بقلم محمد بن شاكر الشريف
المقاصد جمع مفرده مقصد ونريد من معاني المقصد المتعلقة بموضوعنا الغاية أو الغرض الذي يراد أو يطلب حصوله والذي شرعت من أجله أحكام السياسة الشرعية.
والسياسة الشرعية تدبير الأمور المذكورة في النصوص تبعًا لأحكام الشريعة أو بما لا يعارضها إذا لم تكن مذكورة.
ويراد بها اصطلاحًا معنيان أحدهما عام ويمثله قول أبي الوفاء ابن عقيل حيث قال في الفنون: «جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم، ولا يخلو من القول به إمام».
ثم قال: السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نزل به وحي»[1]. وقول النسفي: «والسياسة حياطة الرعية بما يصلحها لطفًا وعنفًا»[2]، وقول سليمان بن عمر الأزهري المعروف بالجمل: «والسياسة إصلاح أمور الرعية وتدبير أمورهم»[3]، وما شابه تلك الأقوال، فالسياسة هنا متعلقها عام لا يتخصص في مجال معين من مجالاتها.
وثانيهما معنى خاص محدد وهو ما تخصص في مجال معين من مجالاتها.
وهو الخلافة أو نظام الحكم ويمثله قول الشيخ عبدالوهاب خلاف حيث قال: «هي تدبير الشؤون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار مما لا يتعدى حدود الشريعة أو أصولها الكلية وإن لم يتفق وأقوال الأئمة المجتهدين»[4]، وقريب منه قول الشيخ عبدالرحمن تاج: «هي الأحكام التي تنظم بها مرافق الدولة، وتدبر بها شؤون الأمة مع مراعاة أن تكون متفقة مع روح الشريعة، نازلة على أصولها الكلية، محققة أغراضها الاجتماعية، ولو لم يدل عليها شيء من النصوص التفصيلية الجزئية الواردة في الكتاب والسنة».
وبعض التعريفات المقدمة من العلماء لهذا المعنى الخاص يظهر فيها بعض المقاصد وبعضها يعطي تعريفًا يعتني بتفاصيل التعريف بينما لا يظهر منه بوضوح المقاصد ومن التعريفات التي يظهر فيها مقاصد السياسة الشرعية ما تقدم ذكره من كلام الشيخ عبدالوهاب خلاف حيث قال: «بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار»؛ فبين أن من مقاصدها تحقيق المصالح ودفع المفاسد، وقال النووي: «والأولى أن يقال هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه على كل كافة الأمة»[5]، فبين أن من مقاصدها: «إقامة الدين وحفظ حوزة الملة» وما ذكره الماوردي حيث قال: «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا»[6]، فبين أن من المقاصد حراسة الدين وسياسة الدنيا. وقريب منه ما ذكره ابن خلدون في تعريفها حيث يقول: «والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به»[7]، وما ذكره الجويني في تعريف الإمامة حيث قال: «الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا. مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين»[8]، فذكر أولًا تعريفها: «الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا» ثم ثنى بذكر مهمتها التي يتبين منها مقاصدها: «مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين» ومن التعريفات التي لم تعتنِ ببيان المقاصد في التعريف ما ذكره أبو زيد القيرواني حيث قال هي: «رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم»[9] وما ذكره محمد بن عمر بن مبارك الحميري الحضرمي الشافعي، الشهير بـ«بَحْرَق»: «وحدّ الإمامة أنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص بشروط»[10]، فلم يشيرا إلى شيء من مقاصدها وما ذكره أحمد بن يحيى المرتضى حيث قال: «والإمامة رياسة عامة لشخص مخصوص بحكم الشرع ليس فوقها يد»[11]، وهو من فقهاء الشيعة الزيدية وبذلك يظهر أن الغالب على الفقه السني ذكر مقاصد السياسة الشرعية في التعريف.
ونظرًا لأن غالب أحكام السياسة الشرعية بمعناها الخاص يتعلق بالمجموع أو بالأمة وليس بالأفراد فتكون مقاصدها مقاصد كلية لا جزئية، وهذه المقاصد منها الضروري والحاجي والتحسيني وتثبت من طريقين إما طريق قطعي وإما طريق ظني فتكون مقاصد كلية (ضرورية أو حاجية أو تحسينية) قطعية أو ظنية.
والمقصد الأعم من السياسة الشرعية المحافظة على المصالح القائمة وتكميلها وإزالة المفاسد الموجودة بالكلية أو تقليلها، وتحصيل ما يمكن تحصيله من المصالح المرجوة وتكثيرها ودفع ما يمكن دفعه من المفاسد المتوقعة، وذلك في مسائل الدين والدنيا جميعًا.
فمن أحكام السياسة الشرعية وجوب نصب إمام وقد أوضح الجويني المقصد من نصبه، فقال: «والغرض الأعظم من الإمامة جمع شتات الرأي، واستتباع رجل أصناف الخلق على تفاوت إرادتهم، واختلاف أخلاقهم ومآربهم وحالاتهم، فإن معظم الخبال والاختلال يتطرق إلى الأحوال من اضطراب الآراء، فإذا لم يكن الناس مجموعين على رأي واحد، لم ينتظم تدبير، ولم يستتب من إيالة الملك قليل ولا كثير، ولاصطلمت الحوزة، واستؤصلت البيضة»[12]، ثم بين جانبًا آخر من المقصود فقال: «فإن مقصود الإمامة القيام بالمهمات والنهوض بحفظ الحوزة، وضم النشر، وحفظ البلاد الدانية والنائية بالعين الكالئة»[13] وقد تقدم قوله الذي نقلته في تعريفه للإمامة: «مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين»[14]، وإذا كان هذا هو المقصود فلا بد أن تراعى في الإمام الصفات والشروط التي تعين على تحقيق المقصود؛ ومن ثم فإن الشروط والصفات التي لها ارتباط مباشر بتحقيق المقصود تقدم على الصفات والشروط التي تأتي في المرحلة التالية لتحقيق المقصود، وذلك عند التعارض وعدم إمكان الجمع بين الأمرين، فيقدم العالم غير القرشي على القرشي الجاهل أو غير العالم ويقدم الجريء المقدام الذي لا يهاب الخطوب غير الورع على الورع الضعيف الجبان المتردد، ويقدم ذو الكفاية والاستقلال غير المجتهد على العالم المجتهد الذي لا كفاية عنده ولا استقلال، وقد تحدث الجويني عن الصفات والشروط التي ينبغي توفرها في الإمام ثم جعل يوازن بينها على أساس تحقيق المقاصد عند تعذر وجودها مجتمعة فقال: «ومن تأمل ما ذكرناه فهم منه أن الصفات المشروطة في الإمام على ما تقدم وصفها، وإن كانت مرعية فالغرض الأظهر منها: الكفاية، والاستقلال بالأمر.
فهذه الخصلة هي الأصل ولكنها لا تنفع ولا تنجح مع الانهماك في الفسق، والانسلال عن ربقة التقوى، وقد تصير مجلبة للفساد إذا اتصل بها استعداد.
ثم العلم يلي الكفاية والتقوى، فإنه العدة الكبرى، والعروة الوثقى، وبه يستقل الإمام بإمضاء أحكام الإسلام.
فأما النسب وإن كان معتبرًا عند الإمكان، فليس له غناء معقول، ولكن الإجماع المقدم ذكره هو المعتمد المستند في اعتباره.
والآن تتهذب أغراض الباب بمسائل نفرضها مستعينين بالله تعالى.
فإن قيل: ما قولكم في قرشي ليس بذي دراية، ولا بذي كفاية إذا عاصره عالم كافٍ تقي، فمن أولى بالأمر منهما؟ قلنا: لا نقدم إلا الكافي التقي العالم، ومن لا كفاية فيه، فلا احتفال به، ولا اعتداد بمكانه أصلًا.
فإن قيل: إذا اجتمع في عصر ودهر قرشي عالم، ليس بذي كفاية واستقلال، وكافٍ شهم مستقل بالأمر، فمن نقدم منهما؟
قلنا: إن لم يكن القرشي ذا خرق وحمق، وكان لا يؤتى عن عته وخبل، وكان بحيث لو نبه لمراشد الأمور لفهمها وأحاط بها، وعلمها، ثم انتهض لها – فهو أولى بالإمامة.
وسبيله إذا وليها ألا يقدم على خطب انفرادًا منه برأيه واستبدادًا، ويستضيء برأي الحكماء والعقلاء، ثم إذا عزم توكل… وإن كان فدم القريحة، مستميت الخاطر، لا يطلع على وجه الرأي، فإن أمضى أمرًا وأبرم حكمًا، كان مقلدًا، وقد ظهرت بلادته وخرقه، واستمرت جساوته وحمقه فمثله لا يحسب في الحساب، ولا يربط به سبب من الأسباب والكافي الورع أولى بالأمر منه.
فالاستقلال بالنجدة والشهامة من غير اجتهاد، أولى بالاعتبار والاختيار من العلم من غير نجدة وكفاية، وكأن المقصود الأوضح الكفاية، وما عداها في حكم الاستكمال والتتمة لها.
وإذا عدمنا كافيًا، فقد فقدنا من يؤثر نصبه واليًا ويتحقق عند ذلك شغور الزمان عن الولاة»[15]، وهكذا بدأ الجويني في الموازنة بين الصفات بناء على ما يحقق المقصود ورجح منها ما كان تحقيقه للمقصود أتم، وقال ابن تيمية مبينًا مقصود الولايات كلها: «جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا»[16]، وقال: «وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى، مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة»[17]، وقال: «المقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا؛ وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم»[18].
يتبين من كل ما تقدم أن مقصود السياسة الشرعية نوعان: مقاصد دينية ومقاصد دنيوية:
فأما الدينية فتتمثل في إقامة الدين وما يترتب على ذلك من أمور.
وأما الدنيوية فتتمثل في انتظام أحوال الأمة وجلب المصالح ودفع المفاسد كالاستقرار وحفظ الأمن وتوفير الحاجات الاقتصادية التي يحتاجها المسلمون كما بين الله نعمته على الناس فقال: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: ٤].
ويعد الجويني في كتابه «غياث الأمم في التياث الظلم» فارس حلبة ربط أحكام السياسة الشرعية بمقاصدها؛ فهو أول وأشهر من فعل ذلك، ومعرفة مقاصد السياسة الشرعية تعين على الاجتهاد فيها.
ويندرج تحت مقصد إقامة الدين الكثير من أحكام السياسة الشرعية كالاجتهاد الشديد في نشر الدعوة وهي دعوتان: «إحداهما: الدعوة المقرونة بالأدلة والبراهين، والمقصد منها إزالة الشبهات، وإيضاح البينات، والدعاء إلى الحق بأوضح الدلالات.
والأخرى: الدعوة القهرية المؤيدة بالسيف المسلول على المارقين الذين أبوا واستكبروا بعد وضوح الحق المبين.
فأما البراهين، فقد ظهرت ولاحت ومهدت، والكفار بعد شيوعها في رتب المعاندين، فيجب وضع السيف فيهم، حتى لا يبقى عليها إلا مسلم أو مسالم»[19]، «فيجب إدامة الدعوة القهرية فيهم على حسب الإمكان، ولا يتخصص ذلك بأمد معلوم في الزمان، فإن اتفق جهاد في جهة، ثم صادف الإمام من أهل تلك الناحية غرة، واستمكن من فرصة، وتيسر إنهاض عسكر إليهم، تعين على الإمام أن يفعل ذلك.
ولو استشعر من رجال المسلمين ضعفًا، ورأى أن يهادن الكفار عشر سنين، ساغ ذلك، فالمتبع في ذلك الإمكان لا الزمان»[20]، وهو مما يبين ارتباط فرض الجهاد بتحقيق مقاصد السياسة الشرعية كما يبين ارتباط الهدنة بتحقيق المقاصد.
ومن مراعاة مقصد استصلاح الأمة جواز تقديم المفضول على الفاضل في الإمامة يقول الجويني: «لا خلاف أنه إذا عسر عقد الإمامة للفاضل، واقتضت مصلحة المسلمين تقديم المفضول، وذلك لصغو الناس، وميل أولي البأس والنجدة إليه، ولو فرض تقديم الفاضل لاشرأبت الفتن، وثارت المحن، ولم نجد عددًا، وتفرقت الأجناد بددًا، فإذا كانت الحاجة في مقتضى الإيالة تقتضي تقديم المفضول، قدم لا محالة؛ إذ الغرض من نصب الإمام استصلاح الأمة، فإذا كان في تقديم الفاضل اختباطها وفسادها، وفي تقديم المفضول ارتباطها وسدادها، تعين إيثار ما فيه صلاح الخليقة باتفاق أهل الحقيقة»[21]، ولتحقيق المقصود نفسه يجوز عقد الإمامة لمن ضعفت تقواه وذلك عند الحاجة إليه وكان نصبه محققًا لمقصود الإمامة قال الجويني: «فإن لم نجد كافيًا ورعًا متقيًا، ووجدنا ذا كفاية يميل إلى المجون، وفنون الفسق، فإن كان في انهماكه وانتهاكه الحرمات، واجترائه على المنكرات بحيث لا يؤمن غائلته وعلانيته، فلا سبيل إلى نصبه، فإنه لو استظهر بالعتاد، وتقوى بالاستعداد، لزاد ضيره على خيره، ولصارت الأهب والعدد العتيدة للدفاع عن بيضة الإسلام ذرائع للفساد، ووصائل إلى الحيد من مسالك الرشاد، وهذا نقيض الغرض المقصود بنصب الأئمة، ولو فرض إلمام مهم يتعين مبادرته في حكم الدين، قبل أن يطأ الكفار طرفًا من بلاد الإسلام، ولم نجد بدًا من جر عسكر، وصادفنا فاسقًا نقلده الإمارة، وعسر انجرار العسكر دون مرموق مطاع، ولم نتمكن من تقي دين، وإن بذلنا كنه المستطاع، فقد نضطر إذا استفزتنا داهية تتعين المسارعة إلى دفعها إلى تقليد الفاسق جر العسكر ولو فرض فاسق بشرب الخمر أو غيره من الموبقات، وكنا نراه حريصًا، مع ما يخامره من الزلات، وضروب المخالفات، على الذب عن حوزة الإسلام، مشمرًا في الدين، لانتصاب أسباب الصلاح العام العائد إلى الإسلام، وكان ذا كفاية، ولم نجد غيره، فالظاهر عندي نصبه مع القيام بتقويم أوده على أقصى الإمكان.
فإن تعطيل الممالك عن راعٍ يرعاها، ووالٍ يتولاها، عظيم الأثر والموقع في انحلال الأمور، وتعطيل الثغور، فإن كنا نتوسم ممن ننصبه الانتداب والانتصاب للإمرة لما فيه من الكفاية والشهامة، وكان مستقلًا بنفض الممالك والمسالك عن ذوي العرامة، فنصبه أقرب إلى استصلاح الخلق من تركهم مهملين، ولا يعدل ما نتوقعه من الشر من فساده، وما ضري به من شرته ما يعن من خبال الخلق، إذا عدموا بطاشًا يسوسهم، ويمنع الثوار الناجمين منهم: فإذا نصب من وصفناه في الصورة التي ذكرناها في حكم الضرورة»[22]، ويشهد لما ذكره إمام الحرمين قوله صلى الله عليه وسلم: «وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»[23].
ومما يتعلق بتحقيق مقاصد السياسة الشرعية بيان حكم الثورة على الحاكم الفاسد الذي لا يحقق ما نصب لأجله قال الجويني: «ومما يتصل بإتمام الغرض في ذلك أن المتصدي للإمامة إذا عظمت جنايته، وكثرت عاديته، وفشا احتكامه واهتضامه، وبدت فضحاته، وتتابعت عثراته، وخيف بسببه ضياع البيضة، وتبدد دعائم الإسلام، ولم نجد من ننصبه للإمامة حتى ينتهض لدفعه حسب ما يدفع البغاة، فلا نطلق للآحاد في أطراف البلاد أن يثوروا؛ فإنهم لو فعلوا ذلك لاصطلموا وأبيروا، وكان ذلك سببًا في ازدياد المحن، وإثارة الفتن، ولكن إن اتفق رجل مطاع ذو أتباع وأشياع، ويقوم محتسبًا، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وانتصب بكفاية المسلمين ما دفعوا إليه، فليمضِ في ذلك قدمًا. والله نصيره على الشرط المقدم في رعاية المصالح، والنظر في المناجح، وموازنة ما يدفع، ويرتفع بما يتوقع»[24].
ومن الأدوات التي تحقق مقصود السياسة الشرعية إيجاد جهاز شرطة قوي قادر على تحقيق الاستقرار وحفظ الأمن في ضوء التزامه بأحكام الشريعة وتزويده بكل ما يحتاج من إمكانات لتعينه على القيام بمهامه على أحسن الوجوه.
ومن التصرفات التي تحقق مقصود السياسة الشرعية الترتيبات الاقتصادية التي تحافظ على الموجود من ثروة الأمة وتنميها وتمنع من الإسراف في النفقات وتبديدها، مع التمسك بالأحكام الشرعية في هذا المجال والتي يكون من ثمرتها البركة والنماء.
وهذه كلها مسائل اجتهادية مستندها تحقيق المقاصد، وهذه المسائل وإن أكثرنا فيها من النقل عن الجويني لكنه لم ينفرد بها بل هو موافق فيها لأقوال أهل العلم وبقيت مسائل كثيرة من أحكام السياسة الشرعية يتبين فيها ارتباطها بالمقاصد نتخفف في المقال بترك ذكرها وليكن ما ذكرناه بمثابة التنبيه والإرشاد لما تركناه.
——————————————-
:: مجلة البيان العدد 333 جمادى الأولى 1436هـ، فبراير – مارس 2015م.
[1] الطرق الحكمية، لابن قيم الجوزية (ص 12).
[2] طلبة الطلبة، لعمر بن محمد أبو حفص نجم الدين النسفي (ص 167).
[3] فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل (3/26).
[4] السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية، لعبدالوهاب خلاف (ص20).
[5] أسنى المطالب في شرح روض الطالب (4/108).
[6] الأحكام السلطانية للماوردي (ص 15).
[7] تاريخ ابن خلدون (1/239).
[8] غياث الأمم في التياث الظلم للجويني (ص 22).
[9] الفواكه الدواني (1/106).
[10] حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار.
[11] البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار (16/85).
[12] غياث الأمم (ص89).
[13] غياث الأمم (ص99).
[14] غياث الأمم (ص22).
[15] غياث الأمم (ص 313-315).
[16] الحسبة (ص 6).
[17] الحسبة (ص 11).
[18] مجموع الفتاوى (28/262).
[19] غياث الأمم (207).
[20] غياث الأمم (ص208).
[21] غياث الأمم (ص167).
[22] غياث الأمم (ص311-312).
[23] أخرجه البخاري رقم (3062)، ومسلم رقم (178).
[24] غياث الأمم (ص115-116).