بقلم الشيخ عبدالعزيز رجب
نقصد بمقاصد الشريعة في السياسة الشرعية: المقاصد التي وضعها الشارع الحكيم والغايات التي استهدفها الشارع في السياسة الشرعية، وأهم هذه المقاصد:
1 – تحقيق مصلحة المكلفين: يحفظ دينهم وأنفسهم وعقلوهم ونسلهم وأموالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّتها فهو مفسدة[1].
2 – معرفة المآلات: فإذا كان يقضى إلى مفسدة ظاهرة، أو يؤدي إلى مناقضة مقصد شرعي كلي، فهو باطل مردود باتفاق الجميع، ومعتمدهم في ذلك ضرورة النظر في المآلات[2].
3 – تحقيق التنمية؛ فهي قيمة شاملة وجامعة، وواصلة، وتتضمن رؤية عمرانية واعية وفاعلية[3].
4 – الحرية: فالإسلام لا يرضى من أبنائه بأقل من الحرية والاستقلال، فضلًا عن السيادة، ولا يجوز الاعتداءعلى الحرية، سواء الفكرية والاعتقادية.
5 – تطبيق الشورى: لأنها إحدى وسائل اختيار الحاكم وترجيح الإرادة؛ فلا بد من تفعيلها؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].
6 – حفظ نظام الأمة؛ بإقامة الأمة الصالحة القائمة بأمر الله، المقيمة لحدوده، العابدة له، التي جعلت الدنيا مزرعة للآخرة، التي يتراحم أفرادها ويتعاطفون.
7 – الاستعداد العسكري: لأنه سيكون سبب حصول قوى للأمة، ولأن فيه صلاح الأمة جميعًا.
8 – دستور الأمة القرآن: الدستور هو نظام الحكم العام الذي ينظم حدود السلطات وواجبات الحكمين، ومدى صلتهم بالحكومة، وهو عند المسلمين القرآن الكريم، هو المصدر الأول للتشريع؛ فالدستور لا بد أن ينبثق من القرآن والسنة.
9 – القانون: هو شارح للدستور، والمفسر له، وهو الذي ينظم الأفراد بعضهم ببعض، ويحمي حقوقهم الأدبية والمادية، ويحاسبهم على ما يأتون من أعمال؛ ولذلك لا بد أن يتفق مع أحكام القرآن والسنة.
10 – نشر الدعوة الإسلامية: وهو من أهم مقاصد الشريعة في المحيط الإنساني العام؛ لتبليغ الإسلام، باعتباره رسالة عالمية موجهة للناس كافة، ويقع عبء تبليغها على المسلمين[4].
مقاصد التربية والأخلاق:
يقصد بها مقاصد الشريعة في مجال التربية والأخلاق وتزكية النفس، ومن أهم مقاصد التربية والأخلاق وتزكية النفس:
التعبد لله وحده، التحرر من كل سلطان أجنبي، إتمام مكارم الأخلاق، التعليم بجميع أنواعه ومصنفاته، التوجيه الاجتماعي للأمة لتسير في الطريق المستقيم، عمارة الأرض وتعميرها وتعبيدها لله، الإعداد البدني الصحي، تربية الفتاة والمرأة المسلمة وتعليمها، غرس قيم الحب والاحترام، تكريم المعلم والعلماء، الحث على التعليم، النهي عن تقليد الآباء والحكام بدون دليل، الدعوة للتفكير والتعقل والتدبر، تربية العقول على مناهج عملية سليمة، مراقبة وسائل الإعلام؛ حتى لا يحدث إفساد معنوي، منع تفشي كل ما يضر العقل والبدن، التدرج في تربية الأمة، الحث على الأخلاق الحميدة، محاربة الأخلاق الذميمة، إيثار الناحية العملية على الإنتاجية، وعلى الدعاية والإعلانات[5].
خاتمة:
وبعد أن انتهينا من هذا البحث الشائق – بحمد الله وتوفيقه – الذي غاص في أعماق الشريعة الإسلامية، وأبحر بنا حول مقاصدها وغاياتها ومراميها، نستطيع أن نقرر النتائج التالية:
1 – مقاصد الشريعة ذات جذور عميقة بدأت مع نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، بل في كل الشرائع السابقة.
2 – أنها بدأت تتطور عبر التاريخ حتى وصلت الآن إلى درجة أن تكون علمًا مستقلًّا، وهذا يدل على عبقرية المسلمين وتجديدهم الفكري، ويدل كذلك على صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان.
3 – أهمية معرفة مقاصد الشريعة، خاصة في العملية الاجتهادية، والتي جعلها الإمام الشاطبي الشرط الثاني للمجتهد.
4 – أنواع المقاصد متنوعة ومتداخلة ومترابطة، وهي تدور كلها حول إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والأمة الإسلامية، بل العالم كله.
5 – مقاصد الشريعة مهمة في معرفة الإنسان المسلم لها؛ حيث تجعله يؤدي العبادات بإتقان، فتكون له كالحافز.
وبناءً عليه نوصي بـ:
1 – تطوير طرق استنباط مقاصد الشريعة الإسلامية.
2 – ضرورة تفعيل مقاصد الشريعة الإسلامية، خاصة في مجال الاجتهاد.
3 – ضرورة إنشاء مراكز أبحاث ودراسات خاصة بمقاصد الشريعة الإسلامية.
4 – ضرورة تدريس مقاصد الشريعة الإسلامية على طلبة العلوم الشرعية بتوسع.
5 – ضرورة إنشاء قسم خاص بالدراسات العليا للمقاصد الشرعية على غرار دول المغرب العربي.
وأخيرًا، نسأل الله عز وجل التوفيق والقبول، وأن يصحح مقاصدنا، ويجعلها خالصة لوجهة الكريم، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه.
———————————————-
[1] نظرية المقاصد عند الجويني (347).
[2] مقاصد الشريعة الإسلامية دراسات في قضايا المنهج والتطبيق (389).
[3] المصدر السابق (329).
[4] نحو تفصيل مقاصد الشريعة (172).
[5] نحو تفصيل مقاصد الشريعة (136: 162).
المصدر: شبكة الألوكة.