مقالاتمقالات المنتدى

مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 3

مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 3

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله ناصر المؤمنين بالمؤمنين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث بالحق رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين.

أما بعد:

فإن الولاء بين أهل الإيمان من أصول عقيدتهم، ومن واجبات شريعتهم، ومن عظيم أخلاقهم، وهو مظهرٌ لوحدة صفِّهم، واكتمال قوتهم، وعظمة تاريخهم وحضارتهم، كما هو مخرج- اليوم وغدًا- من عميق أزمتهم!

إن الولاء بين أهل الإسلام يقتضي محبةً ونصرةً، تترجم عنهما القلوب بالمحبة، والألسن بالدعاء، والأيدي بالبذل والعطاء!

إن رابطة الفرح للانتصارات، والحزن للانكسارات- هي فرع رابطة (لا إله إلا الله) الجامعة بين أهلها في المشارق والمغارب!

وهي رابطة إيمانية يعقدها الله في قلوب أهل الإيمان! فهي نعمة ربانية، ومنَّة إلهية!

قال سبحانه:

وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءًۭ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًۭا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(3 : 103)
[آل عمران: 103].

وقال تعالى:

وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًۭا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ
(8 : 63)
[الأنفال: 63].

والتناصر فرحًا بالانتصارات وإعانةً عند الجراحات- مقياس لصحة العقيدة، ومعيار لاتباع الشريعة، وتعبير عن قوة الإيمان، وعمق اليقين!

وللانتصار موجبات وموجهات عديدة؛ منها:

ثالثًا: النصرة خُلق إيماني:

فالتآخي واجب إيمانـي، وعنه ينشأ واجب آخر، وهو التناصر والتآزر.

قال سبحانه:

إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌۭ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
(49 : 10)
[الحجرات: 10].

وقال ﷺ: «وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»([1]).

وعليه، فإن المؤمنين صف واحد إذا دَهَمهم أمرٌ، أو حَزَبهم مكروه، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا.

قال سبحانه:

إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِۦ صَفًّۭا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٌۭ مَّرْصُوصٌۭ
(61 : 4)
[الصف: 4].

وقال ﷺ: «المُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ؛ إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ»([2]).

وليس لهم مَثَل إلا كالجسد: «إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»([3]).

فالنصرة ثمرة التآخي في الله، وهذا ما نصَّ عليه رسول الله ﷺ حين قال: «المُؤْمِنُ أَخُو المُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ»([4]).

وفي الحديث أيضًا: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا»([5]).

وهذا الخُلق فضله عظيم، وأجره كريم.

وفي الحديث القدسي: «إِنَّ اللهَ U يَقُولُ: قَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَحَابُّونَ مِنْ أَجْلِي، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَصَافُونَ مِنْ أَجْلِي، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَزَاوَرُونَ مِنْ أَجْلِي، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَبَاذَلُونَ مِنْ أَجْلِي، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَنَاصَرُونَ مِنْ أَجْلِي»([6]).

إن هذا التناصر يتمثَّل واقعًا في كربٍ يُنفِّسه مسلم عن أخيه، وفي تيسيرٍ على مسلم، وستـرٍ على مؤمن، ومعاونةٍ على البر والتقوى، وإنفاقٍ في سدِّ حاجة أهل الإسلام!

لقد كان أويس القرنـي سيد التابعين إذا أمسى، تصدَّق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب، ثم يقول: «اللهم من مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانًا فلا تؤاخذني به»([7]).

وهو في هذا يمتثل حديث رسول الله ﷺ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي الفَضْلِ»([8]).

وقد أنفق عثمان رضي الله عنه نفقات عظيمة في نصرة المسلمين، فهو يجهز جيش العسرة، ويشتري بئر رومة، ويجعلها وقفًا لسقيا المسلمين.

__________________________________________________________

([1]) أخرجه مسلم (2559).

([2]) أخرجه مسلم (2586).

([3]) أخرجه أبو داود (4918)، وصححه الألباني.

([4]) أخرجه البخاري (2843)، ومسلم (1895).

([5]) أخرجه مسلم (1895).

([6]) المسند (32/183، 184) رقم (19438).

([7]) حلية الأولياء (2/87)، وسير أعلام النبلاء (4/30).

([8]) أخرجه أبو داود (1663).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى