مقتل سليماني والتآخي الأمريكي الإيراني
بقلم عزت السيد أحمد
وأخيراً انتهى الجنرال الإيراني قاسم سليماني إلى النهاية الحتمية التي ينتهي إليها أمثاله في مختلف أرجاء العالم، إلا الاستثناءات التي يعتد بها لتأكيد القاعدة لا لتعميم الاستثناء.
أبدأ هذه البداية ازدواجية الدلالة لأنها بطرفي معناها هي لب الحقيقة التي سأبينها بعد قليل. وكل ما خلا ذلك من تنغيمات ليس إلا تغريدات على وتر الضرورة والحاجة.
وأيضاً على عكس التوقعات كلها أبدأ البداية الأساسية الثانية التي هي العنوان ذاته: «مقتل سليماني والتآخي الأمريكي الإيراني»، هذا العنوان الغريب الذي يتناقض مع كل التحليلات والتصريحات والصيحات في مختلف الساحات ومن مختلف الأطراف والجهات، وهذا المنطق الخطير في الفهم والتحليل، فالمحللون جميعاً ووسائل الإعلام و التصريحات من مختلف السياسيين في أرجاء العالم تؤكد أن عملية تصفية اللواء الإيراني قاسم سليمان، ثاني أقوى رجل في إيران حسبما نشير مختلف التقارير، إنما إعلان حرب من أمريكا على إيران وإكراه لإيران على إضرام نار هذه الحرب والمباشرة بها. ليس المحللون وحدهم والمتابعون معهم من قال ذلك ويقولونه، وإنما بدا ذلك صريحاً في مجمل التصريحات التي صدرت عن الطرفين؛ الأمريكي والإيراني، وبينهما العراق. ومع ذلك وفي ظل ذلك له آثرت أن يكون العنوان خلاف ذلك كله والذهاب إلى أن تصفيه قاسم سليمان هي إعلان مزيد من التآخي الأمريكي الإيراني.
نحن العرب متهمون بعقلية المؤامرة ونسب كل شيء إلى المؤامرة، هذا الاختراع التافه الصفيق الذي روجه عن العرب المفكرون العرب الأوروبيون مثل محمد أركون على سبيل المثال. أوحى هؤلاء العلمانيون للغرب بكتاباتهم أن العرب يعيشون هاجس أن الكل يتآمر عليهم، ويفسرون كل شيء بالمؤامرة. ليس هذا مكان مناقشة هذه الفكرة وأحسبني ناقشتها غير مرة من قبل، ولكن إذا لم يكن التخطيط بين طرفين لإيذاء طرف ثالث مؤامرة فما هي المؤامرة؟
تعالوا لننظر إلى الحدث من مختلف الزوايا والتفاصيل.
قبل يوم من عملية تصفية قاسم سليماني ومعه أبي مهدي المهندس ولفيف من المراقبين يربو على عشرين شخصاً كما تروي الروايات غير الرسمية حتى هذا الحين قال دونالد ترامب الرئيس الأمريكي تعقيباً على القصف الخماسي قبل يومين الذي ناقشناه مطولاً:
ـ «أنا لا أحب الحرب، ولا أريد أن أحارب إيران، أنا أحب السلام، وأمد يدي إلى إيران، وأطلب منها أن تمد يدها».
وقبل ساعات قليلة من هذه العملية، أي مساء اليوم الأول من العام الجديد 2020م فإنَّ وزير الدفاع الأمريكي في سياق التعليق على القصف الخماسي ونتائجة قد قال:
ـ «إنَّ هناك احتمالاً لأن تقدم الميليشيات الشيعية على عمل استفزازي آخر ـ غير اقتحام السفارة الأمريكية وحرقها ـ ونحن نحذرها بأننا سنرد عليها».
وتابع في التصريح ذاته قائلاً: «هناك أكثر من عشرين هجوماً نفذتها هذه الميليشيات (الشيعية) ضد قواتنا (الأمريكية) خلال آخر شهرين».
أما قوله الثاني فهو كذب صراح لأننا ونحن المتابعين باهتمام لم نسمع عن أي من هذه العشرين هجوماً ضد القوات الأمريكية والمصالح الأمريكية المباشرة ولا عن جرح أي جندي أمريكي خلال الشهرين الماضيين ولا قبلهما. وعلى افتراض أنَّ هذا الكلام صحيح فإنه يدين السياسة الأمريكية ويؤكد باليقين التآخي الشيعي الأمريكي؛ فلماذ ترد أمريكا على أي اعتداء على مصالحها من قبل أي طرف وخاصة إسلامي ولا ترد على أي استفتزاز أو اعتداء شيعي عليها وعلى مصالحها؟!
والسؤال الآن:
بعد هذه المخاوف الأمريكية كلها، حسب التصريحات التي تتحدث عن مخاوف من هجمات إرهابية شيعية، ولمثل هذه التصريحات رسالة محددة. ومعها بالتزامن والترافق التصريحات الكثيرة الجدية والحقيقية المصرة على عدم الرغبة في التصعيد مع إيران والشيعة ضمناً، وغيرها كثير مما لم نشر إليه مما يندرج في هذا السياق، وفي المقابل التصريحات الإيرانية ذات الدلالة ذاتها في عدم الرغبة في الحرب مع أمريكا على رغم شعار الموت إسرائيل المرفوع منذ أربعين سنة. وكلاهما جاد وجدي في ذلك وليس تمويهاً كما بينا في غير هذا الموضع… بعد ذلك كله يبرز السؤال الصميمي :
ـ هل يعقل أن تقدم الولايات المتحدة على عمل مجنون كبير من قبيل قصف موكب اللواء قاسم سليماني ثاني أقوى شخصية في إيران؟!
وأكرر من جديد للتأكيد:
بعد آلاف التصريحات من مختلف المسوؤلين الأمريكيين بدءاً من الرئيس العتيد إلى المسؤول الوليد وبينهم الإعلاميون والبرلمانيون بعدم الرغبة في الذهاب إلى أي حرب مع إيران، وعدم السماح بوصول الأمور إلى حد المواجهة مع إيران، إلى الحد الذي جعل بل أوصل حتى عامة الناس إلى السخرية من أي تهديد بين الطرفين وإلى قناعة تامة الأركان بأن أي تهديد أو نذر حرب بين الطرفين؛ الولايات المتحدة وإيران ليست إلا نوعاً من التهريج وتمرير الوقت وملء الفراغات. أيعقل بعد ذلك كله أن تقوم الولايات المتحدة بعملية نوعية من هذا القبيل وهي تصفية ثاني أقوى شخصية في إيران وربما أكثر شخصية شعبية في إيران بعد الإمام الحسين لما بات يمثلة من أسطورة محاربة (الباطل)، والأحاديث الأسطورية، وهي فعلاً أسطورية، عن بطولاته وانتصارته ضد (قوى الشر والكفر) في سوريا والعراق ولبنان واليمن…
ولتزداد الأمور نكهة كوميدية بتوابل تهريجية فإنه حتى مع هذه الضربة وبعدها وعلى الرغم من سيول التهويل وفياضانات التهديد وهدير شلالات الوعيد فإنَّ الطرفين كليهما يؤكد ويقطع بعدم الرغبة في المواجهة، وعدم الرغبة في الحرب، وعدم الاسترخاء للتصعيد ولما يولده من استنفار واستفزاز يستدعي المزيد مما قد يفجر الوضع بالفعل: مع كل رسالة تهديد رسالتا تطمين بعدم وصول الأمور إلى مرحلة الحرب أو المواجهة.
كلا الطرفين يهدِّد بإفناء الآخر ويؤكِّد عدم الرغبة في الحرب والمواجهة. التهديدات شتَّى ولكنَّ الجدية في عدم السماح بالوصول إلى الحرب من قبل الطرفين هي التي لها الوثوقية من خلال نبرة التصريح ولغته ومصدره وطريقته، ومن خلال المعطيات التاريخية بين الطرفين؛ إيران، والولايات المتحدة وريثة الغرب وحاملة لوائه.
وللمفارقة العجيبة فإنَّ إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي هدَّدت وتهدِّد الولايات المتحدة الأمريكية بهذة النبرة والشدة والحدة والجدية والوثوقية والاستفزازية… تخيلوا أنَّ روسيا على عظمتها وصراعها المفترض مع الولايات المتحدة الأمريكية لم ولا تجرؤ على تهديدها بهذه اللغة والطريقة… ولا كوريا، ولا الصين، ولا أي دولة في العالم لا الآن ولا من قبل استخدمت لغة التهديد الوثوقية هذه مع الولايات المتحدة الأمريكية… والولايات المتحدة لا تفعل مع إيران شيئاً. بل تمد الحبل لها أكثر وتسمح لها بالتمدد والتمادي أكثر وأكثر.
ونعود إلى اللغز العجيب المحير: لماذا أقدمت الويلات المتحدة على هذه العملية النوعية الكبيرة في عرف المحللين جميعاً، وأحرجت إيران إحراجاً شديداً وجديًّا فعلاً لا مبالغة، وأحرجت الولايات المتحدة ذاتها على الأقل شكلاً، الأمر الذي استنفر العالم أجمعه تقريباً ووقف ولم يزل على أعصابه واقفاً؟!
هذه الولايات المتحدة أيها السادة وأيها السادة هذه إيران. أفيعقل أن تقدم الولايات المتحدة على خطوةٍ غير محسوبة وخاصة أن تكون على هذه الدرجة من الخطورة؟! وهي من هي على مختلف الأصعدة والمستويات؛ الاستخباراتية والأقمار الاصطناعية التي كما يقولون ترصد خلايا النمل والنحل…. وغيرها من المستويات والميادين!
منطقيَّا من غير الممكن ذلك. ولكن الأمر غير محالٍ بطبيعة الحال. يمكن أن تخطئ. وهذا هو الاحتمال الأول الذي لم يتحدث فيه أحد، وهو مستبعد حتى من وجهة نظري. ولكن ماذا لو عدلنا قليلاً على هذا الاحتمال ونظرنا إليه على النحو التالي: ألا يحتمل أن الولايات المتحدة استهدفت هذا الموكب وهي لا تعرف حقيقة الهدف؟ أي لا تعرف أن قاسم سليماني سيكون الضحية غير المحسوبة إلى جانب الضحية المستهدفة؟
في هذه الحال فإنَّ الهدف الحقيقي هو أبو مهدي المهندس وهو هدف لا قيمة له على صعيد الحسابات الاستراتيجية والنتائج المرتبة على تصفيته، وهذا ينسجم مع الضربة الخماسية التي سبقت ذلك بيومين وما تلاها. ولكن دخول سليماني على الخط هو الذي خلخل الموازين وعقَّد الحسابات. بل ويقود إلى علامات استفهام كبرى وخطيرة على الاختراق الاستخباراتي ومصادر المعلومات، وهذا ما يدخلنا في حسابات أخرى بعضها وأهمها سينسجم مع تحليلنا اللاحق على هذه الفكرة وهو التواطؤ بين إيران والولايات المتحدة في هذه العملية.
على افتراض أنَّ هذه العملية تمت بهذا الخطأ فهل يمكن أن تعترف الولايات المتحدة أنها: جاهلة، ولا تعلم/ وأخطات مثل هذا الخطأ؟ من السهولة بمكان أن تعترف ﻹيران ويحتمل أنَّهَا فعلت ذلك في الرسالة التي أرسلتها عن طريق السفارة السويسرية في طهران بعد ساعات من العملية وتم الاتفاق فيها على استمرار اللعبة… احتمال واردٌ. وإلا فأيُّ تراسل هذا الذي يكون بين دولتين على هذه الشدة من العداء وفي حومة قرع طبول الحرب كما يبدو ويقول المحللون؟
ولكن إذا كان من السهل أن تعترف أمريكا لإيران سرًّا فمن غير الممكن أن تعترف أمام العالم أنها جاهلة ولا تعرف ماذا تفعل، وأنها ارتكبت مثل هذه الحماقة وهي لا تعرف أنَّ شخصًّا بقامة وقيمة قاسم سليماني موجود في الموكب. ولذلك كان لا بُدَّ على الفور من صوغ السيناريوهات المناسبة للعملية، مثل العادة لدى إقدام الولايات المتحدة على أي عمل عسكري، وتصوير هذه على أنَّهَا عملية؛ نوعية، مفصلية، تاريخية، مدروسة، ومقصودة، ومحكمة، ونتائجها مدهشة، وانقذت أمريكا والأمريكيين. على الفور تم اصطناع السيناريوهات وتعميمها على جميع المختصين، أي الممثلين ليقوموا بإلقائها كلٌّ في وقته ودوره بدءاً من الرئيس ترامب ونائبه ووزير دفاعه ووزير خارجيته وضباط البنتاغون الناطقين ووسائل الإعلام على شكل تسريبات مفضوحة تخرج فجأة، وفي الوقت المناسب تتسرب. ودارت هذه التسويغات حول فكرة واحدة في بضع مسائل:
ـ التقاط مكالمة هاتفية تكشف عن التخطيط لعمليات إرهابية ضد الأمريكيين والمصالح الأمريكية…
ـ التقاط مكالمة هاتفية تكشف عن أنه كان ذاهباً للعراق من أجل القيام بعمليات ضد السفارة الأمريكية…
ـ قام بعمليات إرهابية كثيرة ضد الأمريكيين…
ـ خطط لعمليات إرهابية تستهدف المصالح الأمريكية…
وهلمَّ جرًّا وجرجرة بهذه السلسلة المتماثلة الأسلوب والمضمون، إلا أنَّ التصريح الأكثر إدهاشاً و التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي ترامب ذاته وشخصيًّا وبلسانه لا على تويتره إذ قال:
ـ «إن سليماني قد قتل وجرح مئات الجنود الأمريكيين. منها أخيراً اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد (الذي كان قبل يومين من عملية تصفيته)، ومنها القصف الصاروخي الذي أدى إلى مقتل جندي أمريكي».
إلى هنا ينتهي كلام ترامب أو تصريحه حول سبب مقتل سليماني. هذا التصريح يعادل في الإدهاش القوى الصاروخية الإدهاشية لثلاثين فيلماً هنديًّا. على الأقل ثلاثين فيلماً هنديًّا من طراز الأكشن الإدهاشي. فاقتحام السفارة الأمريكية ببغداد قد تمّ ولم يكن سليماني في بغداد، بدليل قتله لحظة وصوله إلى بغداد من دمشق بعد نحو ثلاثة أيام من اقتحام السفارة… وقد فصَّلت في ذلك من قبل. وجرى الزحف إلى السفارة من قبل كتائب شيعية عراقية إثر القصف الأمريكي عليها احتجاجاً على هذا القصف. وعلى أيِّ حالٍ على افتراض أن سليماني أمر بذلك أو خطط لذلك وهذا سخف صريح لأن ما حدث أبسط من أن تحتاج إلى أمر أو تخطيط بهذا المعنى، فإنه لم يقتل في هذا الاقتحام سوى شخص عراقي مسكين يعمل في السفارة الأمريكية وغالباً لأنه مسلم. ولو كان المحتجون جديين في ذلك لقتلوا شخصاً أمريكيًّا من السفارة لا عراقيًّا.
أما القصف الصاروخي الذي أدى إلى مقتل جندي أمريكي فلا نعرف أولاً وبداية أي واحدٍ واحد، ولا نعرف من نفذه، ولا أظن الشيعة مطلقاً قد نفذوه، إلا إذا كان بالتواصل التخطيطي، ومع ذلك لم يقتل بهذا القصف الصاروخي سوى جندي أمريكي واحد. أما ثانياً هنا فإنه لمن عجائب هذا الزمان أن الصاروخ الشيعي إذا استهدف الجيش الأمريكي فلا يقتل وإن قتل يقتل جنديًّا واحداً وإن استهدف المسلمين قتل بالعشرات، وبالمثل تماماً فإن الصاروخ الأمريكي إذا استهدف الشيعة يقتل اثنين أو واحداً أو ثلاثة أو عشرين في الحد الأقصى كما حدث في عملية قاسم سليماني، ولكنه إذا استهدف السنة يقتل المئات وربما الآلاف!
سبحان الله على هذه المصادفة العجيبة.
شيء ولا في هوليود ولا في سينما الهنود.
تخيل معي الآن أنَّ هاتين العمليتين هما أبشع وأشنع وأعظم عمليتين إرهابيتين قام بهما الجنرال الإرهابي قاسم سليماني ضد الأمريكان؛ قتل جندي أمريكي بعدة صواريخ، واقتحام السفارة الأمريكية ببغداد وتأمين سلامة الأمريكيين في السفارة ونقلهم بأمان يعيداً عن الغوغاء المقتحمين. ولكن ترامب تحدث للإعلام أن قاسم سليماني قام بمئات العلميات الإرهابية ضد الأمريكيين وقتل مئات الجنود الأمريكيين، حتى إن الإعلام الأمريكي قدم لترامب والعالم بعد ساعات قليلة إحصائية بعدد الجنود الذين قتلهم سيلماني فهم 608 جنود بالضبط المضبوط ضبطاً منضبطاً.
أيعقل أنَّ عمليات سليماني الإرهابية ضد الأمريكان بالمئات، وضحاياه 608 جنود بالضبط ولم يجد ترامب ولا فريق مستشاريه ولا بنك معلوماته سوى هذين الشاهدين؟! يعني ضاقت به الإحصاءات والحسابات ولم يجد أشنع إرهاباً لسلماني من اقتحام السفارة لتأمين سلامة المواطنين الأمريكيين وقتل مسلم عراقي كان بطريقهم؟
إنها مهزلة المهازل وكوميديا المفلسين إفلاساً مربكاً محرجاً. إنها ارتجال التهريج من مضطر لا يعرف شيئاً عن أصول التهريج.
لا شك في أنَّ الهاج اللواء قاسم سليماني كان سفاحاً دمويًّا وحشيًّا طائفيًّا أبعد من حدود الخيال، وليس هو الأشنع بالتأكيد فما زال لديهم المزيد. ولكن فيما يعنينا هنا: إذا كان سليماني وحده متهم بهذا العدد الكبير جدًّا فكم عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلتهم قوات الحشد الشيعي التي قصفتها أمريكا قبل سليماني بيومين بسبب جرائمها ضد الأمريكيين احتساباً من المستقبل؟
يفترض أن العدد فظيع مريع. وهذا كذب كله، كله كذب تام الأركان والمفاصل والتفاصيل بالجملة والتفصيل. فلا سليماني ولا قوات الحشد الشيعي قتلت أمريكيًّا واحداً أبداً لا بالقصد ولا بالخطأ. ولا أبالغ إذا قلت بأن هذا الكلام منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعرق عام 2003م إلى ساعة مقتل سليماني. ومن كان لديه معلومات موثوقة فليتحفنا بها.
منذ احتلال أمريكا العراق عام 2003م وحتى يومنا هذا لم نسمع عن قيام أي عملية عسكرية شيعية ضد الاحتلال الأمريكي ولا الجيش الأمريكي، وإن كان حدث مثل ذلك فعلاً فحدث بالتنسيق بينهما، وما حديث من غير تنسيق إن حدث ولا أنفسي فلا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة. ومن ثم فإن العدد الذي ذكره ترامب ولحقه به المسؤولون والإعلام الأمريكي والعالمي ليس إلا محض افتراء.
الشاهد هنا والمراد مما سبق أنَّ هذا التهويل الافتراء والكذب يقدم مفاتيح أو مفتاح القضية الأساسي في العلاقة بين إيران والأمريكان، وحقيقة الصراع بينهما. ولذلك ينتصب السؤال من جديد:
إذا لم يكن قتل سليماني بالخطأ كما ذكرنا فإذن لماذا قامت الولايات المتحدة بهذه العلمية ضد قاسم سليماني؟
الحقيقة التي يجب أن ندركها جيداً أنه لا صراع بين أمريكا وإيران ولا بين إيران وأمريكا. وأي صراع بينهما فيجب أن يكون تمثيلاً، فإن كان حقيقيًّا فلن يكون لصالح العرب ولا المسلمين بحال من الأحوال. لأنهما كلاهما يد واحدة، ولكليهما هدف واحد هو محاربة الإسلام والمسلمين والعرب، وهذا موضوع فيه الكثير من التفاصيل.
وفي هذا السياق يمكن فهم عملية تصفية قاسم سليماني إذا كانت مقصودة وأغلب الظن أنها مقصودة. وعلى ذلك أدلة وقرائن:
الدليل الأول: إذا كان قاسم سليماني بهذا الخطر فلماذا تم إمهاله كل هذا الوقت، ولماذا تمت تصفيته بالتحديد عندما أنهى تصفية الثورات السورية واليمنية والعراقية؟ ثماني سنوات وهو يصول ويجول في سوريا والعراق واليمن ولبنان متحديًّا أمريكا (بلسانه وتغريداته) مرتكباً أشنع وأبشع المجازر ضد السوريين والعراقيين واليمنيين ولم تنتبه له الولايات المتحدة، وبعد أن استتب الأمن للأنظمة التي حاربت شعوبها وحاربت الإسلام تمت تصفيته!!
الدليل الثاني: وهنا الفكاهة والفاكهة أن سلماني طيلة حركاته وتحركاته في هذه الأمصار كان يتحرك بحماية الطيران الأمريكي وحماية الجييش الأمريكي، وكل معاركه، تقريباً في هذه الأمصار، كانت تحت مظلة الطيران الأمريكي الذي كان يمسح الأرض له تمهيداً، ويظل فوقه حماية من المفاجآت.
إذن لماذا تمت تصفيته:
في الكلام شروح وتفاصيل ولا أطيل، تمت تصفيه قاسم سليماني في نظري، بتوافق إيراني أمريكي، إن لم يكن بطلب إيراني رسمي، لتحقيق جملة من الأغراض والأهداف:
أولها وعلى رأسها وضع حدٍّ لسطوع نجم سليماني في الشارعين الشيعي والإيراني، فمثل هذه النجومية باتت تشكل خطراً على مفاصل السلطة ورموزها…
ثانيها لملمة شتات الشارعين الشيعي والإيراني وإلزامهما بالالفتاف حول السلطة بسبب التصدع الذي حصل في الآونة الأخيرة ضد الشيعة والسلطة الشيعية في إيران والعراق ولبنان.
ثالثها القضاء مبرماً على محاولات التفكير في الثورة على السلطة الشيعية.
رابعهاً تبربر التراجع الأمريكي في الملف النووي الإيراني، وذا كلام تحدثت فيه إثر قيام ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وقلت حينها: هذا مفتاح لتحسين لاشروط الإيرانية في الملف النووي.
خامسها الذي استجد فجأة أو جاء نتيجة لم تكن في الحساب المطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق، فقرر البرلمان طرد القوات الأجنبية، ودار الحديث عن القوات التركية، وأختم هنا بأن أسأل: هل ستعتبر القوات الإيرانية قوات أجنبية؟!
للحدث صلة وصلات.
(المصدر: رسالة بوست)