مليون شخص مفقود في الصين .. البحث عن الأويغور المختفين
إعداد مورجان ميكر
يُعتقد أن الصين قد احتجزت مليون شخص من الأويغور وغيرهم من الأقليات المسلمة في شبكة بائسة من معسكرات “إعادة التعليم”. بالنسبة للأقارب في الغرب، يبدو أنهم اختفوا في الهواء.
عندما يتحدث أزهر أنور عن والده، أنور نياز، يرسمه ككوميدي ومهرج في مجموعة صداقاته. ويصف كيف أن المعلم البالغ من العمر 57 عاماً كان يحظى بالضحك الشديد يملأ المكان مع تقليده لنجوم البوب المشهورين. ولكن في المنزل، يكون الوالد أكثر جدية مع إثنين من الأبناء. يقول أزهر: “كان والدي يقول لنا بإستمرار إنه ينبغي لنا أن ندرس وأن نكون متعلمين تعليماً جيداً. وطوال فترة طفولة أزهر، أدى هذا الشعار إلى رحلات منتظمة إلى المكتبة المحلية، حيث كان والده ينتظره بينما يختار العديد من الكتب.
يذكر أن أنور، هو واحد من حوالي 11 مليون أويغور يتحدثون التركية، وهم شعب مسلم يعيش فى مقاطعة شينجيانغ (تركستان الشرقية) فى غرب الصين. حيث يقوم الحزب الشيوعي الصيني بالتشجيع على التخلي عن معتقداتهم الدينية، وعلى الرغم من أن أنور وُلد مسلماً، “فهو لم يصل أبداً”. “لم يقل أي شيء ضد الحكومة، كان دائما مخلصاً جداً”. في الوقت الذي إختفى فيه أنور كان عضواً في الحزب الشيوعي لمدة 30 عاماً.
لكن الولاء لم يكن كافياً لتجنيب أنور من حملة الصين على الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى. وتقدر جماعات حقوق الإنسان أن ما بين مليون وثلاثة ملايين شخص محتجزون الآن في معسكرات اعتقال التي تسميها الصين مراكز”إعادة التعليم”. في أبريل 2018، أصبح أنور واحد من هؤلاء المحتجزين.
لدى الصين علاقة طويلة ومشحونة مع الأويغور في شينجيانغ. وخلال العقد الماضي، إشتكى الأويغور عن إستمرار إنتهاكات حقوق الإنسان والقمع العنيف للمظاهرات السلمية، في حين ربطت السلطات الصينية مسلحي الأويغور بعدة هجمات مميتة. وقد أعلنت شينجيانغ إستقلالها مرتين في التاريخ الحديث؛ مرة واحدة من 1931 إلى 1934، ومرة أخرى بين 1944 و 1949، باسم جمهورية تركستان الشرقية في نفس الوقت تم ضم المنطقة في الصين الشيوعية. وفي حين أن الأويغور لا يزالون يطالبون بعودة دولة تركستان الشرقية المستقلة، يقول الخبراء إنه لا يوجد جدول أعمال واحد يوحد الأويغور؛ حيث أن بعض الأويغور سعداء للإندماج مع الصين.
يقول أدريان زينز، الباحث المستقل والخبير في سياسات الأقليات في الصين، إن معسكرات إعادة التعليم في المنطقة مرتبطة بمخاوف الصين بشأن الإنفصالية الأويغورية، لكنها تتعلق في نهاية المطاف “بعجز بكين عن إستيعاب هذه الأقليات التركية”. وتشير السياسات الأخيرة في شينجيانغ، التي شملت حظر لغة الأويغور وتنفيذ برنامج مراقبة بعيد المدى، إلى أن السلطات الصينية تحاول تجريد الأويغور من حرياتهم الدينية والثقافية.
عبر البريد الإلكتروني، يكتب زينز أن الإستيعاب كان منذ فترة طويلة هدفاً للدولة الصينية. كما يقول “الإستيعاب يُمكّن من السيطرة”. “إنه يجعل من السهل على الأقليات فهم وتقليل الفرق في هويتها المتصورة مقارنة بأغلبية الهان. إن القيادة الصينية تشكك في الأشخاص المختلفين عنهم ويتحدثون لغات مختلفة”.
ولا أحد يعرف ما يحدث داخل مرافق “إعادة التعليم” هذه، التي وصفتها وثائق الحكومة الصينية بأنها “تحول من خلال مراكز التعليم”، ومن قبل الناشطين الأويغور فإن هذه المرافق “معسكرات إعتقال”. تقول هيومن رايتس ووتش إن المحتجزين يُلقنون سياسياً ويُجبرون على غناء الأناشيد الوطنية ومشاهدة مقاطع الفيديو الدعائية. وقد أثار تقرير صادر عن منظمة رصد حقوق الإنسان في عام 2018 مخاوف بشأن الوفيات والتجاوزات في المعسكرات، فضلاً عن الظروف السيئة، والإكتظاظ، والحبس لأجل غير مسمى.
وتقول صوفي ريتشاردسون، مديرة هيومن رايتس ووتش في الصين، إن إنتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ تفاقمت عندما نُقل تشين تشوانغو، الأمين السابق للحزب في التبت، إلى المنطقة كأمين للحزب في شينجيانغ في عام 2016. ومنذ ذلك الحين، استخدم تشوانغو “حملة “الضرب بالقوة” لمكافحة “الإرهاب العنيف” كذريعة لقمع الأويغور -أصحاب الأرض الأصليين- بشكل منهجي. وتقول ريتشاردسون: “من المهم جداً أن نفهم أنه لا يوجد أي أساس قانوني لهذه الإعتقالات”.
ومع ذلك، فقد تكون هذه السياسات تجاه الأقليات أكثر من مجرد القضاء على منافس أيديولوجي أكثر من الرد على التهديدات الحقيقية للتطرف الديني. يقول زينز: “لقد قدمت الأديان المنظمة تاريخياً بديلاً أيديولوجياً قوياً للشيوعية. بالنسبة للمغتربين الأويغور، فإنهم يشعرون كما لو أن الأقارب تختفي في الهواء الرقيق. وعندما يتم إحتجازهم، يتوقف الإتصال فجأة – بدلاً من ذلك تتسرب تفاصيل إحتجازهم عن طريق أصدقاء العائلة من خلال شبكة التواصل الإجتماعية الصينية وي تشات We Chat. لا يتم إعطاء أسباب أبداً عن سبب القبض عليهم، فقط التكهنات حول متى – أو إذا – سيتم الإفراج عنهم.
أزهر، الذي يعيش الآن في بلجيكا مع أطفاله، شديد القلق بإختفاء والده أنور. نحن – في الشتات – نتأثر بشدة بالوضع. وهو مدمن على قراءة شهادات الناجين والقصص الإخبارية عن المعسكرات التي تنتشر على الفيسبوك. عبر الهاتف، يقول: “أحاول أن أتخيل مدى قسوة الوضع بالنسبة لوالدي. إنه شعور قاتل”.
وفى مؤتمر صحفي نشرته صحيفة نيويورك تايمز فى يوليو، إدعى أركين تونياز نائب رئيس حكومة شينجيانغ أن أكثر من 90 فى المائة من الطلبة عادوا إلى المجتمع وإلى عائلاتهم ويعيشون بسعادة. وقد إستخدم اللغة الرسمية لوصف المعسكرات، واصفاً إياها بأنها مراكز “تعليمية” – والموجودون بداخلها هم “طلاب”.
وقد قوبل هذا البيان بالسخرية في أوساط المغتربين الأويغور. دولقون عيسى رئيس المؤتمر العالمي للأويغور الذي يتخذ من ألمانيا مقراً له قد أخبرني في لندن بأن “هذه كذبة كاملة”. ولم ير أي دليل على أن عدداً كبيراً من الأشخاص قد أُخلي سبيلهم. لم يتغير شيء ولكن بسبب تزايد الضغط الدولي، إضطرت الصين إلى الدفاع عن موقفها؛ في محاولة لإخفاء الواقع.
في مايو 2018، توفيت والدة عيسى وتدعى آيخان محمد، البالغة من العمر 78 عاماً، في معسكر. لقد إكتشف ذلك بعد ثلاثة أسابيع، ويقول أنا لا أعرف أي تفاصيل، لقد حصلت للتو على أخبار أنها ماتت. لا أعرف عدد أفراد عائلتي الذين هم في المعسكرات، ولا أعرف ما إذا كان والدي البالغ من العمر 90 عاماً على قيد الحياة أم لا.
ورداً على بيان تونياز، بدأ الأويغور على تويتر في النشر عن أقاربهم المفقودين مع الوسم (إثبتوا الـ 90 %)#Provethe90٪. وفي إحدى التغريدات كتب عرفات إركين، الذي يحمل أحياناً إسم ألفريد أويغور، وهو طالب يبلغ من العمر 22 عاماً يعيش في الولايات المتحدة. وجاء فيه: الصين تُظهر لي والدي وإبن عمي إلزات وآخرين من أقاربي. #prove90% معتقلي معسكرات الإعتقال يتم الإفراج عنهم كما ذكرت. حيث مرت سنوات منذ آخر مرة سمعت فيها صوت والدي.
عندما وصل لأول مرة إلى الولايات المتحدة، قبل ما يقرب من أربع سنوات، كان أركين يتصل بعائلته دائماً. في عام 2016، عندما سمع عن احتجاز الأويغور، أدرك أن البقاء على إتصال يمكن أن يُعرض والديه أركين تورسون وجولنار طلعت لخطر أكبر. أصبحت محادثاتنا أقل وأقل، مجرد أسئلة قصيرة مثل، “كيف حالك؟” وسرعان ما شعرت أن حتى تلك الرسائل خطيرة للغاية وبحلول عام 2017 كانوا قد حذفوا بعضهم البعض من وسائل التواصل الإجتماعي.
إعتقدت أن الأمور سوف تتحسن في وقت قريب جداً. وعندما لم أسمع أي شيء، إعتقدت أنهم كانوا مشغولين، وإعتقدت أنهم كانوا يعملون فقط. ثم في أغسطس 2018، إتصل به صديق للعائلة وتواصل معه وأخبره، تم إرسال والدته إلى معسكر تعليمي وكان والده في السجن.
عرفات لا يعرف لماذا تم إحتجازهم. ويتساءل عما إذا كان ذلك لأنهم كانوا متعلمين جيداً – والدته تدرس الرياضيات ووالده كان مدرساً ومنتجاً تلفزيونياً. ويقول كان العديد من المعتقلين مثقفين متعلمين في مجتمع الأويغور. لكنه يتساءل أيضاً عما إذا كان قد تم القبض عليهم بسببه، ولأنه كان لديهم إبن يدرس في الولايات المتحدة.
وقليلون هم الذين يستطيعون فهم سبب إحتجاز الأشخاص الذين يحبونهم. وفي غياب الأدلة، يلوم الكثيرون أنفسهم، والإشتباه في وجود أقارب في الخارج عامل مؤهل للإحتجاز. تعتقد روشان عباس، وهي أويغورية أميركية غادرت شينجيانغ في أواخر الثمانينات، إن إختفاء شقيقتها كان عقاباً على نشاطها – حيث فُقدت جولشان بعد ستة أيام من حديث روشان عن أزمة الأويغور في مركز أبحاث في واشنطن.
وتصف كيف أن شقيقتها الكبرى هادئة ولطيفة. حيث تقاعدت الدكتورة جولشان عباس، 57 عاماً، في وقت مبكر من عملها كطبيبة أمراض جلدية بسبب مشاكل صحية. ولكن حتى أثناء التقاعد، أرادت مساعدة الناس. ذلك عندما بدأت مرافقة الأويغور من القرى إلى مستشفى المدينة في أورومتشي، حيث كانت تعيش. كثير من الناس من المناطق الريفية في شينجيانغ لا يتحدثون لغة الماندرين الصينية لذلك فإن جولشان، التي تجيد اللغة الصينية، كانت تترجم لهم، وتساعدهم في الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه.
تقول روشان: ليلاً ونهاراً كانت تأخذ هؤلاء الناس إلى المستشفى. أصبحت مثل الأم تيريزا. كنا نمزح معها على أنه على الرغم من تقاعدها، كانت تعمل الآن أكثر مما كانت تعمل بدوام كامل.
إلى إبنتها زيبا، التي تعيش الآن في فلوريدا، جولشان هي سيدة لطيفة وأم طبيعية. وعلى غرار عمتها، فإن زيبا غاضبة من صمت السلطات بشأن قضية جولشان. لم تُر جولشان منذ 11 سبتمبر 2018. تقول زيبا: هذا أمر قاسٍ، لماذا تختفي هكذا؟ إنها امرأة متعلمة، ولا تحتاج إلى أن تكون في معسكر تعليمي.
(المصدر: تركستان تايمز)