مقتل سليماني ولعبة الأمم بقضايا الإسلام والمسلمين
بقلم إبراهيم الطالب
الصراع بين أمريكا والمسلمين هو صراع قديم، لا يراعى فيه شيء سوى المصالح.
أمريكا لا يهمها الصراع بين السنة والشيعة، ولا بين فريق قطر وفريق الإمارات، الذي يهمها هو أن تبقى قوية ماسكة بزمام الأمور في تدبير السلطة والقرارات السيادية في منطقة ما تسميه الشرق الأوسط الكبير، حتى تظل بيدها خيوط تهريب ثروات الشعوب ومقدرات الأمة إلى حسابات شركاتها العابرة للقارات، للحيلولة دون نهضة شاملة تنافسها على أرض الواقع، لذا هي حريصة على جعل أفواه الشعوب العربية فوهات كالقبور تبلع، وشركاتها للمنتجات كالبطون تدفع.
المؤسف أن الوعي لدى كثير من النخب بالذات والآخر “العدو/ والصديق” لا زال لم يتجاوز أرانب الأنوف.
فعلى مستوى الذات، من يمثل الشيعة الآن في العالم هي إيران، لكن من يمثل السنة؟؟
لا أحد يمكن أن يزعم أنه يمثل السنة.
هذا جوهري لرفع الجهل عند الذين يستهويهم أن يوزعوا التهم على العاملين دون وعي.
أضف إلى هذا، أن مَن يحشر الإسلام في تفسير هذا الصراع -صراع المصالح-، يرتكب جريمة حقيقية، خصوصا عندما يكون الجميع يدعي الدفاع عن الإسلام.
التاريخ يخبرنا أن الإسلام كان على الدوام حاضرا في خطابات الغرب من نابليون إلى هتلر إلى قادة الاحتلال من أمثال تشرشل وليوطي إلى ضباط الاستخبارات من أمثال لورنس العرب وليون روش.
التاريخ نفسه يخبرنا أيضا أن إدارة الصراع حول الخلافة الإسلامية، والحديث عمن يستحقها لسحبها من آل عثمان؛ عقدت من أجله مؤتمرات نظمت من كلا الطرفين الكل يدافع عن الإسلام.
حتى كمال أتاتورك الذي ألغى الخلافة وحارب كل شعائر الإسلام ومظاهره، كان قبيل ذلك يدافع عن الإسلام، وقد بلغ من مكره في ادعاء الجهاد من أجل الإسلام، أن كثيرا من القادة في العالم الإسلامي جعلوه بطل الإسلام، فقال فيه شوقي أمير الشعراء:
الله أكبرُ كم في الفتح من عَجَبِ
يا خالدَ التُركِ جدّد خالدَ العَرَبِ
صلحٌ عزيزٌ على حربٍ مظفرةٍ
فالسيف في غمدهِ والحق في النصب
حذوتَ حرب الصلاحيين في زمنٍ
فيه القتالُ بلا شرعٍ ولا أدبِ
لم يأت سيفُكَ فحشاء ولا هتكت
قناك من حرمة الرهبانِ والصُلُبِ
فلما باع الخائن المتصهين المسلمين لليهود والإنجليز اغتم أميرنا واهتم فقال فيه:
مالي أطوقهُ الملامَ، وطالما
قلدتهُ المأثور من أمداحي
أأقولُ من أحيا الجماعةَ ملحدٌ
وأقول من ردّ الحقوقَ إباحي؟
ثم قال راثيا الخلافة بعد إسقاطها في مؤتمر لوزان على يديه في أكبر مؤامرة على الإسلام والمسلمين:
ضجّت عليكِ مآذنٌ ومنابرٌ
وبكتْ عليكِ ممالكٌ ونواحِ
الهندُ والهةٌ ومصرُ حزينةٌ
تبكي عليكِ بمدمعٍ سحاحِ
والشامُ تسألُ والعراقُ وفارسٌ
أمحا من الأرضِ الخلافةَ ماحِ؟
الخلافة نفسها -كما اليوم مع داعش- كانت من أهم الموضوعات التي راجت في وقتها على صفحات الجرائد، في بلاد العرب كما في بلاد الغرب المحتل، وارتبطت بها قضية أمير مكة ومشروع الإنجليز وفرنسا في مناطق الخلافة العثمانية التي كانت تحكم كل بلاد المسلمين سوى المغرب لمدة 6 قرون.
وكما حضرت الخلافة في سياسات الدول كذلك حضر الجهاد فكانت دول المحور كما دول الحلفاء، كلهم يستحثون الفقهاء والعلماء والأمراء والسلاطين كي يفتوا شعوب المسلمين للجهاد بجانب الدول المحتلة، وبالفعل قاتل السوريون والمغاربة والجزائريون والهنود مع فرنسا وإنجلترا، وقاتل الأتراك مع ألمانيا وحلفائها، بل أصدرت الحكومة الألمانية بشكل علني جريدة ناطقة بالعربية سمتها “الجهاد” ومولتها بشكل مباشر، مضمنة في صفحتها الأولى بشكل بارز آيات الجهاد والقتال والحث على بذل النفس والمال في سبيل الله سبحانه.
فالتاريخ يؤكد لنا بشكل لا مجال للشك فيه، أن قضايا الإسلام تُستدعى إلى ساحة الصراعات بين الدول لا للانتصار لها ولكن للهيمنة على سيكولوجيا الجماهير المسلمة، فالقوة الجماهيرية لا بد أن يتم التحكم فيها حتى لا تربك المخططات والاستراتيجيات على أرض الواقع، وحتى يكون القاتل والمقتول من المسلمين، وهذا ما نشهده منذ غزو أفغانستان والعراق في بداية هذا القرن الدموي، وأهم ثمار ذلك أن يصبح كل من دافع قضايا المسلمين إرهابيا أو متطرفا، وبهذا يتوزع المسلمون جميعهم بين مقتول ومهجر وإرهابي ومن بقي ساكتا فهو لدى الجماهير إما خانعا أو عميلا، فتكون النتيجة انهيار الشعوب وقادتها بعد انهيار الدول وساستها.
واليوم للأسف كل منظمات السنة صارت تابعة لأمريكا، تشتغل مثل “الحياحة” للقناصين الأمريكيين، لا تأثير لها إلا ضد السنة أنفسهم، هذا مؤلم لكنه الواقع.
على أرض الواقع أيضا، نجد أمريكا تشتغل على الصراع بين السنة والشيعة منذ الثورة الخمينية، استنزفت كل الثروات النفطية للمسلمين وحالت دون استثمارها من أجل نهضة للدول العربية، فالنسبة الأهم من دخل البترول تأخذها الشركات الأمريكية التي تستخرجه، وحتى تلك المحددة للدول العربية بموجب العقود تستحوذ على أكثرها الشركات الأمريكية أيضا من خلال ما تنفقه الحكومات الوظيفية على التسلح، للاستعداد للأخ العدو في الصراعات بين العرب أنفسهم أو العدو الفارسي الرافضي، وما بقي من دخل تستقطبه الشركات الاستثمارية الغربية لصالح الأمراء في ميادين الاقتصاد والخدمات والمتع.
وهذا هو ما يفسر استمرار المشاكل المزمنة التي تعاني منها البلدان العربية رغم غناها من حيث الثروات: فكل شعوب العرب رغم الثروات الهائلة الظاهرة والباطنة تبقى غارقة في الفقر والتخلف والبطالة، وتعرف تدنٍ في البحث العلمي، وإفلاس في التعليم، مع التبعية الكاملة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا للدول الغربية التي كانت تحتلها بالأمس القريب.
هذه الوضعية المريبة للدول العربية جعلت المسلمين ينظرون إلى أن معسكر تركيا هو المعسكر الأقوى الذي يمكن أن يدافع عن قضايا الأمة، خصوصا بعد أن استطاعت الوصول إلى نادي الكبار G20، والإفلات من الانقلاب العسكري وحرب العملة ومؤامرات الأخ والعدو، هذا رغم التشويش الذي تقوم به الإمارات ومعسكرها والذي أصبح معلوما أنه منقاد بلا وعي لما تمليه مصالح أمريكا في المنطقة العربية.
فكل العالم اليوم يعلم أن أغلب دول العرب اختارت أن تكون بجانب أمريكا التي تحرك المعسكر الإماراتي وتشتغل من ورائه في ليبيا واليمن وسوريا، وهذا ما أفقدها مصداقيتها لدى شعوبها، وجعلها في الوقت نفسه محل ابتزاز من راعي البقر ترامب.
وحتى يزيد من هذا الابتزاز قام ترامب بقتل شريكه قاسم سليماني منفذ كل الخطط المشتركة بين إيران وأمريكا، حتى يفتح من جديد خزائن دول الخليج التي ترتعد من العدو الفارسي منذ عقود مديدة، واكتفت في صده بالتحالف مع أمريكا التي لن ترقب فيها إلا ولا ذمة، وقنعت بأن تكدس الأسلحة الأمريكية في مخازنها مدة طويلة ترقبا لحرب مع إيران، لتستعملها في النهاية في اليمن وليبيا والعراق، دون أن تحدث فارقا على الأرض، سوى المزيد من القتلى والجرحى والمهجرين، في حين يبقى القدس أسيرا وفلسطين محتلة رغم الشعارات الجوفاء من كل الفرقاء ومن جميع الأنحاء.
إن السياسة العالمية لدول الغرب اليوم تجعلك بين خيارين، أيهما اخترت فأنت الخاسر، إذا اخترت شجب مقتل سليماني مثلا فأنت مع إيران، وإن فرحت وثمنت مقتله كنت موافقا على العربدة الأمريكية في العالم، وموافقا على عتوها في الأرض، فاليوم سليماني وغدا كل من تصنفه أمريكا إرهابيا، وقائمة تصنيفاتها تضم الملايين من منظمات إسلامية ومفكرين وقادة وعلماء.
المهم مهما كانت حسابات الدول وتصريحات الزعماء، وبغض النظر عن صدقهم أو كذبهم؛ ينبغي على الشعوب المسلمة ألا تسقط في الحفر السياسية والفخاخ الطائفية، التي تحسنها “الدول الكبار”، والتي جعلت من الدول المسلمة ساحات لحروبها تصفي فيها حساباتها، فالخطط تبرم في ردهات الوزارات الحربية لتلك الدول لكنها تطبق في بلدان المسلمين، فيكون وقود الحرب وحطب نيرانها من جماجم نسائهم وأبنائهم، ويموَّل قتلهم وحرقهم من ثرواتهم المستنزفة المنهوبة.
والأسف القاتل لكل حليم أن يرى كل هذه الجرائم والفظائع تتوارى خلف شعارات الحرب على الإرهاب الذي يعني في النهاية الإسلام، وقتال المتطرفين والغلاة والخوارج الذين هم في الأخير من أبناء المسلمين فقط، في حين أن الرابح هو محتل الأمس وشركاته العابرة للقارات لا غير.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
(المصدر: هوية بريس)