ملخص كتاب: القراءة التجزيئية للنصوص الشرعية وأثرها في افتراق المسلمين للدكتور سعد بن علي الشهراني
كتاب (القراءة التجزيئيّة للنصوص الشرعيّة وأثرها في افتراق المسلمين)، للدكتور سعد بن علي الشهراني، يعالج خطر الفهم القاصر للنصوص الشرعية وأثر ذلك في افتراق المسلمين واختلافهم شيعًا وأحزابًا، حيث تناول فيه مؤلفه مفهوم القراءة العضين التي تأخذ بموجبها كل فرقة ما تهوى من النص الشرعي وتترك ما لا تهوى، وأسباب هذه القراءة، وآثارها، وعرض بعضًا من نماذجها، وختم ذلك ببيان القراءة الشموليّة وأهميّتها في دفع القراءة التجزيئيّة.
وهذا الكتاب أصدرته “رابطة العالم الإسلاميّ” ضمن سلسلة “دعوة الحقّ”، السنة الخامسة والعشرون، العدد (244)، العام 1432هـ – 2011م، ويقع في (126) صفحة.
وقد رأينا في موقع على بصيرة أنّ من المفيد نشر ملخّص لهذا الكتاب يسلّط الضوء على أهم ما جاء فيه.
المبحث الأوّل: مفهوم القراءة التجزيئيّة (عضين):
معنى العضين لغة: التعضية هي: التجزئة. قال الخليل: “وقوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}[الحجر:91]، أي: عِضة عضة، ففرّقوه، آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه”.
والمقصود بالقراءة العضين: “قراءةٌ جزئيّةٌ للنصّ الشرعيّ لا تستوعب معناه كاملًا وتغفل مقاصده”.
أو هي: قراءةٌ تقوم على منهج الأخذ ببعض الحقّ وترك بعضه الآخر، والأخذ ببعض النصوص الشرعيّة وإهمال الأخرى.
فهي قراءة تتمركز حول المتشابهات، وتجعل النصّ تابعًا لا متبوعًا، وموظّفًا لا مؤسسًا، ومستخدمًا لا مخدومًا، ومحكومًا عليه لا حكمًا.
ومنشأ هذه القراءة الجزئيّة هو سوء الفهم لمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وربما أضيف إليه سوء القصد.
وقد بدأت الشرارة الأولى لهذه القراءة في الإسلام مع ذي الخويصرة حين قال للرسول صلّى الله عليه وسلّم: (اعدل) فهو مقرٌّ له بالرسالة مع تجويزه الجَور عليه صلّى الله عليه وسلّم، فقرأ نبوّته ولم يقرأ تلازم النبوّة مع العدل والعصمة من الجَور!! ثمّ تتابع ظهور القراءة العضين مع كلّ ضالٍّ عن الشرع متّبعٍ لهواه.
وهذه القراءة العضين مخالفةٌ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}[البقرة:208]، فإنّ الذي يأخذ بعض الدين ويترك بعضه لم يدخل في السلم كافّةً. قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: “ادخلوا في الإسلام بكلّ شرائعه وأحكامه، فلا تأخذوا بحكم وتتركوا حكمًا … وأحكام الإسلام كلٌّ لا يقبل التجزئة، ومجموعها هداية العقول وطبّ القلوب وعلاج الأدواء الاجتماعيّة والشخصيّة، فمن أخذ ببعضها وترك الآخر فقد فتح في قلبه للشيطان ثلمةً ينفذ منها، وحيثما حلّ الشيطان في قلبٍ زلّت الأقدام، وحكمت الأوهام؛ فيُطمس نور الهداية من قلبه، وتنحلّ عرى الإسلام من بعد ذلك عروةً عروةً”.
المبحث الثاني: أسباب القراءة التجزيئيّة:
وهي كثرة، لكنّ أبرزها:
أوّلًا: الجهل: وهو ما أشار إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم في وصفه الخوارج: (يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) متفق عليه.
وهذا الجهل من الخوارج راجع إلى سببين:
- الاهتمام بالحفظ دون الفهم، ومن أشكاله الجهل بالسنّة المفسّرة للقرآن.
- الاغترار بهذا الحفظ وأنّهم قد بلغوا به العلم الكامل، فاستغنوا عن العلماء وازدروهم.
وقد أشار ابن عبد البرّ -رحمه الله- في معرض شرحه لهذا الحديث إلى بعض أسباب القراءة التجزيئيّة التي وقعوا بها، والتي ترجع إلى “غياب الآليات الصحيحة لفهم النصّ”، كمحاولة فهم القرآن بمعزلٍ عن السنّة، وإساءة الظنّ بأهل العلم والإعراض عن تلقّي العلم عنهم، واعتماد القارئ الجاهل للنصّ على فهمه.
ثانيًا: الإعراض عن فهم السلف الصالح، فمن المقرّر عند أهل السنّة والجماعة أنّ فهم السلف مقدّمٌ على غيرهم، لقربهم من مصدر التلقّي، وتوفر الشروط اللازمة لفهم النصّ، وإدراكهم للوقائع والأحوال والسياقات التي تنزّل فيها النصّ.
ثالثًا: القول على الله بغير علمٍ شرعيٍّ معتبرٍ: وهو من أشدّ المحرّمات وأعظم الذنوب، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33].
رابعًا: سوء القصد: فصاحب القصد السيء لا يبحث عن الحقّ، بل يتتبّع المتشابه بقصد الفتنة، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عمران:7]. قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: “يتّبعونه ويجمعونه طلبًا للتشكيك في القرآن، وإضلالًا للعوامّ، كما فعلته الزنادقة، والقرامطة الطاعنون في القرآن”. وقال صلّى الله عليه وسلّم: (إذا رأيت الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم) متفق عليه.
خامسًا: الشبهات العقليّة السابقة لقراءة النصوص الشرعيّة: ذلك أنّ الشبهات العقليّة تجعل أصحابها ينحازون إلى بعض النصوص بدعوى أنّ دلالتها على معتقدهم صحيحةٌ راجحةٌ، أمّا النصوص الأخرى فيهملونها وينصرفون عنها ويتأوّلونها وفق أهوائهم.
والحامل لهم على ذلك: الغلوّ في تعظيم العقل وجعله حاكمًا وفيصلًا فيما يُثبت ويُنفى من الشرع.
ومعيارهم فيما يُتأوّل وما لا يُتأوّل هو: التعصّب للمذهب وقواعده وأصوله، فالرفضة لمّا أصّلت عداوة الصحابة ردّوا كل ما جاء في فضائلهم والثناء عليهم أو تأوّلوه.
المبحث الثالث: آثار القراءة التجزيئيّة:
إنّ القراءة التجزيئية لا بد أن تترك أثرها البالغ في الدين وأهله, فبدل أن يكون الدين سبب سعادة وهداية للمتدينين, صار بسبب التحريف الذي أنتجته القراءة العضين سبب شقاء وضلال, وقد ذكر الله تعالى الآثار المترتبة على قراءة اليهود والنصارى كتبهم قراءة عضينْ، فقال سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[المائدة:13]. قال السعديّ رحمه الله: “فكلّ من لم يقم بما أمر الله به وأُخذ به عليه الالتزام، كان له نصيبٌ من اللعنة وقسوة القلب، والابتلاء بتحريف الكلم، وأنّه لا يُوفّق للصواب، ونسيان حظٍّ ممّا ذُكّر به، وأنّه لا بدّ أن يُبتلى بالخيانة، نسأل الله العافية”.
وهذه العقوبات التي ذكرها الله تعالى لأهل الكتاب ليست خاصّة بهم, بل كلّ من وقع في هذه القراءة العضين ونسي حظًّا مما جاء به الدين؛ حلّت به العقوبات التي وقعت على اليهود والنصارى. وتاريخ الفِرَقِ خير شاهد على هذه الآثار الخطيرة.
وتفصيل هذه الآثار فيما يلي:
أوّلًا: الشقاق بين أهل الافتراق: وقد وصف الله المفارقين للحقّ بأنّهم في شقاق، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[البقرة:176]. وقد توعّد الله سبحانه أصحاب منهج الشقاق فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء:115].
ثانيًا وقوع العداوة والبغضاء بينهم، حتى كفر بعضهم بعضًا!! وهي سنّة من سنن الله تعالى في الأمم السابقة، قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون}[المائدة:14]. قال ابن تيمية رحمه الله: “متى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا افترق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمةٌ والفرقة عذابٌ”.
ثالثًا: كثرة الفرق وكثرة انقسامها في داخل الفرقة الواحدة: فالخوارج لم يكتفوا بأن فارقوا جماعة المسلمين وخالفوهم واستحلّوا دماءهم وأموالهم بغير حق, بل إنّهم كذلك افترقوا إلى فرق شتّى يقاتل بعضها بعضًا, ويكفّر بعضهم بعضًا, وهكذا هو دأب أهل الافتراق عمومًا.
قال ابن عباّسٍ رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[الأنعام:65]، قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}، الأهواء والاختلاف، {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: يسلّط بعضكم على بعضٍ بالقتل والعذاب.
رابعًا: الهزيمة والفشل: هناك علاقة طرديّة بين عزّة الأمّة ونصرها وائتلافها ووحدتها، وبين هزيمتها وفشلها واختلافها وتفرّقها، ولهذا يأمرنا سبحانه بترك الاختلاف، قال سبحانه: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيْحُكُمْ}[الأنفال:46]. وهذه سنّة ماضية من سنن الله تعالى، والمتتبّع لتاريخ الإسلام قوّةً وضعفًا يجد هذا الأثر البالغ للتفرق في الدين منذ زمن الصحابة إلى عصرنا الحاضر.
يقول ابن حزم رحمه الله مبينًا الأثر السيّء للفرق الضالة على الأمّة: “واعلموا رحمكم الله أنّ جميع فرق الضلالة لم يُجْرِ الله على أيديهم خيرًا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قريةً، ولا رفع للإسلام رايةً، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرّقون كلمة المؤمنين، ويسلّون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين”.
المبحث الرابع: نماذج من القراءة التجزيئيّة
كل فرقة من الفرق الإسلامية تعدّ نموذجًا للقراءة التجزيئية; ذلك أنّك تجد هذه الفرق أخذت جانبًا أو جزءًا من النصوص الشرعية وأهملت جوانب أخرى, والشواهد على ذلك كثيرة جدًّا. وقد اكتفى المؤلّف بذكر أربعة نماذج منها، هي:
أوّلًا: الخوارج: استندا الخوارج على بعض النصوص الشرعيّة لتصحيح مذهبهم في تكفير المذنبين، من ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق عليه، وتركوا نصوصًا أخرى صريحة بأنّ القاتل مسلمٌ، كقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}[البقرة:178].
ثانيًا: المرجئة: وهي فرقة على النقيض من الخوارج، تمسّكت بنصوص الوعد وتركت نصوص الوعيد، فقالت من أقر بالشهادتين واستسلم لحكم الله؛ لم يضرّه وقوعه على الكبائر وتركه للفرائض وركوبه الفواحش، واحتجّوا بقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48]. ولا شكّ أن منشأ هذا الإغراق في نصوص الوعد: هو القراءة العضين، وعدم جمع النصوص الشرعية وفهمها وفق سياقاتها التي وردت فيها.
ثالثًا: الشيعة: فلهم حظٌّ وافر من القراءة العضين؛ فقد اعتمدوا على بعض النصوص الشرعيّة وفهموها فهمًا مغلوطًا لإثبات الإمامة، والغلو في عليّ رضي الله عنه.
فمن أدلّتهم على تفضيل علي رضي الله عنه والغلو فيه: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك, واستخلف عليًّا، فقال: أتخلّفني في الصّبيان والنّساء? فقال: ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنّه ليس نبيّ بعدي) رواه البخاري، لكنّهم تركوا أدلّة أخرى تردّ على ما في عقائدهم من الطعن على الصحابة, وتبيّن فضل الصحابة، بل فضل بعضهم على علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
وفي مقابل الشيعة يأتي: النواصب: وهم فرقةٌ طعنت في عليٍّ رضي الله عنه، وردّت فضائله، واعتبرته ظالمًا معتديًا، وتركوا ما ثبت من النصوص في فضائله رضي الله عنه.
المبحث الخامس: القراءة الشموليّة وأهمّيّتها في دفع القراءة التجزيئيّة
القراءة الشموليّة هي: فهم الإسلام بشموله وعمومه في المجالات المتعدّدة، وجمع النصوص الشرعيّة في المسائل والأخذ والعمل بها كافّةً، والردّ على من جزّأها وعارض بينها.
وقد أمر الله بهذه القراءة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[البقرة:208]. قال الشيخ رشيد رضا في شرح هذه الآية: “هذه كلمة عظيمة، وقاعدة لو بنى جميعُ علماء الدين مذاهبَهم عليها لما تفاقم أمر الخلاف في الأمّة؛ ذلك أنّها تفيد وجوب أخذ الإسلام بجملته، بأن ننظر في جميع ما جاء به الشارع في كلّ مسألة من نصّ قولي وسنّة متّبعة، ونفهم المراد من ذلك كله ونعمل به، لا أن يأخذ كلُّ واحدٍ بكلمة أو سنّة ويجعلها حجّة على الآخر، وإن أدّت إلى ترك ما يخالفها من النصوص والسنن، وحملها على النسخ أو المسخ بالتأويل، أو تحكيم الاحتمال بلا حجة ولا دليل!!”
ومن النصوص الحاثّة على القراءة الشمولية والمحذّرة من التفرّق في الدين قوله سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:13]، أي اعملوا بشرائع الإسلام وحدوده, وحافظوا على فرائضه التي فرضها, ولا تضيعوا شيئًا منها.
والمقصود من الأمر بالاجتماع والنهي عن التفرّق: الاجتماع على الدين الجامع الشامل الكامل دون تفريط في شيء من ثوابته وكلّياته وأصوله؛ ذلك أنّ الالتقاء على الكلّيّات والمحكمات من الدين هو الذي يعصمنا بإذن الله من التفرّق شيعًا وأحزابًا متعادين متباغضين؛ “فالدين شاملٌ كاملٌ، فيه الوعد والوعيد، وفيه الأحكام والآداب، وفيه تحريك العقل والوجدان، وفيه القوّة والرحمة؛ فإذا أخذت طائفة بالوعد وتركت الوعيد وعكست الأخرى فأخذت بالوعيد ونسيت الوعد، فلا بدّ أن تقع العداوة والبغضاء والفرقة. وكذا إذا أخذت طائفة بالآداب دون الأحكام، أو بالزهد دون العمل والجهاد، وواقع الفِرَقِ يشهد لهذا بوضوح”.
الملامح والسمات العامّة لأهل القراءة الشموليّة:
ختم المؤلف بذكر الملامح والسمات العامّة لأهل القراءة الشموليّة، والتي من أهمّها:
- أنّهم أهل وسطٍ بين الإفراط والتفريط.
- اقتصارهم في التلقّي على الكتاب والسنّة، وفهمهما على مقتضى منهج السلف.
- ليس لهم إمامٌ معظّمٌ يأخذون كلامه ويدعون ما خالفه، إلّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
- تركهم الخصومات في الدين، ودخولهم في الدين كلّه.
- جمعهم بين النصوص في المسألة الواحدة، وردّهم المتشابه إلى المحكم.
- حرصهم على الجماعة والألفة.
- أنّ الله عصمهم من تكفير بعضهم بعضًا، وأنّهم يحكمون على غيرهم بعلمٍ وعدلٍ.
- محبّة بعضهم لبعضٍ، وترحّم بعضهم على بعض، ولا يوالون ولا يعادون إلّا في الله.
- ردّ القراءة العضين والتحذير منها.
(المصدر: موقع على بصيرة)