مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 4
بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)
الحمد لله ناصر المؤمنين بالمؤمنين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث بالحق رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين.
أما بعد:
فإن الولاء بين أهل الإيمان من أصول عقيدتهم، ومن واجبات شريعتهم، ومن عظيم أخلاقهم، وهو مظهرٌ لوحدة صفِّهم، واكتمال قوتهم، وعظمة تاريخهم وحضارتهم، كما هو مخرج- اليوم وغدًا- من عميق أزمتهم!
إن الولاء بين أهل الإسلام يقتضي محبةً ونصرةً، تترجم عنهما القلوب بالمحبة، والألسن بالدعاء، والأيدي بالبذل والعطاء!
إن رابطة الفرح للانتصارات، والحزن للانكسارات- هي فرع رابطة (لا إله إلا الله) الجامعة بين أهلها في المشارق والمغارب!
وهي رابطة إيمانية يعقدها الله في قلوب أهل الإيمان! فهي نعمة ربانية، ومنَّة إلهية!
قال سبحانه:
وقال تعالى:
والتناصر فرحًا بالانتصارات وإعانةً عند الجراحات- مقياس لصحة العقيدة، ومعيار لاتباع الشريعة، وتعبير عن قوة الإيمان، وعمق اليقين!
وللانتصار موجبات وموجهات عديدة؛ منها:
رابعًا: النصرة منهج اجتماعي:
إن المجتمع المسلم لا تجتمع أوصاله بمثل التناصر والتآزر، ولا تقوى شوكته بمثل التعاطف والتآلف.
والتعبير عن المجتمع بالجسد الواحد، والصف الواحد، ونحو ذلك إنما هو مقصود لبيان شدة الارتباط، ووَثاقة العقد الاجتماعي الجامع لمكونات المجتمع، وهذا ما يجعل من المجتمعات المسلمة على تباعد ما بين ديارها وتنائي أقطارها، وتفاوت لغاتها وعاداتها- لُحمة واحدة، وأمة واحدة!
قال تعالى:
وقال سبحانه:
ولقد ترسَّخت في مجتمعات المسلمين عبادات وطاعات تُفضي إلى تحقيق الأمة الواحدة بتوحُّد عباداتها، ووحدة شعائرها ومناسكها، حتى صار يحمل همَّ الأمة من مشرقها إلى مغربها كلُّ مسلمٍ فيها، فإن لم ينصرها بنفسه، نصرها بماله، وإن عجز ماله، نصرها بلسانه ودعائه، وإن حال دون ذلك حائلٌ لم يعجز أن يكون قلبه مع أمته فرحًا وترحًا، سعادةً وحزنًا!
وهذا المعنى الاجتماعي لا يوجد لدى أمةٍ من الأمم!
إن المصيبة قد تحلُّ بأهل المغرب، فيدعو لهم أهل المشرق، وإن النازلة قد تنزل بأرض الشام، فتضج الحناجر بالدعاء والقنوت في أرجاء بلاد المسلمين كافة!
فالنصرة صمام أمنٍ مجتمعي بين أفراده جميعًا، يدل على ذلك قوله ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إن كان ظالمًا، كيف أنصره؟
قال: «تَحْجُزُهُ- أَوْ تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»([1]).
فالتناصر يقي المجتمع المظالم، ولا يُستضعف فيه مظلوم، ولا يستقوي فيه ظالم!
قال تعالى:
ثم إن التاريخ يذكر كيف تناصر الأنصار مع المهاجرين، فقد حكت كُتب السُّنة أن النبي ﷺ آخى بين تسعين من المسلمين، خمسة وأربعين مهاجرًا مع خمسة وأربعين أنصاريًّا، ومن ذلك أنه ﷺ آخى بين عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين، وسعد بن الربيع من الأنصار.
فقال سعد لأخيه المهاجري: إنـي أكثر الأنصار مالًا، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك، فسمِّها أُطلقها، فإذا انقضت عدَّتها فتزوجها!
فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سُوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضلٌ من أَقِط وسمنٍ([2]).
ومثله كان بين الأشعريين، إذا قلَّ طعامهم، جمعوا ما لديهم، ثم قسموه بالسويَّة بينهم([3]).
فهذه نصرة اجتماعية تكافليَّة لا نظير لها.
______________________________________________________________________