة الإرهابية هي السيطرة الاستعمارية والعدوانية على بعض الدول وممارسة التمييز العنصري ، واستخدام القوى من جانب بعض الدول، والتدخّل في الشؤون الداخلية، والاحتلال الأجنبيّ للشعوب ، وممارسة العنف والقمع بهدف السيطرة على بعض الشعوب، أو إجبار السكان على التخلي عن أراضيهم.
كذلك أشارت الدراسة إلى أن من أهم الأسباب استمرارَ النظام الاقتصادي الدولي غير العادل، وغير المتوازن – والاستغلال الأجنبي للموارد الطبيعية للدول بالقوة، والتدمير المستمر أو المنظم من قوى أجنبية لدولة أو سكانها، أو للبيئة الطبيعية، والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان سواء من خلال السجن أو التعذيب ، أو الأعمال الانتقامية، والشعور بالجوع والحرمان والبؤس(2).
لقد أصبحت الولايات المتحدة القوةَ الوحيدةَ في العالم، وأصبحت الرمزَ الفعليَّ للجيش العلماني والغربي، والقوة الاقتصادية الكبرى، ورمز الهيمنة والسيادة على بقية دول العالم “شرطي العالم”.
ولقد أصبح ينظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدى الدول بأنها تجسيد للاستعمار الجديد، ورمز للقوى العلمانية والاقتصادية التي تفرض التغير الخارجي على كثير من دول العالم المستقرة في الماضي بالترهيب والتهديد.
وبالنسبة للجانب الاقتصادي تدل إحصاءات البنك الدولي على أن ثلث أقطار العالم يعيش ما بين (30 – 40%) من سكانها تحت خط الفقر، ويعيش (40%) من سكان العالم في اقتصاديات يقل فيها مُعَدَّلُ الدخل السنوي لكل فرد عن (800 دولار)، وهناك (2.8) مليار نسمة في العالم يقل دخل كل فرد منهم عن (2) دولار في اليوم، و(1.3) مليار نسمة يقل دخل كل فرد منهم عن دولار واحد في اليوم … وكل ذلك نتيجة جشع أمريكا وأوربا والصهيونية، وتعمدّهم السيطرةَ على مصادر الثروة وفرض الفقر باسم العَوْلَمَة على أربعة أخماس البشرية ، كما أثبت العالمان الألمانيان “مارتن” و”شومان” في كتابهما الرائع عن (فخّ العولمة)(1).
وتدل الاتجاهات العالمية على أن (20%) من سكان العالم الأكثر فقراً لديهم (1.2%) عام 1997م، ويقدر البنك الدولي أن ما بين (600) مليون إلى مليار سيولدون في فقر مدقع ما بين عامي (2000–2015م) وأن ثلاثة مليارات من الناس سيكونون فقراء في هذا الوقت .
وهكذا فإنّ الموقفَ الظالمَ للدول الكبرى والصهيونية – مع سلبية كثير من مسؤولي العالم العربي، ومنعهم شعوبَهم – من الوقوف مع إخوانهم المسلمين الذين يتعرضون للقتل اليومي، والتعذيب الوحشي من جانب الديمقراطية الأمريكية (الصليبية) والصهيونية …
هذا الواقع يفرض ظلالَه النفسيّةَ والوجدانيةَ على الإنسان المسلم فيندفع – لا سيما في مرحلة الشباب التي يصعبُ معها الصبرُ والنظرُ في عواقب الأمور – إلى الخروج عن الوسطية والاعتدال ، فيميل إما إلى التفريط السلبيّ الذي يجعله ينحدر إلى السلوكيات المُبَدِّدَة لطاقته، وعقله فيهمل كلَّ شيء، وقد ينحدر إلى المنحدرات والانحرافات القابلة – أو يميل إلى الإفراط؛ فينخرط في سلك جماعة من تلك التي تجنح إلى التكفير والإرهاب.
– ومع أنني أدرك صعوبةَ هذا الواقع وضغوطَه على الحكام والمحكومين معاً في ظل تسلّط القوى الصليبية والصهيونية – إلاّ أنني أدعو إلى حوار قويّ واضح بين العناصر الفاعلة في المجتمع ، وبين الحكومات والمسؤولين ، بهدف التعرّف على الممكن الكائن ، وعلى ما ينبغي أن يكون ، ومن ثم الوصول إلى طريق للخروج من هذا النفق المظلم بكل الوسائل الشرعيــة والعقليــة الممكنــة الموصلة إلى درء هذه المفاسد، ومن ثم العمل على جلب المصالح.
– إنها تحديات صعبةٌ؛ لكنها ليست مستحيلة المواجهة، إذا وجدت الإرادة الحضاريّة والإيمانَ الصحيح .
* * *
ربيع الأول 1431 هـ = فبراير – مارس 2010م ، العدد : 3 ، السنة : 34
(1) روجيه جارودي: الإرهاب الغربي، ج2، مكتبة الشروق الدولية.
(2) الأبعاد القانونية للإرهاب الدولي، مجلة السياسية الدولية عدد 85، يوليو 1986م.
(1) (صدر عن دولة الكويت سلسلة عالم المعرفة) .
(المصدر: مجلة الداعي الشهرية / دار العلوم ديوبوند)