مقالاتمقالات المنتدى

مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 1

مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 1

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله ناصر المؤمنين بالمؤمنين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث بالحق رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين.

أما بعد:

فإن الولاء بين أهل الإيمان من أصول عقيدتهم، ومن واجبات شريعتهم، ومن عظيم أخلاقهم، وهو مظهرٌ لوحدة صفِّهم، واكتمال قوتهم، وعظمة تاريخهم وحضارتهم، كما هو مخرج- اليوم وغدًا- من عميق أزمتهم!

إن الولاء بين أهل الإسلام يقتضي محبةً ونصرةً، تترجم عنهما القلوب بالمحبة، والألسن بالدعاء، والأيدي بالبذل والعطاء!

إن رابطة الفرح للانتصارات، والحزن للانكسارات- هي فرع رابطة (لا إله إلا الله) الجامعة بين أهلها في المشارق والمغارب!

وهي رابطة إيمانية يعقدها الله في قلوب أهل الإيمان! فهي نعمة ربانية، ومنَّة إلهية!

قال سبحانه:

وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءًۭ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًۭا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(3 : 103)
[آل عمران: 103].

وقال تعالى:

وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًۭا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ
(8 : 63)
[الأنفال: 63].

والتناصر فرحًا بالانتصارات وإعانةً عند الجراحات- مقياس لصحة العقيدة، ومعيار لاتباع الشريعة، وتعبير عن قوة الإيمان، وعمق اليقين!

وللانتصار موجبات وموجهات عديدة؛ منها:

أولًا: النصرة فرض عقدي:

إن الموالاة بين المؤمنين عقيدة راسخة، وفريضة واجبة، قال الله تعالى:

وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ
(9 : 71)
[التوبة: 71].

وقال تعالى:

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَٰكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ .
(5 : 55-56)
[المائدة: 55، 56].

وفي الحديث قال ﷺ: «أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟». قال أبو ذرٍّ: الله ورسوله أعلم. قال: «المُوَالَاةُ فِي اللهِ، وَالمُعَادَاةُ فِي اللهِ، وَالحُبُّ فِي اللهِ، وَالبُغْضُ فِي اللهِ»([1]).

فالمؤمنون: «أولياء بعض في الدين، واتفاق الكلمة، والعون، والنصرة»([2]).

فأهل (لا إله إلا الله) يتناصرون فيما بينهم بالحقِّ، ويتعاضدون بصدقٍ.

ومما لا شك فيه أن لكل أهل القبلة نصيبًا من الولاء- محبةً ونصرةً- بحسَب ما عندهم من الحق والصلاح.

فالولاء يتحقق أصلُه بتحقق أصل الإسلام، ويتفاوت بتفاوت أهل القبلة قربًا وبعدًا من السنة.

وعلى كل حالٍ، فإنهم حال البغي عليهم من أعداء الملة تجب نصرتهم، كما يُستعان بهم في نصرة الإسلام، والدفع عن أهله، فيُعَانُون على الكفار، ولا يُستَعان بكافرٍ عليهم.

والروابط النسبية، والإنسانية، والوطنية، والإقليمية في حدودها مَرعية شريطة ألَّا تحلُّ حرامًا، ولا تحرم حلالًا، ولا تتقدم على رابطة الأخوة الإسلامية!

وقد قال سبحانه:

لَّا تَجِدُ قَوْمًۭا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوْ كَانُوٓا۟ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍۢ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ ۚ أَلَآ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
(58 : 22)
[المجادلة: 22].

وقد قال رجل لرسول الله ﷺ: على من نصرتـي؟ فقال ﷺ: «عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ»، أو قال: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»([3]).

قال ذو النون المصري: «ثلاثة من أعلام الإيمان: إغمام القلب بمصائب المسلمين، وبذل النصحية لهم متجرعًا لمرارة ظنونهم، وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوه، وكرهوه»([4]).

أما الفرح بانتصار الكفار على المسلمين، والشماتة في عباد الله الصالحين بغَلَبة الظالمين، فنفاق وخيانة، ونقض لعقيدة الموالاة في الله!

_____________________________________________________________________

([1]) أخرجه الطبراني في الكبير (3/125)، وحسنه الألباني في الصحيحة (998).

([2]) تفسير البغوي (2/369).

([3]) أخرجه أبو داود (4519)، وابن ماجه (2680)، وحسنه الألباني.

([4]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (10696).

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى