مقالاتمقالات المنتدى

مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 5

مقتطفات من كتاب (من محكمات الدين الانتصار للمؤمنين) 5

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله ناصر المؤمنين بالمؤمنين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث بالحق رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين.

أما بعد:

فإن الولاء بين أهل الإيمان من أصول عقيدتهم، ومن واجبات شريعتهم، ومن عظيم أخلاقهم، وهو مظهرٌ لوحدة صفِّهم، واكتمال قوتهم، وعظمة تاريخهم وحضارتهم، كما هو مخرج- اليوم وغدًا- من عميق أزمتهم!

إن الولاء بين أهل الإسلام يقتضي محبةً ونصرةً، تترجم عنهما القلوب بالمحبة، والألسن بالدعاء، والأيدي بالبذل والعطاء!

إن رابطة الفرح للانتصارات، والحزن للانكسارات- هي فرع رابطة (لا إله إلا الله) الجامعة بين أهلها في المشارق والمغارب!

وهي رابطة إيمانية يعقدها الله في قلوب أهل الإيمان! فهي نعمة ربانية، ومنَّة إلهية!

قال سبحانه:

وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءًۭ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًۭا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(3 : 103)
[آل عمران: 103].

وقال تعالى:

وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًۭا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ
(8 : 63)
[الأنفال: 63].

والتناصر فرحًا بالانتصارات وإعانةً عند الجراحات- مقياس لصحة العقيدة، ومعيار لاتباع الشريعة، وتعبير عن قوة الإيمان، وعمق اليقين!

وللانتصار موجبات وموجهات عديدة؛ منها:

خامسًا: النصرة جهاد سياسي:

إن الجهاد العسكري قبل الاجتهاد السياسي في نصرة أهل الإسلام في كل صُقْعٍ لا تتحقق النصرة فيه إلا بذلك!

قال ربنا جلَّ وعلا:

وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّۭا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا
(4 : 75)
[النساء: 75].

فهذه الآية- كما يقول ابن كثيرٍ -رحمه الله- فيها تحريض من الله تعالى للمؤمنين على الجهاد في سبيله، وعلى السعي لاستنقاذ المستضعفين من الرجال والنساء والصبيان!

فنصرة المستضعفين في دينهم اليوم في بلاد عديدة- جهاد سياسي لا بد منه، ولا غنى عنه.

ولا يخفى ما آلت إليه أحوال المسلمين في بلاد الروهينجا، وبورما، وكشمير، والهند، وبنغلاديش، وتركستان الشرقية، وفلسطين، وسوريا، والعراق، واليمن، وغيرها!

وقد قال تعالى:

وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌۭ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌۭ كَبِيرٌۭ
(8 : 73)
[الأنفال: 73].

قال الإمام الطبري: «إلَّا تفعلوا ما آمركم به من التعاون والنصرة على الدين، تكن فتنةٌ في الأرض»([1]).

وقد قال سبحانه:

إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا۟ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًۭٔا ۚ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۖ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ
(45 : 19)
[الجاثية: 19].

وإذا كان الظالمون بعضهم أولياء بعضٍ، فإن أهل الإيمان أَولى بالموالاة على حقِّهم من أولئك على باطلهم.

وقد ورد النهي الأكيد عن خذلان أهل الإسلام، فقال ﷺ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ»([2]).

والخذل والخذلان: ترك الإعانة والنصرة([3]).

ونصرة أهل الإسلام سياسيًّا وعسكريًّا تتعلَّق- أول ما تتعلَّق-  بالولاة، وقد ضرب أهل الإسلام من لدن نبينا ﷺ إلى يوم الناس هذا أروع الأمثلة في نصرة أهل الإسلام عند استضعافهم.

لمَّا أغارت بنو بكرٍ على بني خزاعة حلفاء النبي ﷺ، وجاء الصارخ يستنصر النبي ﷺ وهو ينشد:

يَا رَبِّ إنِّي سَائلٌ مُحمَّدًا حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا
لَقدْ كُنْتُمْ وَلدًا وَكُنَّا وَالِدًا ثَمَّةَ أَسْلمنَا فَلَمْ نَنزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نَصرًا أَعْتدَا وَادْعُ عِبادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا

إلى أن قال:

هُمْ بَيَّتُونَا بِالوَتِيرِ هُجَّدًا وَقَتلُونَا رُكَّعًا وسُجَّدَا

عندها قال نبينا ﷺ: «نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ!».

وكان هذا سببًا لفتح مكة.

ولمَّا صرخت المرأة الهاشمية وهي أسيرة في يد الروم قائلةً: وا معتصماه.

وبَلَغته استغاثتها، قال: لبَّيك لبَّيك، ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، وثأر لها بنفسه، وكانت تلك الواقعة سببًا في فتح عمورية.

وفيها قال أبو تمام:

السَّيْفُ أَصدَقُ أَنْباءً مِنَ الكُتُبِ فِي حَدِّه الحَدُّ بَيْنَ الجِدِّ وَاللَّعِبِ
بِيضُ الصَّفائِحِ لَا سُودُ الصَّحائِفِ فِي مُتُونهنَّ جِلاءُ الشَّكِّ وَالرِّيبِ

إلى أن قال:

فَتْحُ الفُتُوحِ تَعالَى أَنْ يُحِيطَ بِهِ نَظْمٌ مِنَ الشِّعرِ أَو نَثرٌ مِن الخُطبِ

وإن الأسى ليبلغ مداه حين تستغيث اليوم الحرائر من أرجاء بلاد المسلمين، فلا تجد لها مجيبًا، ولا تسمع إلا رَجْع صوتها كئيبًا!

رُبَّ «وامعتصماه» انطلقت مِلء أفواه الصبايا اليُتَّم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

على أن هذه المواقف السياسية المتخاذلة تَسطر بأحرفٍ من الخزي تاريخ أصحابها، ومهما كانت سطوة تلك الأنظمة أو الأفراد المستبدين، فلن تَحُول- بإذن الله- بين أهل الإسلام وما يريدون من نصرة المستضعفين من أهل الملة، وأبناء الأمة.

وأخيرًا، فلا يجوز بحالٍ أن يَحُول انتماءٌ حزبي، أو موقف شخصي، أو مصلحة جزئية دون القيام بواجب نصرة المستضعفين، ولا الفرح بانتصار المؤمنين على أعدائهم من الكفار والمنافقين، فإنْ وقَع شيء من ذلك، فمن ضعف الإيمان، والأمر كما قال ابن القيم ♫: «على قَدْر الإيمان تكون المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت…»([4]).

فتفقُّد الإيمان في القلوب، وإصلاح ذات الضمائر، يُثْمر صحة الأعمال والمواقف!

«فإن القلب كلما كانت حياته أتم، كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل»([5]).

«والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها قلوبهم واحدة، مُوالية لله ولرسوله، ولعباده المؤمنين، مُعادية لأعداء الله ورسوله، وأعداء عباده المؤمنين، وقلوبهم الصادقة وأدعيتهم الصالحة هي العسكر الذي لا يغلب، والجند الذي لا يخذل»([6]).

____________________________________________________________

([1]) تفسير الطبري (10/40).

([2]) أخرجه مسلم (2864).

([3]) شرح مسلم (16/120).

([4]) الفوائد، لابن القيم (164).

([5]) إعلام الموقعين (2/158).

([6]) مجموع فتاوى ابن تيمية (28/644).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى