مقابلة د. عبد الله معروف حول دور العلماء في صناعة النصر
أجري الحوار بواسطة هيئة علماء فلسطين في الخارج
أستاذ التاريخ الإسلامي المساعد في جامعة (29 مايو) في إسطنبول، يحمل درجة الدكتوراه في دراسات بيت المقدس من جامعة أبردين في المملكة المتحدة.
اهتماماته البحثية تتمحور حول تاريخ بلاد الشام والأرض المقدسة بين القرن السابع والقرن الحادي عشر الميلاديين، إضافةً إلى تطور علاقة المجتمعات المسلمة واليهودية والمسيحية منذ القرن السابع الميلادي حتى العصر الحديث، والتاريخ المعاصر لمنطقة الشرق الأوسط – خاصة بيت المقدس – وعلاقات الحضارات الإنسانية فيها.
1- نرجو أن نسمع منكم كلمة حول ما يجري هذه الأيام؟
ما يجري اليوم في مدينة القدس في غاية الخطورة، فالمدينة المقدسة أصبحت في عين العاصفة الصهيونية، خاصة أن الجماعات المتطرفة جعلت أكبر اهتمامها في هذه الفترة إيجاد موطئ قدم لليهود في المسجد الأقصى المبارك، بحيث يتم تخصيص جزء من المسجد للمقتحمين اليهود، وكذلك تشهد المدينة المقدسة اليوم خطراً شديداً يتمثل في غيابها عن الأجندة الإسلامية الرسمية، بل وبتنا نجد تواطؤاً من بعض الجهات الرسمية العربية بشكل واضح ضد القدس! وأصواتاً نشازاً تنادي بالتنازل عن القدس واعتبارِها عبئاً بدلاً من أن تكون دافعاً للتغيير والعمل لأجل وحدة هذه الأمة كما كانت القدس دائماً. فمقارنةٌ بسيطةٌ بين احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009، والقدس عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2019، تبين لنا خللاً كبيراً في الاهتمام بالقدس على الصعيد الرسمي العربي والإسلامي.
2- العلماء هم ورثة الأنبياء ومنارات هداية للأمة… من هم العلماء الذين يستحقون هذه الأوصاف؟
إن العالِم الذي يستحق أن يكون وارثاً للأنبياء هو العالِم الذي يتبع طريق الأنبياء الكرام في رفض الظلم وطلب العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هؤلاء هم الذين يستحقون هذه الأوصاف، وهذا الطريق محفوف بالمخاطر والصعوبات والابتلاءات، ولذلك فالعلماء الذين يصبرون على هذا الطريق الصعب يستحقون بالتالي أن يكونوا ورثةً للأنبياء ومنارات هدايةٍ وفضلٍ للأمة.
3- تتردد على الألسنة عبارة: “علماء السلاطين” هل لهؤلاء العلماء وجود اليوم؟ وهل لهم أثر على القضية الفلسطينية؟
يؤسفني أن أقول إن هذه العبارة تنطبق على عدد لا بأس به من الموصوفين بالعلم في زماننا، والأحداث الأخيرة التي تمر بها الأمة منذ ثماني سنوات كشفت لنا كثيراً من الأقنعة التي كانت تتمترس خلف ستار الدين والعلم، لتفضح وجوهاً لم تتوانَ لحظةً في إراقة مائها في سبيل رضا الأنظمة العربية الظالمة. فعندما يتملق “عالِمٌ” للحاكم بفتاوىً باطلةٍ مفصَّلةٍ على قياس النظام تماماً، فإن هذا العالِم لا يمكن أن يكون وريثاً للأنبياء أو أن يستحق الاحترام والتوقير، لأنه يخرج بهذا الفعل من كونه عالماً إلى كونه مجرد متملِّق منافق، ولم يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء إلا لأن أثرهم أخطر من غيرهم، فزلة العالم تزل بها الأمة، ونفاق العالم يثبط الناس عن دين الله ويبعدهم عنه. وأثر أمثال هؤلاء على القضية الفلسطينية ليس بسيطاً، ذلك أنهم يَفُتُّون في عَضُد الناس على الدوام، والمصيبة أنهم يخلطون على الناس دينهم باستعمال آيات الله عز وجل في غير ما نزلت له، وهنا مكمن الخطر. ونحمد الله عز وجل على أن أنعم علينا بهذه الأيام التي انكشفت فيها أقنعة كثير من هؤلاء وعرفهم الناس على حقيقتهم.
4- قاد صلاح الدين الأيوبي جيوشه لتحرير مدينة القدس، فهل كان للعلماء أثر أو دور في صناعة ذلك النصر؟
مما أُثِرَ عن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي قوله: (لا تظنوا أني فتحت البلاد بأسيافكم، إنما فتحتها بقلم القاضي الفاضل)، فالعلماء الذين كان القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني يمثلهم في هذا القول كان لهم في ذلك الوقت أكبر الأثر في توجيه الناس توجيهاً دينياً صحيحاً نحو مقاومة الاحتلال الفرنجي، وكان لهم أثر كبير في ضبط البوصلة الشعبية والرسمية كذلك نحو الاتجاه الصواب، بما أدى لاحقاً إلى تحرير البلاد من الاحتلال. وهذا ما يبينه اهتمام الدولة الزنكية ومن ثم الدولة الأيوبية بالمدارس والتعليم والعلماء. فالعلماء كانوا دائماً الوقود الذي يشعل الحماسة الشعبية الموجهة توجيهاً علمياً صحيحاً سليماً، وما بني على أساس سليم كانت نتائجه سليمةً مؤثرة.
5- ما رسالة المسجد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ وبماذا تنصحون الأئمة والخطباء والدعاة إلى الله لتفعيل دور المسجد؟
على مر التاريخ الإسلامي كان المسجد هو المعقل الأساسي لحركة الأمة، فعندما أسس النبي صلى الله عليه وسلم مسجده الشريف في المدينة المنورة كان المسجد جامعةً ومجمعاً اجتماعياً وعلمياً وشعبياً وقيادياً، هذه الرسالة هي الأساس بالنسبة للمسجد، وما نشهده اليوم من محاولات بعض الأنظمة الرسمية تحويل المسجد إلى مجرد مكان لأداء بضعة شعائر تعبدية هو في الحقيقة خروجٌ على رسالة المسجد الحقيقية وتشويهٌ لها.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فإن المساجد هي التي أطلقت الحراك الشعبي دائماً في فلسطين، فمنذ الاحتلال البريطاني كانت الثورة الفلسطينية الأولى منطلقةً من المسجد (وهي انتفاضة موسم النبي موسى عام 1921م) وكانت انتفاضة البراق عام 1929م منطلقةً من المسجد، وكانت انتفاضة المساجد عام 1985 المقدمة التي كان لا بد منها لانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م، وكانت انطلاقة انتفاضة الأقصى كذلك عام 2000م من المسجد، بل من خيرة المساجد في فلسطين: المسجد الأقصى المبارك. لذلك فإن المساجد كانت على الدوام غصةً في حلق أي احتلال مر على هذه البلاد، ولا بد للعلماء أن يعودوا بالمسجد إلى دوره الريادي.
وفي هذا الصدد، فإنني أتوجه إلى الأئمة والخطباء والدعاة أن يجعلوا المساجد منطلقاً لعملهم ويعيدوا للمسجد صورته الحقيقية لدى الجماهير، فنحن نحتاج إلى خطبة الجمعة الهادفة التي تمس حياة الناس، ونحتاج إلى الإمام الذي يتناول حياة الناس في كل وقت ويجمع الناس في المسجد ويحببهم فيه، ونحتاج إلى الداعية الذي يصحح تلك الصورة الممجوجة المغلوطة عن دور المسجد في حياة الناس.
6- نترك الكلمة الأخيرة لكم:
المسجد الأقصى المبارك مسؤولية الأمة كلها، وعلى كل امرئٍ منا أن يكون أقصى يمشي على الأرض، وذلك بأن تكون القدس أمام عينه في كل قرار يتخذه وفي كل عمل يقوم به، فإذا جعل كل منا المسجد الأقصى المبارك أمامه في كل وقت وكل يوم، فإن المسجد الأقصى سيصبح ثقافةً مجتمعية أصيلةً لدى مجتمعاتنا المسلمة، وعند ذلك فقط نستحق أن ندخل المسجد الأقصى المبارك فاتحين محررين، وقيادةُ الناس نحو هذا التصور وهذه الثقافة هي مسؤولية العلماء والدعاة.
بارك الله فيكم، وكل الشكر لكم على إتاحة الفرصة للقائكم
(المصدر: هيئة علماء فلسطين في الخارج)