قراءة وعرض أحمد عسّاف
يقدم أحمد مولانا في كتابه هذا دراسة تحليلية في أساليب الأجهزة الأمنية العربية في التعامل مع الحركات الإسلامية معتمدا جهاز أمن الدولة المصري نموذجا للدراسة،ويشير الكاتب أن أهمية الكتاب تنبع من الظرف التاريخي المفصلي الذي نعيشه الآن والتحولات الكبرى التي تحصل في الأمة الإسلامية، والتي تشتد معها حملات الكفار للنيل من دين الله وحاملين دعوته، مما يحتم على الحركة الإسلامية أن تفهم طبيعة العقلية الأمنية للخصم ويعلم أساليب عمل هذه العقلية من أجل إبطال مفعولها والحد من تأثيرها.
والجدير بالذكر أن كاتب تلك السطور عانى في سجون مبارك مما أعطى روحاً وعمقاً للكلمات الجامدة، كذلك استشهاده ونقله لنصوص صريحة من وثائق أمن الدولة المصري المعروضة على موقع (25 leaks ) وموقع (حزب الغد بمحافظة البحيرة).
لماذا الأمن المصري؟
يبرر الكاتب اختياره لأمن الدولة المصري نموذجا لعدة أسباب أولها البعد التاريخي فكما هو معروف للأمن المصري خبرة طويلة تمتد لأكثر من ثمانين عام في التعامل مع التيارات الإسلامية والجماعات الإسلامية بمختلف أطيافها، بداية بجماعة الإخوان المسلمين التي ظهرت في عشرينيات القرن الماضي، مرورا بالتيارات الإسلامية الجهادية مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، والتي اختارت طريق العمل المسلح أداة للتغيير، وانتهاءً بالتيار السلفي بمختلف توجهاته.
وقد تغير اسم جهاز مباحث امن الدولة المصري منذ إنشائه خمس مرات مع استمرار سياسته الأمنية عبر العهود، حيث يعود تأسيسه إلى عام 1913 عندما أنشأ الإنجليز جهاز للأمن السياسي أسموه “القسم المخصوص” وتركزت مهمته على ملاحقة المقاومين للاحتلال الإنجليزي. وفي فترة لاحقة تم إنشاء “قسم مخصوص” آخر يتبع للسرايا ويأخذ أوامره من الملك مباشرة.
وبعد ثورة 23 يوليو تم تغير اسم الجهاز الأمني إلى “المباحث العامة”، والتي كان أشهر أدوارها الإشراف على التحقيق والتعذيب لجماعة الإخوان المسلمين عام 1965، وفي عهد السادات سمي “مباحث أمن الدولة” ثم تغير اسمه إلى “جهاز مباحث أمن الدولة”.
وثاني مبررات اختيار الأمن المصري نموذجا هو البعد العالمي، فقد أهلت الخبرة التاريخية للأمن المصري لأن يكون له دور بارز في صياغة العقلية الأمنية العالمية في التعامل مع الحركات الإسلامية،فقد استعانت به كثير من الدول الغربية والعربية في مكافحة التيارات الإسلامية، ومن الأمثلة على ذلك استعانة أمريكا بمحققين من أمن الدولة المصري في استجواب معتقلي جوانتنامو، لذلك فهم العقلية الأمنية المصرية يساعد في فهم العقلية الأمنية العالمية.
ومن الجوانب الأخرى لعالمية الأمن المصري ابتكار وزير الداخلية المصري زكي بدر نظرية (الضرب في سويداء القلب) التي تنم عن وحشية التعامل مع الحركات الإسلامية.
وبعد اقالته من منصبه عُين مستشاراً أمنياً للأمير نايف بن عبد العزيز “وزير الداخلية السعودي”، أيضاً مبارك هو أول من أطلق لفظة “الإرهاب” على التيارات الإسلامية، ثم أعقبته أمريكا بمصطلح “الحرب على الإرهاب”.
والمبرر الثالث لاختيار الأمن المصري هو وفرة المعلومات عنه وعن أساليب عمله من خلال عنصرين الأول هو وجود الوثائق التي حصل عليها الثوار بعد اقتحام مقرات أمن الدولة إبان ثورة يناير، أما العنصر الثاني هو التجارب الواقعية والخبرة التي حصل عليها عناصر وقيادات التنظيمات الإسلامية المصرية من التعامل مع الأمن، وقد اعتمد الكاتب على العنصرين السابقين كمصادر لدراسته.
حصر وتجميع المعلومات
يتعامل الأمن مع الإسلاميين بطريقة عملية منهجية إذ يقوم بعمل حصر لكافة محاور عمل التيارات الإسلامية، ليكشف هيكلها الإداري، وتكوينها الفكري، وانتشارها الجغرافي، ومراكز نشاطها، ومصدر تمويلها، وعلاقتها مع التيارات الأخرى.
كما يسعى الأمن إلى عمل حصر تفصيلي لمراكز نشاط الإسلاميين كالمساجد، والجمعيات الخيرية، ومراكز الإنترنت، والمكتبات، والمطابع.
ويكون هذا التوصيف لمراكز النشاط مفصل لأبعد الحدود حتى أنه يشمل الشوارع المحيطة بالمسجد ورسم كروكي له وصور فوتوغرافية، أعداد المترددين من عناصر النشاط، وتوقيت كافة الدروس داخل المسجد وأسماء الأشخاص الذين يعطون الدروس، ويكون الأمر كذلك بالنسبة للجمعيات الخيرية وغيرها.
وحصر مظاهر النشاط للتيارات الإسلامية من فعاليات وغيرها، خصوصا النشاط الطلابي حيث يمثل النشاط الطلابي الرافد البشري التاريخي للحركات الإسلامية، لذا يوجد قسم خاص داخل أمن الدولة يسمى “قسم الطلبة” يتابع النشاط الطلابي في المدارس والجامعات ويراقب أي مظاهر تدين على الطلاب مثل إعفاء اللحية وارتداء النقاب، ويعمل على عمل مجالس تأديبية للطلاب النشطين وفصلهم لأتفه الأسباب وحرمانهم من الإقامة في المدينة الجامعية.
وبعد أن تتم عملية الحصر لكافة محاور العمل الإسلامي تبدأ أجهزة الأمن في تجميع مكثف للمعلومات عن هذه المحاور وغيرها لرصد تحركات التيارات الإسلامية، ويعتمد جمع المعلومات على أساليب عدة أهمها الاستدعاءات، والاختراقات، والمراقبات، والمداهمات، والتحقيق. ومن ثم مطابقة المعلومات وأرشفتها.
الاستدعاء
يعتبر من الأساليب الأمنية الأولية، والتي لا تشمل تعذيب بدني، ويُكثر جهاز الأمن من استخدامه لتحقيق أهداف عديدة مثل: التعرف عن قرب على الشخص المستدعى لتحديد مستواه الفكري والثقافي، ويكشف عن نقاط القوة والضعف في شخصيته، وإمكانية تجنديه من عدمه، ومن الأهداف أيضا إيصال رسالة للمستدعى ومعارفه ليجعله يبتعد عن أشخاص معينين، أو يشعر المستدعى بالضعف وعدم القدرة على التخلص من التسلط الأمني.
الاختراق
يعد الاختراق من أخطر أساليب جمع المعلومات إذ يدخل به الجهاز الأمني إلى عمق التيارات الإسلامية يعرف الكثير من التفاصيل عن الناشطين والقيادات والتي لا يمكن جمعها بالوسائل الأخرى، ويعتمد في ذلك على:
مصادر فنية
تكون بالاعتماد على عناصر تنتمي عضوياً للتيارات، وهي أخطر الحالات إذ توفر متابعة فورية ومستمرة لأجهزة الأمن عن الفعاليات داخل الوسط الإسلامي.
مصادر مكانية
لا تنتمي للتيارات ولكنها تنتشر على شكل شبكة على الأرض للرصد المبكر لأية نشاط أو تحركات ضد النظام، ليُسهلوا على ضباط الأمن التعامل الفوري مع الحدث حال ظهوره وتكون في الغالب هذه المصادر من أصحاب المهن الذين يختلطون في الناس مثل البوابين والعاملين بصالونات الحلاقة، وأصحاب الورش المختلفة، وسائقي التاكسي.
التحقيق
يتبع أمن الدولة في التحقيق مع الإسلاميين أحدث وأشرس أساليب التحقيق العالمية، بالاعتماد على دراسة الأبعاد النفسية والجسدية للإنسان العربي والمسلم والذي يعطي أهمية كبيرة لقضايا الدين والشرف والعرض، وتختلف الطريقة المتعبة حسب طبيعة المعتقل وأهمية الموضوع والهدف من التحقيق، ومن أهم أساليب التحقيق:
أسلوب السحق النفسي
والذي يعتمد على تحطيم معنويات المعتقل إذ يُعطى رقما ينادى به عليه بدل أسمه، ويقيد وتعصب عينيه حتى يفقد الإحساس بالوقت فلا يعرف هو بالليل أم بالنهار، كما يفقد الإحساس بالمكان. وبذلك تتوقف كل الحواس إلا حاسة السمع التي يسمع بها صرخات المعتقلين أثناء التعذيب.
أسلوب الصدمة والرعب
يعتمد على ترهيب المعتقل من خلال جعله يشاهد التعذيب للآخرين، ثم التهديد بملاقاة نفس المصير حتى ينهار المعتقل نفسيا.
أسلوب الأسئلة المفتوحة
والذي يعتمد على سؤال المعتقل عن سبب اعتقاله فيقول من أجل كذا، فيقول المحقق لا، ويستمر في ترك السؤال مفتوح حتى يُخرج المعتقل المزيد من المعلومات.
أسلوب المحقق الطيب والمحقق الشرير
حيث يعتمد على شخصين أحدهما المرعب الذي يعتمد على الترهيب والآخر الطيب الحريص على مصلحة المعتقل، فيرتبك المعتقل وتختلط المشاعر لديه.
أسلوب المعلومة المكتملة
يعتمد على التقليل من أهمية الاعتراف لأن المحقق يعرف كل شيء، وذلك بالاعتماد على خبرة المحقق في التعامل مع أعضاء التيار فيعرف كتبهم وقياداتهم وأساليب عملهم، بالإضافة إلى معلومات هامشية عن المعتقل فيقول له أنت تعرف فلان وخرجت معه في نزهة، ويعمل هذا الأسلوب على إضعاف المعتقل وإشعاره بدراية الأمن بكل شيء.
أسلوب التبسيط
يوهم المعتقل ببساطة الموضوع وأنه سيخرج فور إدلائه بالمعلومات المطلوبة.
أسلوب التضخيم
وهو عكس الأسلوب السابق، فيوهم المعتقل أن قضيته كبيرة وسنوات حكمه ستكون طويلة، فيضطر المعتقل إلى قول ما عنده لأن ما عنده أصغر بكثير من طرح المحقق.
أسلوب إثارة العواطف
من خلال محاولة التأثير على مشاعر المعتقل عن طريق إثارة مشاعر الحب والكره والخوف على أعضاء جسمه أو تهديده بالاعتداء الجنسي عليه أو على قريباته، وهناك الكثير من الأساليب الأخرى مثل: أسلوب الأزمة الفجائية، وأسلوب الضرب المركز، وأسلوب عقد الصفقات مع المعتقل عند فشل الأساليب السابقة.
وأذكُر هنا ملاحظة أن هذه الأساليب متبعة أيضا من قبل جهاز الشاباك الصهيوني في نزع المعلومات من الأسرى الفلسطينيين، ويمكن الإطلاع على كتاب “صراع في الظلام” للتعرف على أساليب التحقيق الصهيوني.
تفريغ المعلومات
يقوم جهاز أمن الدولة بتفريغ المعلومات في ملفات لتسهيل حفظها وتكون على نوعين ملفات شخصية تحتوي على المعلومات الأساسية عن كل عنصر من عناصر النشاط الديني معلومات مفصلة عن حياته بالإضافة إلى درجة الخطورة وتقييم شخصيته.
والنوع الثاني من الملفات هو الملفات التحليلية التي تُعنى بدراسة جماعة أو تيار معينين من النشأة الأيدلوجية وأساليب العمل، والانشقاقات وغيره، وتضاف لهذه الملفات تقارير دورية لتحديث المعلومات فتحتوي التقارير الشهرية مثلا على نتائج التحقيقات الأخيرة والمعلومات الجديدة عن المعتقلين والمفرج عنهم.
التصنيف
بعد تجميع المعلومات عن التيارات الإسلامية وتفريغها تقوم أجهزة الأمن بتصنيف العناصر الإسلامية وفقا لاعتبارات عدة أولا لأي نوع من التنظيمات ينتمي (سلفي، إخوان، دعوة، جهاد، تكفير)،ثم مدى ارتباطه بالتنظيم هل هو عنصر فعال أم مخالط لعناصر التنظيم أم مجرد متعاطف معهم، وتصنيف آخر يعتمد على مدى آراء العنصر ومدى خطورتها بالاعتماد على قراءات العنصر أو من خلال معرفة رأيه في أمور مثل حكم الجهاد، وحكم الخروج على ولي الأمر، وحكم تارك الصلاة، كما يراعي التصنيف الانتشار الجغرافي للعناصر لحصر هذا الانتشار والعمل على استبداله بتيارات إسلامية متوافقة مع النظام مثل التيار المدخلي.
ويرعى في التصنيف الفردي لكل عنصر كيف تربى العنصر وتاريخ حياته وميوله النفسية لمعرفة مدى قوة شخصيته وتحديد هل يمكن الاكتفاء بإشعاره بالخوف من مراقبة الأمن له، هل يمكن تجنيده كمصدر للأمن أم يكفي تحييده، كما يتم تحديد مهنة العنصر لمعرفة مدى اختلاطه في الناس وعدد المحسوبين على التيارات الإسلامية في المهن المهمة من أجل تمكن الأمن من السيطرة على الانتخابات في النقابات المهنية المختلفة.
تجفيف المنابع
تعمل أجهزة الأمن على تجفيف منابع القوة لدى التنظيمات وأولها وأهمها المنابع البشرية حيث تقوم بتصفية العناصر القوية التي تجذب الناس حولها وتمد التيارات بالرجال، بالإضافة إلى تصفية العقول المنظرة التي تعمل على تصحيح المفاهيم ومد التيارات بطرق جديدة للتغيير وإن كانت أشهر عمليات التصفية باستشهاد حسن البنا، وسيد قطب فيكفي أن تعلم أنه في عهد مبارك فقط أعدم 100 شخص من مختلف التيارات الإسلامية.
كما يتم تجفيف المنابع المالية من خلال التضييق على الشركات التي يملكها أو يشارك في إدارتها أعضاء من التيارات الإسلامية، ورصد أماكن الاجتماع ومكاتب الكمبيوتر والمطابع المتعاونة مع التيارات الإسلامية لتلفيق التهم لها وإغلاقها.
ويتم تجفيف المنابع الفكرية من خلال منع أهم الكتب الفكرية للإسلاميين ومصادرتها من الأسواق، واستبعاد المدرسين الإسلاميين من التدريس في المدارس والجامعات، ومن خلال الظاهرة المعروفة بالمراجعات الفكرية إذ يمثل تراجع المنظرين عن أفكارهم كنز ثمين لأجهزة الأمن لأنه يهدم مشاريع التصحيح فوق أصحابها. وتسعى أجهزة الأمن في العالم إلى الاستفادة من التجارب المراجعات للإسلاميين وتعميمها لأهمية هذا الأسلوب في تدمير التيارات الإسلامية ومشاريعها.
تقديم البدائل
يعتبر أسلوب الاستبدال من أخطر الأساليب في التخلص من التيارات الإسلامية وتشمل استبدال الرموز من خلال التضييق على رموز الدعوة لأكثر درجة ممكنة وصولا إلى ما يشبه الإقامة الجبرية، وتقديم البديل المزيف التابع للأمن من خلال نجوم الدعوة على الفضائيات حيث أصبحت المهنة سهلة لا تتطلب سوى بعض الابتسامات والبكاء المصطنع، ومن خلال نشر الدعاة الشباب الذين يعملون بأوامر الأمن وتوجيهاته فيركزن على الأخلاق وبر الوالدين وغيرها من الأمور الهامشية التي لا تقلل الأمن.
ويطبق نفس الأسلوب لاستبدال أفكار عودة الخلافة ورفض الظلم والولاء والبراء، بأفكار الوطنية الضيقة والعدم الخروج على الحاكم، وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات فيتم إزاحة الإسلاميين عن المؤسسات بعزلهم عن مناصبهم أو بإغلاق هذه المؤسسات وتقديم البديل لها من خلال المؤسسات والجمعيات “المعتدلة”.
تفتيت الصف الإسلامي
بعد توجيه الضربات من الخارج للتيارات الإسلامية تعمل أجهزة الأمن على ضرب الجماعات من الداخل من خلال تفتيت الصف الإسلامي وإدخال الجماعات في معارك وهمية منهكة، ويتم ذلك على مستوى الجماعة الواحدة من خلال منع النشاطات التي تزيد الألفة بين أفراد الجماعة مثل الرحل الدعوية والإفطارات الجماعية، ومن خلال تشجيع المنشقين على التعاون مع الأمن ومهاجمة الجماعة.
ويتم بث النزاعات بين الجماعات المختلفة من خلال الضرب على وتر الخلافات بين هذه الجماعات، مثل تشجيع تيار معين على التحذير من تيار آخر ومهاجمة مشروعية منهجه، وذلك بإغراء التيار المُهاجم بالسماح له بالتوسع والسيطرة على المساجد الكبرى، أو من خلال السامح بنشر كتب الدعاة التي تهاجم تيارات أخرى أو تبين أخطاء شرعية عندهم.
التهميش الاجتماعي
كما يُقال في علم السياسة القوة تكون سلطة أو نفوذ، لذلك يعمل الأمن على تجريد الإسلاميين من أية نفوذ اجتماعي يوفر دعامة لهم وذلك من خلال حرمانهم من المناصب والوظائف المؤثرة مثل التدريس وإمامة المساجد، ومحطات التلفزة، والشرطة والجيش، أو من خلال إفساد علاقتهم بأقربائهم فيُمنع أقارب الإسلاميين حتى درجة القرابة الربعة من الوصول إلى أية مناصب أو وظائف هامة، مما يزيد الكره للإسلاميين الذين يصبحون مصدر إزعاج وضرر للمحيطين بهم.
صياغة رأي عام مضاد
تأتي هذه المرحلة كآخر مراحل سياسة كسر العظام المنتهجة ضد الإسلاميين، حيث يعمل الأمن الإسلاميين من خلال وسائل الإعلام التي هي تحت سيطرة الأمن في الوطن العربي ككل كما هو معروف، فتبدأ حملات صياغة الرأي العام من خلال اللعب على مخاوف الناس وإشعارهم بخطر الإسلاميين المحبين للدماء والعنف.
كما يتم ذلك من خلال اختلاق إفشال الأمن لمخطط إرهابي وبعد حملات الاعتقال والترهيب الواسعة وبعد أن تأخذ القضية زخمها الإعلامي المطلوب يتم الإفراج عن الإسلاميين والحكم ببراءتهم بالمحاكم، أو يكون ذلك من خلال إحداث تفجيرات حقيقية مثل قضية تفجير كنيسة القديسين الشهيرة والتي حصل كل المتهمين فيها على البراءة بعد الثورة والتي استفاد منها النظام في عمل أكبر حملة تشويه ضد الإسلاميين.
وهناك سياسة إعلامية تنتهج من قبل الأمن تسمى سياسة استلاب المفاهيم، والتي يتم من خلالها ربط المصطلحات السيئة بالمستهدف بالتشويه، فمثلا أصبح من المعروف عند ذكر الإرهاب أو التطرف أن يتبادر لذهن المستمع الإسلاميين والتيارات الإسلامية، وكأن الإسلاميين هم من بدأ بالعنف ضد الأمن وكأن المداهمات والاعتقالات والتصفية وسلب الناس أموالها لا يسمى إرهاباً!، ويعمل الأمن على التنسيق مع الأحزاب المعارضة على استبعاد الإسلاميين من كل النشاطات حتى يكتمل الحصار عليهم.
توفير الغطاء للممارسات الأمنية
يسعى الأمن لتوفير غطاء شرعي للممارسات التي يقوم بها ضد الإسلاميين، وتجريد الإسلاميين من الشرعية الدينية من أجل إضعافهم قدر الإمكان، ويتم ذلك بالاعتماد على المؤسسة الدينية الرسمية والمتمثلة في مصر بوزارة الأوقاف والأزهر، وذلك بالتنسيق معهم وتوجيه نشاطات وزارة الأوقاف الدعوية في المناطق التي يتركز بها الإسلاميين.
ويتم استخدام مؤسسة الأزهر من خلال منع الإسلاميين من الحصول على مراكز قيادية فيه، ومن خلال استخدام مشايخ الأزهر في تحريض المعتقلين على الانحراف عن منهجهم الدعوي، وفي إصدار الفتاوى المحذرة من المنهج المنحرف المعادي للنظام.
تكوين تكتلات عالمية ضد للإسلاميين
إن مهمة الأمن هي الحفاظ على النظام القائم المتحالف مع القوى العظمى والنظام الدولي، وبالتالي فإن ضعف الإسلاميين في أي مكان في العالم هو أمر مفيد للنظام الدولي وذلك يتم الاستفادة من التجارب الناجحة في محاربة الإسلاميين وتعميمها على أجهزة الأمن والمخابرات العالمية، من أجل إضعافهم في كل مكان والقضاء على الملاذات الآمنة لهم.
ويكون التعاون الدولي من خلال المؤتمرات المشتركة وتوحيد المصطلحات في تعريف الإرهاب مثلا، ومن خلال الدورات المكثفة المشتركة لأجهزة الأمن وهو ما يفسر التشابه في أسلوب العمل بين جهاز أمن الدولة المصري وجهاز الشاباك الصهيوني، ويكسب النظام من ذلك تقوية علاقته بالغرب وزيادة الولاء للأسياد، وتسليم الإسلاميين الهاربين في المنافي إلى الأنظمة في دولهم الأصلية.
سمات العقل الجمعي للأمن المصري
تشكل الظروف المحيطة بنشأة أي جيش أو جماعة ركيزة أساسية في بنائهم النفسي وتكوينهم، لذلك فجهاز أمن الدولة الذي أنشئ على يد الاحتلال الإنجليزي يتسم بالتبعة المخلصة للنظام الدولي العالمي ويعمل للحفاظ على النظام القائم الحليف للنظام العالمي.
والصفة الثانية للأمن المصري هي العداء فيتسم الأمن المصري بالعداء ليس للإسلاميين فحسب بل للتدين عموما فيعتبر إعفاء اللحية الدعوة لصلاة القيام خطر يثير الشبهات حول الشخص ولو لم يظهر بعد انتماءه لأي جماعة، وهنا يشير الكاتب إلى زيف الفكرة المشهورة التي تنسب العداء للدين إلى ضباط معينين في الأمن فليس الضباط إلا ترس في منظومة واحدة معادية للدين.
والصفة الثالثة لجاهز أمن الدولة هي الحذر، حيث يتسم بالحذر الشديد ومتابعة كل الفعاليات حتى الصغيرة منها، أما الصفة الرابعة فهي الواقعية فيعمل أمن الدولة وفقا للمعطيات على الأرض فمثلا لم يعد يسعى الأمن لاجتثاث جماعة الإخوان المسلمين لكبر حجم الجماعة ولتجنب ظهور جماعات متطرفة تنتج عن محاولات الاجتثاث، ولكنه يعمل على إضعاف جسم الجماعة من خلال الاعتقالات للقيادات والتضييق. كما حاول الأمن التوصل لاتفاق مع الجامعة الإسلامية عندما كانت قوتهم كبيرة فكان يحاول إيقاف الاشتباكات بأي ثمن لكن عندما لاح إمكانية الانتصار على الجامعة رفض الأمن التوقف حتى القضاء على الجامعة بالكامل.
والصفة الخامسةوالأخيرة للعقل الجمعي الأمني لجهاز أمن الدولة المصري هي المنهجية في العمل حيث يظهر من خلال الوثائق وجود منهجية متكاملة والعمل ضمن خطط واضحة في أغلب ممارساته.
توصيات
ختم الكاتب دراسته هذه بالحديث عن الأمراض التي ظهرت في الجسم الإسلامي بفعل سياسات الأمن المذكورة آنفا، والتي تمثلت في انتشار التعصب الحزبي الذي ظهر مع المعارك الوهمية التي خاضتها التنظيمات فيما بينها، بالإضافة إلى غياب رموز قوية ومميزة وتصدر رموز هشة ضعيفة في الصفوف الأمامية مما أضعف التيارات الإسلامية وأعاق نشاطها.
ومن الأمراض التي ظهرت أيضا نخبوية الطرح والتعالي على هموم الناس ومشاكلهم مما يزيد الانفصال بين الحركة الإسلامية والجماهير التي تمثل الحاضنة الشعبية للإسلاميين ومن ذلك إهمال بعض المظالم التي وقعت على غير المنتمين للحركات الإسلامية، كما انتشرت المفاهيم الدينية المحرفة التي تقدس الحاكم وتتعايش مع الأمر الواقع.
واحتوت توصيات الدراسة على ضرورة إحياء قضايا الأمة وإرساء مفهوم الأمة الواحدة بما يتجاوز الانغلاقيات الحزبية المتعصبة، ودعا الكاتب إلى تقويم التجربة الإسلامية وتقديم رؤى شرعية جديدة والتخلص من الرؤى القديمة التي أكل عليها الزمن وشرب.
وضرورة تقديم خطاب جديد في الإعلام الإسلامي يتماشى مع الواقع ويحافظ على الثوابت الشرعية ويواجه حملات التشويه ضد الإسلاميين، كما يجب التركيز على القضايا الحقوقية للناس عامة والإسلاميين خاصة من خلال كافة الفعاليات الحقوقية المتاحة، ولأن الكتاب صدر إبان وجود الإسلاميين في نظام الحكم المصري فقد طالب الكاتب بضرورة تكثيف الملاحقة القانونية والحقوقية لضباط الأمن ومعاقبتهم على جرائمهم، أما الآن بعد الانقلاب العسكري فقد زاد عدد من تجب ملاحقتهم والاقتصاص منهم.
(المصدر: موقع تبيان)