مكتبة القرضاوي وأرشيفه العلمي
تحدثت في مقالي السابق عن مكتبات العلماء ومصيرها، وكتبت أن أكبر مكتبة خاصة رأيتها: مكتبة أستاذنا الدكتور يوسف القرضاوي، وهي مكتبة تتكون من حوالي 25,000 عنوان، وقد يكون العنوان من جزء واحد، وقد يتكون من عشرات المجلدات، مثل مسند أحمد الذي يقع في خمسين مجلدا.
وقد كون القرضاوي مكتبته في ما يقرب من (58) عاما ظل يجمع فيها، كان أول كتاب اقتناه بعد القرآن الكريم: منهاج العابدين للإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله، وقد كان هدية من زوج خالته، وكان رجلا صوفيا رحمه الله، ولعل هذا هو سر المسحة الصوفية التي لا يزال أثرها باقيا في الشيخ. أما آخر كتب أهديت للشيخ في مكتبته، فثلاثة كتب هي: لا رجم في الإسلام، وندوات الغزالي، ومطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى في الفقه الحنبلي.
تقع مكتبة القرضاوي في طابقين كبيرين من بيته، وقد كان منذ زمن يخطط ليكون له بيت فيه مكان منفصل للمكتبة، فقد ظل سنوات طويلة حتى آخر خمسة عشر عاما يبحث عن منزل بهذه المواصفات، أن يكون واسعا، وفيه مكان كبير يسع مكتبه ومكتبته، إلى أن وفق لذلك.
أما عن مكونات المكتبة، فهي كأي مكتبة عالم دين، لكن مكتبة القرضاوي تنفرد بمساحة من الكتب ليست في كتب المشايخ عامة، فأضخم قسم في المكتبة هو قسم الحديث، فقد حوى جل كتب السنن والمسانيد وشروحها، وكتب المصنفات جميعا، وهذا هو أكبر قسم في المكتبة من حيث حجم الكتب.
في المكتبة جل كتب التفاسير سواء من التراث أو المعاصر، بدءا من تفسير ابن عباس، وانتهاء بالتفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الأسبق، وقد كان صديقا للشيخ، وزميلا له في كلية أصول الدين أيام الدراسة، ثم زميلا معه في كلية الشريعة بجامعة قطر، حينما كان القرضاوي عميدا لها.
أما كتب الفقه فتحتوي كل الكتب المعتبرة في المذاهب الأربعة: الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، لا ينقصها إلا ما يعد من باب الكماليات في البحث الفقهي المذهبي، وكذلك غير المذاهب الأربعة، ففيها كتب الفقه الزيدي، والإباضي، والشيعي الإمامي، الكتب المعتمدة لديها. فضلا عن كتب الفقه التي كتبها معاصرون، أيضا من جميع التوجهات الفقهية والمذهبية والفكرية.
في مكتبته قسم للفلسفة يحتوي على كتب الفلسفة القديمة والحديثة، اليونانية والمعاصرة، والإسلامية، والشرقية والغربية، وكتب في علم النفس والاجتماع، تحتل فيها مكانا مخصصا، وليس رفا صغيرا، أو بعض كتب، ومجالات أخرى، كالطب وغيره من المجالات العلمية.
أما عن الدوريات والمجلات، فكثير من المجلات منذ ثلاثين عاما كانت ترسل أعدادها هدية للقرضاوي، مما تكون لديه عدد من المجلات والدوريات المهمة، سواء كانت مجلات تتبع جماعات إسلامية، أم جامعات عربية، أو جهات مستقلة، بدءا من مصر، وانتهاء بالهند.
هناك مؤلفون قد جمع القرضاوي كل كتبهم، ندر أن تجد كتابا لهذا المؤلف غير متواجد عنده، فقد رأيت كل كتب: سيد قطب، ومحمد قطب، ومحمد الغزالي، وأبو الحسن الندوي، وأبي الأعلى المودودي، ومصطفى السباعي، وعبد الفتاح أبو غدة، وعبد العظيم الديب، ومحمد سليم العوا، وطارق البشري، وزكي نجيب محمود، وأحمد أمين، وعباس محمود العقاد، ومحمد البهي، والبهي الخولي، وحسن البنا.. هؤلاء جميعا جل مؤلفاتهم كاملة عنده.
تمتاز مكتبة القرضاوي بالثراء والتنوع في آن واحد، فلم يهتم في مكتبته بجمع كتب الدراسات الإسلامية فقط، بل تراها متنوعة كتنوع الشيخ الفكري كذلك، والعجيب في مكتبة الشيخ كثرة الكتب المترجمة عن الحضارة الإسلامية والإسلام، وكثرة كتب الفلسفة، بصورة مبهرة، كما ذكرت، وكتب مخالفة للفكر الإسلامي، كالشيوعية والاشتراكية والعلمانية، لأصحابها، وليست كتبا لمن ردوا عليها من المفكرين الإسلاميين.
وأحيانا يهدي مؤلفو الكتب للشيخ أكثر من نسخة من الكتاب الواحد، فترى أكثر من نسخة من الكتاب، وأحيانا أكثر من طبعة، أو طبعات الكتاب المختلفة، وعدد من هذه الكتب عليها إهداءات من المؤلف للشيخ، وهذه الإهداءات وحدها تحتاج مقالا، لما تحتويه من شهادات من أصحابها بحق القرضاوي، بدءا من أستاذه محمد يوسف موسى، ومحمد الغزالي، وانتهاء بتلامذته، ومروروا بحكام مثل: رجب طيب أردوغان، وقد أهدى كتابه للقرضاوي، وكتب عليه إهداء بخط يده.
أما أرشيف القرضاوي العلمي، فيحتوي على ملفات أعدها لكتب قادمة، ينوي كتابتها، وهي تملأ ثلاث كراتين من الحجم الكبير، وكل كرتونة فيها عدة ملفات، يحوي كل ملف عنوان كتاب، أو رسالة ينوي كتابتها، وقد جمع فيها النصوص المناسبة للكتاب، وعناصر الكتاب، ومحاوره، وقد كتب كثيرا منها، فهي ليست خطط بحوث، بل مشاريع كتب مكتوب في معظمها، ما بين عدة فصول، وما بين ما هو منته ويبقيه الشيخ لمراجعة، أو إضافة.
سألت شيخنا القرضاوي: ما مشروعك المستقبلي لمكتبتك بعد وفاتك؟ فأجابني: إن هناك اتفاقا مع جمعية قطر الخيرية للمساهمة في ذلك، وجعل مكتبته مكتبة عامة، ينتفع بها طلبة العلم، كان سؤالي له منذ أكثر من عشر سنوات، وبالفعل أتى شيخنا بأشخاص أكفاء لفهرسة المكتبة، وترتيبها ترتيبا علميا، يسهل جدا الاستفادة منها عند تحولها أو نقلها.
وقد أخرجت كتابين من هذه الكتب في فترة عملي مع الشيخ، وقد كان في الأضابير، وانتهى الشيخ من كتابة أحدهما تماما، وبقي فصل قصير في الثاني، وهما: كتاب (نحو أصول فقه ميسر) الجزء الأول من سلسلة تيسير الفقه، وكتاب (فقه الغناء والموسيقى). وقد طبعا منذ فترة، وهكذا كل فترة يمد الشيخ يده في الكراتين القديمة فيخرج كتابا على وشك الانتهاء، فيكمله.
ووجدت بين هذا الأرشيف في أضابير الشيخ: كتابا عن محاسبة النفس، أراه شبه مكتمل، ولا أدري لماذا لا ينشره الشيخ، أو يكمل ما تبقى فيه من كتابة قصيرة جدا. وهناك كذلك قصيدة طويلة ربما وصلت لألف بيت، كتبها الشيخ في أسرته فردا فردا، بل في أزواج بناته، ولكنها غير مكتملة، ولا أدري هل أكملها أيضا أم لا.
وهو الآن يعكف على جمع كل مؤلفاته، فيما أطلق عليه: موسوعة الأعمال الكاملة للقرضاوي، سيجمع فيها كل كتبه التي طبعت، والتي لم تطبع بعد، وما لم يكتمل يعمل على إكماله ليوضع في الموسوعة، والتي ستبلغ كما أخبرني: مئة مجلد، يسر الله له ولتلامذته المعاونين معه في المكتب إخراجها.
أما أرشيفه مما ليس من كتبه، فلديه مخطوطات سواء كانت لديه بعضها من قبل، وكانت قليلة، إلى أن آلت إليه مكتبة مركز بحوث السنة والسيرة، فاجتمع لديه صور لهذه المخطوطات المتعلقة بعلم الحديث.
وكان لديه أرشيف يتعلق بالإخوان المسلمين وتاريخهم، واجتماعات التنظيم الدولي، وبعض أوراق تتعلق بتنظيم سيد قطب رحمه الله، وأوراق تتعلق أيضا بتنظيم الإخوان في الخليج، كانت في كرتونة، وذلك بحكم انتمائه السابق للإخوان، وعندما كننا ننقل مكتبه من بيته في منطقة الدفنة إلى منطقة وادي السيل بالدوحة، قبل أن ينتقل مؤخرا إلى بيته الحالي، فسألته: أين نضعها؟ قال: لا حاجة لي بها، خذها، أو تخلص منها، فأخذتها كاملة، ولا تزال عندي، ضممتها إلى ما لدي من وثائق تتعلق بالحركة الإسلامية.
سألت شيخنا القرضاوي: ما مشروعك المستقبلي لمكتبتك بعد وفاتك؟ فأجابني: إن هناك اتفاقا مع جمعية قطر الخيرية للمساهمة في ذلك، وجعل مكتبته مكتبة عامة، ينتفع بها طلبة العلم، كان سؤالي له منذ أكثر من عشر سنوات، وبالفعل أتى شيخنا بأشخاص أكفاء لفهرسة المكتبة، وترتيبها ترتيبا علميا، يسهل جدا الاستفادة منها عند تحولها أو نقلها.
هذه لمحة عامة عابرة، دون دخول في تفاصيل المكتبة، والطبعات القديمة الموجودة بها، وما تحويه من نفائس، لكني فقط أردت التعريف بمكتبة القرضاوي وأرشيفه العلمي الخاص، بارك الله في عمره وعلمه.
المصدر: عربي21