ربما من غير المعروف في العالم العربي والإسلامي أن مكتبة جامعة “ليدن” الهولندية العريقة تحتوي على بعض أقدم المخطوطات العربية النادرة التي تعود إلى أوائل تاريخ الإسلام.
وتضم المجموعة الثمينة مخطوطات للقرآن الكريم، وكذلك أقدم مخطوطة كاملة باللغة العربية تم نسخها على الورق، فضلاً عن المخطوطة الوحيدة الباقية لأحد كتب العالم الإسلامي الشهير ابن حزم الأندلسي.
وللتعرف أكثر على هذه المكتبة الرائدة التقت “وكالة الأنباء الكويتية” (كونا)، اليوم الأربعاء، د. أرنيود فروليك، منسق المخطوطات الشرقية ومجموعات الكتب النادرة الخاصة بمكتبات جامعة ليدن في المدينة الهولندية الجميلة، الذي تطرق في حديثه إلى المجموعة الشرقية للمكتبة وتاريخ دراسات الشرق الأوسط في هولندا.
ودرس فروليك اللغة العربية في جامعتي أوتريخت وأمستردام في هولندا قبل أن يحصل على الدكتوراه من جامعة ليدن في موضوع الشعر في العصر المملوكي، وبالإضافة إلى اللغة العربية فإنه على دراية جيدة باللغة التركية العثمانية.
وتضم المكتبة ستة آلاف مخطوطة باللغات العربية والفارسية والتركية، لكن القسم العربي هو الأكبر، رغم أن فروليك نفسه يوضح أن ما لديه لا يعتبر أكبر مجموعة في أوروبا إلا أنها تظل مجموعة كبيرة وقيمة ومهمة.
ويعود تاريخ أقدم مخطوطة عربية في المكتبة إلى النصف الثاني من القرن السابع وهي عبارة عن عدد قليل من مخطوطات القرآن الكريم التي تم العثور عليها إما في شبه الجزيرة العربية أو في العراق أو سورية.
ويقول فروليك: إن أكثر المخطوطات العربية أهمية في هذه المكتبة هو كتاب “طوق الحمامة” للعالم الإسلامي ابن حزم الأندلسي الذي عاش في قرطبة بإسبانيا خلال القرن الـ11.
ويشير فروليك إلى أن هذا الكتاب الذي يضم قصائد وقصصاً عن الحب والعشق والعشاق والصداقة يعتبر المخطوطة الوحيدة الباقية وأن جميع النسخ المنتشرة في العالم تستند إلى هذه المخطوطة الوحيدة التي نقلها أحد الكتاب الناسخين.
ومن بين المجموعات النادرة الأخرى مخطوطة لأول كتاب باللغة العربية مكتوب على ورق ومحفوظ في أوروبا ويرجع تاريخه إلى عام 960م وهو كتاب “غريب الحديث” لعالم اللغة والفقيه الإسلامي أبوعبيد القاسم بن سلام.
وتأسست جامعة ليدن في عام 1575 وهي أقدم جامعة في هولندا، وفيها قام أقدم جيل من المستشرقين من أمثال فرنشيسكوس رافيلنجيوس (1539-1597)، وجوزف جوستوس سكاليغر (1540-1609) بإعداد وكتابة دراساتهم عن المصادر المكتوبة.
وتم تعيين رافيلنجيوس الذي درس اللغة العربية في باريس كأستاذ للغة العبرية لكنه قام بتدريس اللغة العربية وكان أول شخص من هولندا يطبع كتباً بالعربية.
أما أول مستشرق هولندي حاول السفر إلى الشرق الأوسط فكان توماس إيربينيوس (1584-1624) الذي أصبح أول أستاذ رسمي للغة العربية في جامعة ليدن عام 1613.
وكانت دوافع اهتمامهم بالعالم العربي والإسلامي كثيرة إذ كان معظم الباحثين مهتمين بالعلاقة بين العربية والعبرية ولأن اللغتين من اللغات السامية فكانوا يريدون دراسة اللغة العربية لكي يشرحوا الممرات الصعبة في الكتاب المقدس باللغة العبرية.
الحجة الثانية كانت فكرة أن معرفة أفضل باللغة العربية من شأنها أن تساعدهم على إقناع المسلمين بالتحول إلى المسيحية.
وأبقى سكاليغر على 50 مخطوطة من مجموعته الشرق أوسطية باللغات العربية والفارسية والتركية في المكتبة عندما توفي عام 1609.
وفي البداية وحيث إنهم لم يزوروا الشرق الأوسط فقد اعتمد المستشرقون الهولنديون على التجار الذين سافروا إلى الشرق الأوسط لشراء المخطوطات منهم أو من هواة جمعها المحليين وخاصة في إيطاليا التي كان لها تقليد طويل في شراء المخطوطات الشرقية حيث كانت إيطاليا حلقة وصل بين شرق المتوسط وأوروبا.
إلا أن أول عالم هولندي يزور الشرق الأوسط لجمع المخطوطات كان جاكوبوس غوليوس الذي زار المغرب في عام 1622 ومن ثم حلب في سورية واشترى خلال الزيارة نحو 200 مخطوطة عربية تتعلق أساساً بالعلوم والرياضيات.
وشدد فروليك على أنه “لدينا مجموعة جميلة من المخطوطات العلمية العربية وكذلك باللغتين الفارسية والتركية”، معتبراً أن أهم مجموعة في مكتبة ليدن هي مجموعة الألماني ليفينيس وارنر الذي جاء إلى ليدن عام 1638 لدراسة اللغات الشرقية.
وتضم مجموعته أغراضاً ثمينة مثل كتاب “الحشائش” (كتاب الأعشاب) الذي كتبه عالم يوناني وتمت ترجمته إلى اللغة العربية في القرن الثامن أو التاسع وهو على الأرجح أقدم مخطوطة توضيحية باللغة العربية حول الموضوع العلمي.
كما تحتوي المكتبة على مجموعة صغيرة من المخطوطات باللغتين العربية والتركية من مقاطعة شنجيانج في الصين حيث تعيش أقلية الأويجور المسلمة.
وأشار فروليك إلى أن دراسات الشرق الأوسط في هولندا تحظى بشعبية كبيرة وأن العديد من الباحثين يأتون إلى هولندا لدراسة الإسلام واللغات الشرقية.
وأضاف أن شعبيتهم تزيد في هذا البلد وهم يزدهرون وسيواصلون ذلك في المستقبل لأنني أعتقد أنه في عصر العولمة هذا نحتاج إلى المزيد من الناس الذين يعرفون عن الشرق الأوسط والعالم خارج أوروبا.
ورأى “أننا نفتقد التعاون بين مكتبة ليدن والمكتبات في دول الخليج العربية” معربا عن رغبته في زيارة دولة الكويت لتعزيز التعاون بين المكتبات في البلدين.
وكشف فروليك عن أنه تواصل مع “مؤسسة البابطين الثقافية” في الكويت، مضيفاً أنها “مؤسسة نشطة جداً جداً”.
وأوضح أن العديد من دول العالم العربي أقرت قوانين تحظر بيع المخطوطات لحماية تراثها الثقافي وبالتالي لم يعد من القانوني شراء المخطوطات من العالم العربي بعد الآن.
لكن المنسق الهولندي أوضح أنه يشتري مخطوطات من أساتذة وعلماء متقاعدين في أوروبا ممن لديهم مجموعات خاصة.
(المصدر: مجلة المجتمع)