مقالاتمقالات المنتدى

مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 2

مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 2

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله ناصر المؤمنين بالمؤمنين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث بالحق رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين.

أما بعد:

فإن الولاء بين أهل الإيمان من أصول عقيدتهم، ومن واجبات شريعتهم، ومن عظيم أخلاقهم، وهو مظهرٌ لوحدة صفِّهم، واكتمال قوتهم، وعظمة تاريخهم وحضارتهم، كما هو مخرج- اليوم وغدًا- من عميق أزمتهم!

إن الولاء بين أهل الإسلام يقتضي محبةً ونصرةً، تترجم عنهما القلوب بالمحبة، والألسن بالدعاء، والأيدي بالبذل والعطاء!

إن رابطة الفرح للانتصارات، والحزن للانكسارات- هي فرع رابطة (لا إله إلا الله) الجامعة بين أهلها في المشارق والمغارب!

وهي رابطة إيمانية يعقدها الله في قلوب أهل الإيمان! فهي نعمة ربانية، ومنَّة إلهية!

قال سبحانه:

وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءًۭ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًۭا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(3 : 103)
[آل عمران: 103].

وقال تعالى:

وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًۭا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ
(8 : 63)
[الأنفال: 63].

والتناصر فرحًا بالانتصارات وإعانةً عند الجراحات- مقياس لصحة العقيدة، ومعيار لاتباع الشريعة، وتعبير عن قوة الإيمان، وعمق اليقين!

وللانتصار موجبات وموجهات عديدة؛ منها:

ثانيًا: النصرة واجب شرعي:

لا امتراء في أن النصرة واجب شرعي أوجبه الله تعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ.

قال تعالى:

إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوٓا۟ أُو۟لَٰٓئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يُهَاجِرُوا۟ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا۟ ۚ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌۭ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ
(8 : 72)
[الأنفال: 72].

وفي الحديث: «يَدُ المُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وأَمْوَالُهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَى المُسْلِمِينَ أَقْصَاهُمْ»([1]).

والمعنى: أنه متى استنجد المسلمون في مكانٍ ما بأهل الإسلام، فقد وجبت على القادرين نصرتهم، ومتى استنفروا، وجب عليهم النفير؛ سواء في ذلك الأدنى منهم والأقصى!

وذلك للتأكيد على التراحم بين أطراف الأمة، وأبعاضها جميعًا.

وفي الحديث: «إِنَّ المُؤْمِنَ مِنْ أَهْلَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ، يَأْلَمُ المُؤْمِنُ لِأَهْلِ الإِيمَانِ، كَمَا يَأْلَمُ الجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ»([2]).

ومن نصر أخاه، نصره الله في الدنيا والآخرة، وفي الحديث: «مَنْ نَصَرَ أَخَاهُ بِالغَيْبِ، نَصَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»([3]).

وفي ميزان الأولويات الشرعية تأتي نصرة المستضعفين من المؤمنين في رتبةٍ متقدمةٍ، وذلك لما لها من وثيق ارتباط بعقيدة المسلم، وما تدعوه إليه الشريعة من قضاء حوائج المؤمنين، ومجاهدة أعداء الدين، وإغاثة الملهوفين، وتفريج كروب المكروبين، والدعاء لرب العالمين بنجاة المستضعفين.

عن أبي هريرة ◙ أن النبي ﷺ كان إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة يقول: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ»([4]).

والمواساة بكل أنواعها مأمور بها شرعًا أَمْر إيجاب، أو أمر استحباب.

قال ابن القيِّم : «مواساة بالمال، ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم، ومواساة بالتوجُّع لهم»([5]).

________________________________________________________________

([1]) المسند (11/587) رقم (7012).

([2]) المسند (37/517) رقم (22877).

([3]) السنن الكبرى للبيهقي (8/168).

([4]) أخرجه البخاري (1006)، ومسلم (675)، في عدة مواضع.

([5]) الفوائد (164).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى