مقتل خاشقجي وتوظيف الدين في تبرير جرائم السلطة!
استدلال فاسد
حاول المغامسي الاستدلال لرأيه، بأن جريمة قتل خاشقجي خطأ وارد، وأنه سبق وقد فعلها خالد بن الوليد رضي الله عنه، في قتل مالك بن نويرة، وآخرين، وعالج أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطأ خالد بدفع الدية لأهل مالك، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من خطأ لخالد، فقال: “اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد”، وأن هناك وجه شبه بين فعل خالد، وفعل مجموعة القتلة الذين قتلوا خاشقجي في القنصلية.
وقد وقع المغامسي في أخطاء كبيرة هنا، فأولا: كان خالد بن الوليد في حالة حرب، وهو القائد العام للجيش وقتها، ومالك بن نويرة كان ممن منعوا الزكاة، ولما ناقشه خالد قال له: لماذا لا تدفع الزكاة، فرد عليه مالك وقال: كنا نعطيها لصاحبكم. فقال خالد: أوليس لك بصاحب؟!! وبدت له علامات ارتداد الرجل، وقد أقر أخوه متمم فيما بعد لعمر بن الخطاب بذلك. ولا يقبل في حالة حرب أن يتركه خالد ويكون من خلفه، ولا يأمن جانبه، وخالد عسكري محنك، فقام بقتله. فهل كان خاشقجي مرتدا في حالة حرب يعلنها على السعودية، والقنصلية ساحة حرب، أم كانت ساحة تخليص أوراق رسمية، للمواطن جمال خاشقجي؟!
ثانيا: يخلط المغامسي بين أحكام الحرب وأحكام السلم، فالحرب تقوم على الظن والشك، ووضع الاحتمال الأقرب للحماية، بينما تقوم أحكام السلم على حسن الظن، والخطأ فيها في العفو خير من الخطأ في العقوبة، بينما الحرب الخطأ فيها بهزيمة كبرى لجيش بالكامل، وهو ما لا يتوافر أبدا في حالة خاشقجي. ولذا كان قياس المغامسي هنا قياسا فاسدا، لا يقبل علميا، ولا شرعا.
قتل الغيلة
ثالثا: حالة خاشقجي تسمى في الفقه الإسلامي: قتل الغيلة، أي قتل الغدر، وذلك: أن تعطي إنسانا الأمان، سواء بالقول أو ضمنيا، فيأمن جانبك، ثم تقوم بقتله، وهذا في الشرع الإسلامي عقوبته مغلظة، وسبحان الله هناك فيديو قديم للمغامسي نفسه، يتحدث فيه عن قتل الغدر، وأنه يجب القصاص على القاتل، ولا يقبل في هذه الحالة عفو أولياء الدم، ولا الحاكم، وأن هذا هو مذهب الإمام مالك، وأن محكمة سعودية طبقته، والمغامسي يؤيد هذا الحكم!
رابعا: ينسى المغامسي ومن يبرر من شيوخ السلاطين هذه الجريمة، أنها جريمة تدخل في باب الحق العام، والذي لا يملك فيها أولياء الدم، ولا الحاكم إسقاط العقوبة عن القاتل، مهما كان موقع القتلة، لأن الجريمة التي تروع المجتمع، وتصبح حقا عاما تتحول من حق خاص إلى حق عام للأمة والمجتمع، لا يملك أحد إسقاطه.
خامسا: إن مثل هذه الجرائم تدخل في باب إساءة استخدام السلطة، واستغلال مقومات الأمة والمجتمع في مصالح شخصية، وهنا يعاقب فاعلها عقوبة مغلظة، ولا يقبل فيها العفو، وهو ما يعلمه علم اليقين المغامسي والسديس وكل المشايخ، بل يدرسونه في معاهد القضاء، وكليات الشريعة، ولا يجهله أحد من دارسي الشريعة، صغر أم كبر، لكنها الحيل التي يبحث بها عن مخرج للقاتل، وهو ما لا يقبله الشرع.
سادسا: كنت أتمنى من المشايخ الذين بحثوا عن مبررات لإعفاء من قاموا بقتل خاشقجي من العقاب، أن يصمتوا، فقد كان يسعهم الصمت، فمنذ بداية الأزمة وهم صامتون، وصمتهم وإن كان لا يليق بهم، ولا يحق لهم إلا النطق بكلمة الحق، عملا بقوله تعالى: (الذين يبلغوتهم رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا) الأحزاب: 39. لكن الصمت عن قول الحق، خير من النطق بالباطل، فضلا عن البحث عن مبررات له، تعفيه من العقاب.