ملاذكرد.. فتحٌ إسلامي مُبين غيّر وجه التاريخ!
بقلم حسناء جوخدار
يحتفل الأتراك في 26 أغسطس/ آب من كل عام بذكرى انتصار أجدادهم السلاجقة على البيزنطيين في معركة “ملاذكرد” عام 1071 بقيادة السلطان “أبو شجاع ألب أرسلان محمد بن داود”.
وتُشير وثائق تاريخية تركية إلى أن السلطان “ألب أرسلان” (تعني الأسد الشجاع) صلّى وتضرع إلى الله مع جيشه يوم الجمعة 26 أغسطس/ آب، ثم ارتدى لباسًا أبيض يشبه الكفن، ليلقي خطابًا أمام الجنود.
وقال السلطان السلجوقي الكبير: “إذا استشهدت فليكن هذا اللباس الأبيض كفني، فعندها سوف تعانق روحي عنان السماء، ولتُسلّموا العرش من بعدي إلى ابني ملكشاه ولا تتركوه، والمستقبل لنا إن انتصرنا في المعركة”.
هذا الخطاب زاد من شجاعة الفرسان، حيث أطلق “ألب أرسلان” المواجهة الأولى ضد العدو بعد صلاة الجمعة فورًا، متبعًا استراتيجية حرب فريدة من نوعها، بجعل الجنود يهاجمون البيزنطيين على شكل الهلال.
وبفضل حنكة السلطان في المعركة، اضطر الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينيس، إلى سحب قواته التي تعرضت لخسائر فادحة أمام الجيش الإسلامي، على شكل مجموعات صغيرة، ويُعلن هزيمته خلال فترة وجيزة، ليتم أسره مصابًا مع جنوده.
وبهذا الانتصار الإسلامي الكبير، فتح الأتراك أبواب الأناضول وجعلوها موطنًا أبديًا لهم، كما أنه يعد وفق مؤرخين من أيام المسلمين الخالدة، “مثلها مثل بدر، واليرموك، والقادسية، وحطين، وعين جالوت، والزلاقة، وغيرها من المعارك الكبرى التي غيّرت وجه التاريخ، وأثّرت في مسيرته”.
وفي كتاب “الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط”، يقول الدكتور علي الصلابي، “لقد كان نصر ألب أرسلان بجيشه الذي لم يتجاوز خمسة عشر ألف محارب على جيش الإمبراطور دومانوس الذي بلغ مائتي ألف، حدثاً كبيراً، ونقطة تحول في التاريخ الاسلامي لأنها سهلت على اضعاف نفوذ الروم في معظم أقاليم آسيا الصغرى، وهي المناطق المهمة التي كانت من ركائز وأعمدة الإمبراطورية البيزنطية. وهذا ساعد تدريجياً للقضاء على الدولة البيزنطية على يد العثمانيين”.
تولى “ألب أرسلان” زمام السلطة في البلاد بعد وفاة عمه “طغرل بك”، وكانت قد حدثت بعض المنازعات حول تولي السلطة في البلاد، لكن ألب أرسلان استطاع أن يتغلب عليها.
وكان “ألب أرسلان” – كعمّه طغرل بك – قائداً ماهراً مقداماً، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته.
كما كان متلهفاً للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها “ألب أرسلان” وأكسبتها صبغة دينية.
وأصبح قائد السلاجقة زعيماً للجهاد، وحريصاً على نصرة الإسلام ونشره في تلك الديار، ورفع راية الإسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية.
ويقول ابن كثير في “البداية والنهاية”، “خاف السلطان (ألب أرسلان) من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين..
فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأسر ملكهم ارمانوس..”.
(المصدر: ترك برس)