مقالاتمقالات المنتدى

مقتطفات من كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) للدكتور محمد يسري إبراهيم | (3) مناهج التلقي والاستدلال

مقتطفات من كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) للدكتور محمد يسري إبراهيم | (3) مناهج التلقي والاستدلال

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

حجية الكتاب والسنة

الحجة العليا والمرجع الأعلى للمعرفة والتلقي: هو التلقي عن الله تعالى ورسوله ﷺ، فالوحيُ المعصوم من الكتاب والسنة هو المصدر الأول، ونصوص القرآن والسنة الصحيحة هي ما عليه المُعَوَّل؛ سواء أكانت قطعية أم ظاهرة في دلالتها.

والسنة الصحيحة عند الاستقلال حجةٌ بنفسها، تَثْبت بها العقائد والأحكام ولو كانت آحادًا، وأعظمُ دواوين السنة باتفاق الأمة الصحيحان، فلا يَطْعن فيهما إلا جاهلٌ، أو صاحب هَوًى.

قال الله تعالى:

وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌۭ يُوحَىٰ .
(53 : 3-4)
[النجم: 3 – 4].

 

خصائص الوحي

ومن خصائص النصوص الصحيحة: أنها حقٌّ كلها، لا يُقَدَّم عليها غيرها، وهي حجةٌ بنفسها، مشتملة على جميع ما يُحتاج إليه في بيان الدين، لا تعارض حقيقيًّا فيما بينها، ولا فيما بينها وبين صريح العقل.

وهي مفهومة على ظاهرها المقبول، الثابت بأمثالها من المنقول، وبأقوال الصحابة والسلف العدول، ثم بما عُلِمَ من لغة العرب ولهجاتهم وأساليبِ كلامهم.

فإن وقع تعارض ظاهري بين العقل والنقل؛ فمردُّه إلى الوهم في صحة العقل، أو الثبوت والدلالة في النقل، والنصوص لا تأتي بمُحالات القبول، وقد تأتي بما تَحارُ فيه العقول.

 وحقُّ النصوص تَلقِّيها والتلقي عنها بالتسليم لأحكامها، والتعظيم لقائلها.

قال الله تعالى:

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًۭا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًۭا
(4 : 65)
[النساء: 65].

 

محاذير في منهج التلقي

يجب التخلي عند التلقي عن كل شوب فلسفي مذموم، أو كلامي مردود، أو مسلكي منحرف، كما يَحْسُن عند الاحتجاج اعتماد ألفاظ الكتاب والسنة، والتعبير بها عن معانيها، وَفْقَ لغة القرآن وبيان الرسول ﷺ.

فيثبت ما أثبته الله ورسوله باللفظ الذي أثبته، ويَنْفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه؛ إيثارًا لجانب الأثرية، ومجانبةً لمصطلحات الفرق الكلامية والمناهج الفلسفية.

ومن التوفيق: الكفُّ عما سكت عنه الله ورسوله، والإمساك عما أمسك عنه خير القرون من التعمق أو التكلف أو التأويل المذموم.

ومن الوحي ما اختلف فيه العلماء المجتهدون وفقًا لمنهج أهل الحق في الاستدلال، وكلُّ ما اختُلِفَ فيه فقد وجب ردُّه إلى الكتاب والسنة، مع الاعتذار عن المخطئ من الأئمة.

قال الله تعالى:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍۢ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌۭ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
(4 : 59)
[النساء: 59].

 

حجية الإجماع

من مصادر التلقي المتفق عليها: الإجماع الذي هو اتفاق مجتهدي الأمة في عصر من عصورها على أمرٍ أو حكم شرعي، والإجماع حجة قاطعة، لا سيما ما وقع منه في القرون الفاضلة، والأمة الوسط لا تجتمع على ضلالة ولا على خطأ.

وحجية الإجماع ثابتة بالكتاب والسنة، وهو واقع فعلًا، ممكن عقلًا، ولا يقع إلا عن دليلٍ، عَلِمَه من علمه، وجَهِلَه من جهله، والإجماع العملي من الأمة جيلًا بعد جيل معتبر، ومن أنكر الإجماع القطعي على المعلوم من الدين بالضرورة المنعقد  بشروطه كفر!

وإنكارُ ما عداه من الإجماع فسقٌ وبدعة.

قال الله تعالى:

وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِۦ جَهَنَّمَ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا
(4 : 115)
[النساء: 115].

 

الموقف من الدليل العقلي

العقل حجة تابعة للنقل، والاجتهاد بالرأي مقبول عند عدم وجود النقل الصحيح الصريح، أو الإجماع المنعقد، ومن اتسع علمُه بالمنقول قلَّت حاجتُه للرأي وللقياس.

وكل رأي صدر من غير أهل الاجتهاد، أو في غير محلِّه، أو بغير شروطه- فلا عبرة به، وليس من مسائل الاجتهاد ما ورد فيه خلافٌ شاذ، أو جرى مجرى الزلَّة من أقوال العلماء، فلا عصمة لمجتهد أخطأ ولا تأثيم.

ولا تعارض بين قاعدة ترك الإنكار على المخالف، وبين التحقيق العلمي، وبيان خطئه وضعف دليله ومذهبه.

والقول بالقياس وحجيته بشروطه قولُ جماهير الأمة، والدليل العقلي الظني لا يعارض النقلي القطعي، كما لا تعارضه نظريات العلم الحديث، ولا المصالح الموهومة بالظنون أو الأهواء!

والتعارض له احتمالات ولكلٍّ حكم:

فإذا وقع تعارض بين ظنيين، عقليين أو نقليين، فهذا يُطْلَبُ له قرائنُ الترجيح، وأسبابُه ومسالكُه متعددةٌ.

فإن وقع التعارض بين قطعي وظني فَلْيقدَّم القطعيُّ ثبوتًا ودلالة على الظني ثبوتًا ودلالة، سواءً أكان القطعي عقليًّا أم نقليًّا!

وادعاء تعارض القطعيين من العقل والنقل، أو العقليين، أو النقليين، ادعاء باطل، وكل ذلك لم يقع.

وتقديم النقل على العقل حيث وجب التقديم هو إعمال لمقتضى العقل الذي شهد لصحة الرسالة وصدَّق بعصمة النقل.

وكثيرًا ما يكون مردُّ الخلاف          إلى تَوَهُّمِ ما يدخل في العقل وليس منه، أو ما يدخل في النقل وليس منه.

قال الله تعالى:

يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلْنَٰكَ خَلِيفَةًۭ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱحْكُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌۭ شَدِيدٌۢ بِمَا نَسُوا۟ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ
(38 : 26)
[ص: 26].

 

 الأدلة المختلف فيها، وما لا يدخل فيها

بعد الكتاب والسنة والإجماع والقياس هناك أدلة مختلف فيها بين أهل السنة، على تفاصيل فيها بين المجتهدين والأصوليين، وخلافات في تقديم بعضها على بعض، ومردها إلى الكتاب والسنة.

والفراسة الصادقة والرؤيا الصالحة حق، وليس ذلك من مصادر التلقي أو التشريع.

ولا عصمةَ للمكاشفات والمخاطبات والإسراءات الروحية إن ادُّعِيَت، ونحوها من الأحوال.

ونقل مصدرية التشريع من الوحي إلى الهوى من مسالك أهل البدع والإلحاد.

قال الله تعالى:

بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ أَهْوَآءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍۢ ۖ فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ
(30 : 29)
[الروم: 29].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى