مقالاتمقالات مختارة

مقومات وآفاق مشروع الهيمنة الإماراتي

مقومات وآفاق مشروع الهيمنة الإماراتي

بقلم م. أحمد مولانا

نظراً لبروز دولة الإمارات كفاعل إقليمي نشط، وحليف مقرب من أميركا، وتنامي المؤشرات الدالة على مساعي الإمارات لبناء إمبراطورية مصغرة على سواحل البحر الأحمر وتخوم القرن الأفريقي، بالتوازي مع ريادتها لجهود مكافحة التيارات الإسلامية وإدارة مخططات الثورة المضادة في مصر وليبيا واليمن، صار من المهم دراسة مشروع الهيمنة الإماراتي، وعوامل قوته وضعفه، وآفاقه المستقبلية.

وخلال الفترة القادمة بإذن الله سأنشر دراسة بحثية حول هذا الموضوع. وفي هذا المقال سأتطرق إلى عرض موجز لأبرز جوانب تلك الدراسة المنتظرة.
مع تقلص النفوذ البريطاني بمنطقة الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت عدة دول جديدة على الخارطة، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تأسست في عام 1971 من اتحاد ست إمارات هي:

أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، ثم انضمت لهم في العام التالي إمارة رأس الخيمة، بينما رفضت البحرين وقطر الانضمام آنذاك لذلك الاتحاد. وتبلغ مساحة الإمارات 83600 كم2، وتملك ساحلاً يطل على الخليج العربي بطول 644كم. ويعيش على أراضيها ما يزيد عن 6 مليون نسمة، تبلغ نسبة الإماراتيين منهم 24% أي قرابة المليون ونصف مواطن.

وتشغل الإمارات المركز السابع عالمياً في قائمة منتجي البترول، وتحوز أراضيها نسبة 8 % من احتياطي النفط المؤكد عالمياً.

تُحكم الإمارات بنظام ملكي وفقاً لدستور اتحادي، حيث يختار رئيس الدولة ونائبه (يشغل أيضاً منصب رئيس الوزراء) من حكام الامارات السبعة أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد الذى يعد بمثابة السلطة العليا، والذي يختص برسم السياسة الداخلية والخارجية للدولة. وتتمتع الحكومة الاتحادية بسلطات محددة وفقاً للدستور، بينما تتمتع حكومات الإمارات السبعة كل على حدة بسلطات واسعة، فتحتفظ كل إمارة بالسيطرة على نفطها وثرواتها المعدنية وعلى أمنها الداخلي.

تعد إمارة أبوظبي هي الإمارة الأكبر من حيث المساحة الجغرافية، والأكثر ثراء، حيث تملك 94% من احتياطي النفط الإماراتي، كما تدفع أبوظبي القدر الأكبر من الميزانية الاتحادية مما يتيح لها الهيمنة على القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية الإماراتية. وقد استقر العرف على أن يكون حاكم أبوظبي هو رئيس الإمارات، فتولى الشيخ زايد آل نهيان حكم الدولة منذ تأسيسها حتى وفاته عام 2004، ثم خلفه ابنه خليفة بن زايد، بينما يعد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد هو الحاكم الفعلي منذ مرض شقيقه. وتأتي دبي في المكانة الثانية بالدولة من حيث الوضع السياسي والاقتصادي، ويشغل حاكمها منصب رئيس الوزراء.

اتسمت السياسة الخارجية الإماراتية منذ تأسيس الدولة وصولاً إلى مطلع الألفية الثانية بالهدوء، والحرص على استثمار علاقات الإمارات الدولية لتحقيق مكاسب اقتصادية، والاكتفاء بالتماهي مع ثوابت التوجهات الخليجية وبالأخص السعودية تجاه الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. ونظراً للخلاف الإماراتي الإيراني بشأن تبعية جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى ذات الموقع الاستراتيجي، والتخوف الإماراتي من النزعات التوسعية الإيرانية والعراقية، فقد حرصت الإمارات على استقبال قوات أمريكية لاسيما في “قاعدة الظفرة الجوية” باعتبار ذلك يمثل مظلة ردع وحماية ضد أي أخطار محتملة من دول الجوار الإقليمي.

بداية مشروع الهيمنة

حدث تحول استراتيجي في السياسة الخارجية الإماراتية عقب اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، وارتفاع بعض الأصوات الإسلامية الإماراتية المطالبة بإصلاحات داخلية، ووصول عناصر محسوبة على جماعة الإخوان لمقاعد السلطة في مصر وتونس، وتراجع الأدوار الإقليمية لبعض الدول العربية مثل مصر وسوريا، وانهيار دول أخرى مثل ليبيا واليمن، وبروز تنظيمات دينية عابرة للدول مثل تنظيم الدولة الإسلامية بالتوازي مع تراجع الحضور الأميركي بالمنطقة. ومن ثم سعت الإمارات لاستثمار الفراغ الحاصل بالمنطقة، وتبنت مشروعاً للهيمنة الإقليمية يقوم على:

– التصدي لموجة ثورات الربيع العربي، وتخطيط وتمويل وإدارة موجة الثورات المضادة بالأخص في مصر وليبيا واليمن.

– بناء قواعد عسكرية، وإدارة أكبر قدر ممكن من الموانئ البحرية في أماكن استراتيجية على ساحل البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي، مثل اليمن وأريتريا وجيبوتي والصومال.

– تطوير الجيش الإماراتي، وبالأخص القوات الجوية والبحرية والعمليات الخاصة، عبر شراء أحدث منتوجات الأسلحة والنظم القتالية من كبريات الشركات العالمية للصناعات الدفاعية. وزيادة تعداد الجيش بفرض التجنيد الإجباري عام 2014، إلى أن وصل حجم الجيش الإماراتي العامل إلى 63 ألف عنصر. بينما بلغ حجم الإنفاق العسكري الإماراتي في عام 2017 قرابة 30 مليار دولار وفقاً لتقدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن.

-تأسيس بنية تحتية للصناعات العسكرية بالتعاون مع الشركات الأجنبية، ودمج شركات صناعات الأسلحة المحلية في شركة الإمارات للصناعات الدفاعية (EDIC) التي تأسست في 2 ديسمبر 2014 (في ذكرى اليوم الوطني لتأسيس دولة الإمارات). وتركيز جهود الشركة الوليدة في إنتاج الأسلحة المتطورة تقنياً مثل الطائرات دون طيار، والمركبات البرية غير المأهولة، والعربات المدرعة، والقذائف الذكية.

-تأسيس بنية أمنية متطورة، وبالأخص في مجال الأمن السيبراني. إذ تُعد الإمارات أول دولة خليجية تؤسس منظومة هجوم إلكتروني، فوكالة الأمن الوطني الإلكتروني (NESA)- وهي الجهاز الإماراتي المكافئ لوكالة الأمن القومي الأميركي (NSA)- تمتلك ترسانة متطورة من أحدث منظومات الاعتراض والهجوم السيبراني. وقد تم تغيير اسمها في سبتمبر 2018 إلى وكالة استخبارات الإشارة (SIA).

– تعزيز التعاون العسكري مع أميركا، حيث صارت الإمارات الحليف الأول لأميركا عربياً، وتمثلت تداعيات ذلك في منح أميركا في عام 2018 نظام Mode5 للإمارات. وهو نظام عسكري لمراقبة الحركة الجوية يستخدمه الجيش الأميركي وحلفاؤه للتعرف على طائرات ومركبات بعضهم البعض – وهو أحدث نسخة من نظام (IFF، تمييز العدو من الصديق)- وهذه التقنية يتم تشاركها فقط مع الحلفاء المقربين من الولايات المتحدة مثل أعضاء الناتو، وإسرائيل.

– تعزيز دور الإمارات الإقليمي عبر الإسهام في تمويل برامج تسليح العديد من الدول مثل مصر والأردن وباكستان، والمشاركة في تمويل معدات برنامج دول التحالف العسكري في منطقة الساحل (جي5) الذي نشأ بترتيب من فرنسا لمواجهة تصاعد التهديدات التي تمثلها التنظيمات الجهادية بالساحل الأفريقي.

– تعزيز العلاقات الخارجية مع الدول الأسيوية الفاعلة أو الصاعدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، كما انخرطت الإمارات في مشاريع اقتصادية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بما يسمح بتوظيف عائدات النفط في استثمارات مربحة مما يقوي في النهاية النفوذ الإماراتي.

التحديات التي تواجه المشروع الإماراتي:

– نشطت الإمارات في عدة محاور مستفيدة من حالة ظرفية عالمية مؤقتة، تمثلت في تسربها لدائرة القرار الأمريكي عبر المال السياسي، وتبنيها للمشروعات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة بشكل مباشر، مما ضاعف من الأعباء الملقاة عليها. وتجلى ذلك في تنوع نشاطها بين التدخل العسكري المباشر، وتمويل الانقلابات والتدخلات السياسية، وإشعال وتمويل النزاعات والحروب الداخلية؛ فمع زوال هذا الظرف العالمي من المرجح أن ينكمش تأثيرها ونشاطها الدولي.

– الإمارات ذات المليون ونصف مواطن لا تمتلك المقومات المادية والاقتصادية التي تساعدها على مواصلة شن حروبها الاستعمارية؛ فرغم أن لديها اقتصاداً قوياً، لكنه اقتصاد يخضع للمتغيرات الخارجية بنسبة كبيرة، فهي لا تمتلك ثروات داخلية متنوعة أو عمق استراتيجي. وهذه الحالة الاقتصادية تجعل المشاريع الاستراتيجية التي تبني عليها هشة للغاية؛ إذ من المرجح ألا يصمد الأساس الاقتصادي الضعيف في ظل استنزاف عالٍ لم يتبين حتى الآن متى ينتهي.

-المناطق التي تنشط فيها الإمارات هي مناطق عجزت عن البقاء فيها دول استعمارية كبرى، لأنها مناطق تفريغ للجهود والطاقات والإمكانيات بدون نتائج ملموسة. وهو ما بدأت تظهر مؤشراته في تراجع الحضور الإماراتي بالصومال وجيبوتي، وتصريحات مسؤوليها بالرغبة في إنهاء الحرب باليمن.

– تمركز المشروع الإماراتي في شخص محمد بن زايد والدائرة المحيطة به، مما يجعل حدوث أي طارئ له أو في فريقه بمثابة الخطر الذي قد يقضي على تلك المشاريع في ظل عدم ضمان وجود البديل الذي يستطيع تقديم مثل هذه الخدمات مستقبلاً بنفس الكفاءة. ومما يزيد من أهمية هذا المؤشر تزايد التسريبات عن تذمر بقية حكام الإمارات الأخرى خلاف أبوظبي من الخسائر البشرية في اليمن، والخسائر الاقتصادية الناتجة عن أزمة حصار قطر، وتراجع العلاقات الاقتصادية مع إيران.

هذه الجوانب المهمة المتعلقة بمدى قدرة الإمارات على تحمل أعباء المشروع الذي تتباه لمدة طويلة، تشير لضعف هذه الاحتمالية، وترجح أفول مشروع الهيمنة الإماراتي مع أي هزات داخلية أو تغيرات عالمية أو تزايد للاستنزاف البشري والمالي خارجياً.

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى