مقتطفات من كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) للدكتور محمد يسري إبراهيم | (18) المرأة والأسرة
بقلم د. محمد يسري إبراهيم
المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية
جاء الإسلام والمرأة في اليهودية ممسوخة الهُويَّة، فاقدة الأهلية، منزوعة الحرية، معدومة الحق في الاختيار، أقرب إلى المتاع الذي يُورث ويُباع، يُنْظر إليها على أنها لعنة وسببٌ لنزول اللعنات!
ولم تكن المرأة في النصرانية أحسن حالًا منها في اليهودية، فقد كانت لديهم أصل الخطيئة، ورأس الشر؛ لأنها سبب الفساد في الأرض.
أما عن إهانتها ومهانتها في الجاهلية العربية، فحدِّث ولا حرج.
قال الله تعالى:
وببزوغ شمس الرسالة الخاتمة، تحرَّرت المرأة من رقِّ الجاهليات كلها، فنالت حقوقها، واكتسبت أهليتها بما لم يُعْرف قبل الإسلام قط.
وبيَّن الوحي أن الأنثى الأولى خُلقت من زوجها؛ تكريمًا لها، ونفيًا لما أشاعته الجاهليات عن أصل خلقتها.
قال الله تعالى:
حقيقة دعاوى تحرير المرأة
إن الإسلام بحقٍّ هو محرر المرأة من كل ما استعبدها، وأفسد عليها دينها ودنياها، فلم يعد مجال في الإسلام لظلم المرأة، أو العدوان على حقوقها الشخصية؛ المادية والمعنوية.
وكل مظلمة وقعت على امرأةٍ في موضعٍ من ديار الإسلام- فإنما يتحمل وزرها من ارتكبها، والإسلام منها براء.
أما ما ينادي به أعداء المرأة اليوم من تحريرها من حجاب عفتها، وإخراجها من ستر فضيلتها، فلا يزيد عن ردِّها إلى الجاهليات التي حررها الإسلام منها.
ولا تعدو مطالبات الأعداء اليوم إلا أن تكون بالفواحش أو بأسبابها، فالاختلاط المستهتر، والخلوة بالمرأة الأجنبية، وسفر المرأة بلا محرمٍ، ونزع الحجاب، والتبرج بالزينة، سبيلٌ قاصد لوقوع المحرمات، والفواحش الموبقات، والتي يطالب بحرية المرأة في ارتكابها بعضُ المستعمَرةِ عقولُهم، والمُسْتغرِبة أفكارُهم، ومن ثَمَّ تأتي قائمة طويلة من إباحة إجهاض أجنَّة السفاح، وإباحة الشذوذ، وغيرها من صور العبث بالخلقة البشرية، والفطرة الإنسانية.
ومن ثَمَّ تدمير مؤسسة الزواج؛ تمهيدًا لهدم كيان الأسرة، وتهديد بقاء البشرية، وذلك بما يخالف كل الشرائع الإلهية، والرسالات الربانية.
قال الله تعالى:
النساء شقائق الرجال
لقد جاءت نصوص الوحي مُكَرِّمةً للمرأة، وناطقةً بحقوقها، ومقررةً في عدالةٍ إلهيةٍ ما لها وما عليها من حقوقٍ وواجباتٍ، وذلك بدءًا من مسئولية التكليف والعبادة، والإلزام والالتزام، وتقرير المساواة بين الرجل والمرأة في كل ما يتصل بالكرامة الإنسانية، والمسئولية العامة، إذ «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»([1]).
وأما فيما يتعلق بواجباتها وحقوقها في إطار أسرتها ومجتمعها، فالإسلام يوازن بين ذلك بما يحقق العدالة، والمطالبة بالمساواة المطلقة مع الرجل مع اختلاف القدرات والواجبات لا يحقق عدلًا، ولا يورث الأسر استقرارًا وأمنًا، فلهنَّ من الحقوق مثل الذي عليهنَّ بالمعروف، وهذا في إطار عامٍّ له تفاصيلُه بحسَب موقع المرأة؛ زوجةً أو بنتًا أو أُمًّا، فهي شريكة في الخير، ومقاومة الشر، أمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر.
قال الله تعالى:
وقال الله تعالى:
من حقوق المرأة في الإسلام
أثبت الإسلام حقَّها في التعليم والتعلم والدعوة، فتعلمت النساء على عهد النبي ﷺ وعلَّمت، وحضرت المجامع العلمية، فسألت وأجابت، وحضرت مجامع الصلوات والجُمَع والأعياد، واستُفْتيت فأفتت، وأُتيح لها العمل لحاجتها بضوابط تصون عفَّتها فعملت، وخرجت مع المجاهدين، فسقت العطشى، وعالجت الجرحى ودَاوَتْ، وشاورها النبي ﷺ والخلفاء، وسُئلت عن رأيها في اختيار الخليفة فأجابت، واستقلَّت بذمَّتها المالية عن زوجها وأبيها، فباعت واشترت وتصدقت، وأُمِرَ الرجال بالإنفاق عليها ولو كانت ذات مالٍ، فَكُفِلت وحُفظت؛ بل وأُبيح لها أن تتصدق على زوجها ففعلت.
أما حقوقها الاجتماعية كأُمٍّ، فلا تَسَلْ عن تعظيم الإسلام لحقها، ولو كانت على الشرك والكفر، وأبناؤها على التوحيد والإسلام.
والبنت لها حقٌّ في حسن الكفالة والتربية والتعليم، ولها الحق في اختيار مَن ترغب فيه زوجًا لها، وليس لوليٍّ أن يمنعها من كفئها.
وللزوجة حق العِشرة بالمعروف، ورضاع أبنائها وحضانتهم، ولها حق الاختلاع إذا ساءت عِشْرتُها مع زوجها.
وإذا طُلقت فقد ترتبت لها حقوق، وذلك بعد أن تكون كل وسيلةٍ لحفظ كيان الأسرة قد استنفدت.
وفتح باب رجوع الزوج للأسرة مرة بعد مرة إن وقع طلاق متسرع، فراجع الزوج نفسه في العدة، وبعد العدة يفتح الباب بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ما لم تكن طلقة ثالثة.
قال الله تعالى:
حماية الأسرة في الإسلام
وأما الأسرة فقد قرر الإسلام ابتناءها على الزواج بين الذكر والأنثى، فرغب فيه ودعا إليه، وحرَّم كل سبيل للإنجاب خارج مؤسسة الزواج وهو ما يوافق الفطرة البشرية، ويحفظ الحياة الإنسانية.
وحرَّم الإسلام الاعتداء على الجنين بعد ثبوت حياته، فلا يحل لوالديه قتله فضلًا عن غيرهما، وعدَّت الشريعةُ الجناية عليه جريمةً تستوجب عقوبةً على من باشرها، وإذا كانت حالات الإجهاض معدودةً في بلاد المسلمين، فإنها بالملايين في بلاد غير المسلمين!
كما حفظت الشريعة كيان الأسرة بتحريم الزنا، وعمل قوم لوطٍ، وسائر صور الشذوذ الجنسي، وحرَّمت القذف بالزنا، والاتهام بالخنا، وعينت في ذلك كله عقوبةً حَدِّيةً.
وعدَّت من الكبائر أن ينتسب الولد لغير أبيه، أو أن يتبنى الرجل غير ابنه، وينسبه إليه.
قال الله تعالى:
حقوق الأطفال في الإسلام
وكفل الإسلام للأطفال والأبناء حقوقهم من لدن اختيار والديه، فحق له على والديه أن يُحْسنا اختيار بعضهما لولدهما.
فإذا أصبح الطفل جنينًا، فقد حمت الشريعة حقه في الحياة ولو كان من زنًا أو سفاحٍ، عياذًا بالله.
فإذا وُلد سُنَّ تحنيكُهُ والعقيقةُ عنه يوم سابعه، واستحب أن يسمَّى بأحسن الأسماء، وأن ينسب إلى أبويه، وأن يستوفي الطفل حقَّه في الرضاع والحضانة بين أبويه، ووجبت له النفقة على أبيه مع العدل بينه وبين إخوته، وطلب من الآباء والأمهات أن يقوموا على تربيته، وحسن تأديبه، ووقايته من النار.
وإذا ميَّز أُمِرَ بالصلاة وهو ابن سبعٍ، ولُقِّن أحكام دينه، وأُبيح له اللهو المباح واللعب، والاستمتاع بالطفولة وبراءتها؛ لينشأ نشأةً سويةً، وقد أُمِرَ والده أن يتصابى لصبيِّه.
قال الله تعالى:
***
_______________________________________________________________________
([1]) أخرجه أحمد (52619)، وأبو داود (236)، والترمذي (113) من حديث عائشة (رضي الله عنها).