مقالاتمقالات المنتدى

مفهوم الجهاد العالمي بين المناصرة والمهاجرة .. عزام وبن لادن

مفهوم الجهاد العالمي بين المناصرة والمهاجرة .. عزام وبن لادن

بقلم كرم الحفيان

مقدمة

نواصل معاً استعراض الفوارق المنهجية بين طريقة عزام وطريقة بن لادن في الجهاد، ونخصص هذه المقالة لاستعراض تفاصيل القضية المشتركة الأشهر بينهما، التي جعلت الكثيرين يعتقدون تطابق النموذجين أو على الأقل تقاربهما، وهي قضية “الجهاد العالمي”.

ونلفت عناية القراء الأعزاء إلى أن هذه الورقة سيغلب عليها طابع الدراسة الوصفية التوثيقية دون الدخول في تحليلات لا يتسع المقام للاستطراد فيها.
ملامح الجهاد العالمي عند عزام

بادئ ذي بدء يتمحور البرنامج الجهادي المعولم عند عزام حول كيفية مؤازرة مشاريع المقاومات الإسلامية في المناطق الملتهبة، وذلك من خلال حشد الدعم الإنساني والإعلامي والخبراتي والعسكري (المجاهدين المتطوعين)، وصهره ضمن جميع الجماعات المجاهدة، مع السعي لتوحيد صفوفهم، والتحذير من المشاركة في صراعاتهم، فضلاً عن الاستقلال بمشروع سياسي جهادي يتجاوز الخطوط العريضة لخططهم وأهدافهم، وهو ما يمكن أن نطلق عليه “جهاد المناصرة”.

“نحن ما أنشأنا منظمة جديدة، نحن أنشأنا مكتباً لخدمات الجهاد.. مكتب الخدمات وظيفته خدمة جميع الأحزاب الجهادية في داخل أفغانستان” .

ثم تحدث بإسهاب عن أهداف المكتب الرئيسية فعدد منها:

إيصال المساعدات الإنسانية، وطبع المصاحف والكتب العلمية والتعليمية ونشرها داخل أفغانستان، واستقطاب الشباب من كافة التيارات والجماعات الإسلامية العربية وتوزيعهم بين سائر الأحزاب الأفغانية المجاهدة، كي يقوموا بعدة أدوار هامة (إضافةً

إلى قتال الشيوعيين والمحتلين الروس)، في مقدمتها: الإصلاح ومنع الاقتتال، وتقديم القدوة لإيقاف هجرة الأفغان للخارج، ناهيك عن بعض الأنشطة التعليمية .

وعندما سُئل عن الوجهة القادمة بعد تحرير أفغانستان، أجاب قائلاً: “إن شاء الله ربنا يفتح لنا باباً في الفلبين، في اليمن الجنوبي لتحريرها من الشيوعيين، في أي مكان.. لكن إن شاء الله فلسطين هي المرشحة الأولى لتكون معترك جهادنا ومحط أنظارنا” . وكان هذا بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى وظهور حركة حماس قوةً صاعدة مؤثرة في الشارع الفلسطيني.

ورغم أنه كان لا يخفي أمنيته في أن تتحول أفغانستان إلى منطلق لتحرير العالم الإسلامي بأسْره، وذلك بعد تحررها أولاً، ثم قيام دولة إسلامية تُحكم بالشريعة، الأمر الذي يحتاج لسنوات طويلة من تربية وتعليم وثقيف الشعب إسلامياً وفق رؤيته .

رغم جهره بأمنيته هذه، غير أنّه عند الحديث عن الخطوات الواقعية الإجرائية السياسية، دائماً ما كان يحيل إلى تصريحات واجتماعات وقرارات قادة الأحزاب الأفغانية المجاهدة أو من عرفوا بالقادة السبع: يونس خالص ورباني وسياف وحكمتيار (من قادة الحركة الإسلامية)، ومجددي وجيلاني ومحمدي (علماء من التيار المشيخي المتصوف او “الملالي”) ، وهم رؤوس الأحزاب الجهادية السبعة الأساسية في أفغانستان .

نقل عبد الله أنس صهر عزام عنه: “لا يهمنا من يحكم أفغانستان من بين القادة السبعة (حكمتيار، رباني، مجددي، محمد نبي، سياف…)، نحن لا يحق لنا أن نتدخل في شؤونهم، أي واحد منهم يُتفق عليه أو تحصل له البيعة فذلك الذي نعترف به… فإذا

دخلوا كابول واقتتل المجاهدون فيما بينهم فلا يجوز أن نقف مع واحد منهم ضد الآخر” .

ومع ميله الفكري والعملي إلى أربعةٍ منهم (الحركيين) وهم الأكبر حجماً و تأثيراً (85% من الجبهات) وعدم موافقته على بعض المواقف السياسية المفصلية للثلاثة الأخرين بيد أنه لم ينحز ويجيّش لطرف في مقابل الآخر، وبقي منهجه الإصلاح عند الخلاف، والفرح والتأييد عند الوفاق.

ونسوق هنا موقفين آخرين لعزام يؤكدان ما سبق:

الأول: مع هزيمة السوفييت وقرب رحيلهم بداية عام 1988م، والبدء بالكلام عن البديل السياسي للحكومة الشيوعية الموالية للمحتلين السوفييت، طُرح الحل الأمريكي المتمثل بعودة ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه على رأس الحكم كمرحلة انتقالية في طريق الخلاص من الشيوعية. رفضت الأحزاب الأربعة الحركية، ووافقت الثلاثة المشيخية. أيد عزام وجهة نظر الرافضين دون معاداة الموافقين .

الثاني: بعد رفض الخيار الأول بسنة تقريباً، عُقدت اجتماعات ماراثونية داخلياً وخارجياً، أسفرت في النهاية عن تشكيلة حكومية جامعة بين الأحزاب السبعة. فرح عزام بهذه التوليفة، واعتبرها من التدبير الإلهي كونها توزّعت بين القادة المقبولين خارجياً والموثوقين عنده، ولأنها شهدت تنوعاً عرقياً (بشتون وطاجيك) وفكرياً (حركيين وعلماء) ومناطقياً (شمال وجنوب).

ففي الرئاسة: صبغة الله مجددي (تصنيفه معتدل غربياً) وهو طاجيكي من علماء الشمال وقائد أحد الأحزاب المشيخية، وفي رئاسة الوزراء: سياف وهو بشتوني من الحركة الإسلامية في الجنوب، وهو قائد أحد الأحزاب الحركية… وهكذا دواليك .

وقد سار على نفس الخط إلى حدٍ كبير، قادة المجاهدين العرب في حرب البوسنة مطلع تسعينيات القرن الماضي تحت قيادة الرئيس بيجوفيتش، إضافةً إلى تجربة خطاب ومن معه في الشيشان تحت قيادة الرؤساء المجاهدين الثلاثة: دوداييف ومسخادوف وياندرباييف نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية أول عشرية في القرن الحالي.

ملامح الجهاد العالمي عند بن لادن

على الطرف المقابل، أسس بن لادن طريقته الخاصة للجهاد العالمي تحت راية القاعدة، والتي يمكن أن نطلق عليها: “جهاد المهاجرة”، وتفترق هذه الطبعة عن “جهاد المناصرة” بمسألتين مهمتين:

الأولى: الاستقلال عن مجاهدي البلد المضيف بمشروع سياسي جهادي، ونأخذ على هذا مثالين، أحدهما في أفغانستان، والآخر في العراق. فبعد تبلور فكر وإستراتيجية القاعدة عام 1998م، وإعلانها حرباً مفتوحة على أمريكا في كل مكان، أجمع المجاهدون الأفغان على رفض هذه الخطوة، وفي مقدمتهم حركة طالبان وقائدها الملا محمد عمر، الذي بايعه بن لادن بيعة كبرى أميراً للمؤمنين في أفغانستان، وقد أمره مراراً بعدم تنفيذ عمليات عسكرية ضد الأمريكان، إلا أن بن لادن لم يمتثل، واستهدف بعدها سفارتين أمريكيتين في أفريقيا عام 1998م، ومدمرة بحرية في اليمن عام 2000م، ثم جاءت عمليات الحادي عشر من سبتمبر داخل أمريكا.

وقد ذكر أبو حفص الموريتاني (مفتي القاعدة وقتها) من ضمن أسباب خلافه مع بن لادن: “مخالفته المستمرة لأوامر الملا عمر زعيم حركة طالبان فيما يتعلق بالعمليات ضد الأمريكان” ، وعلل إنكاره عليه بقوله: “إننا في ضيافة إمارة طالبان وقد أكدوا علينا مراراً في هذه المسألة وقالوا لنا لا تقدموا على أي عمل من هذا القبيل، وضعنا لا يتحمل ردة فعل على عمل كهذا، وللأسف القاعدة تجاهلت كل هذه الأمور وضربت بها عرض الحائط” .

والمثال الآخر من العراق، عندما أقدم فرع القاعدة هناك على إعلان سلطة سياسية عليا “دولة العراق الإسلامية” دون اتفاق مع مجاهدي وعلماء العراق، بل دون إنباء بن لادن نفسه بالقرار !.

رغم ذلك، أقرهم بن لادن ودافع عن المشروع بقوة، ودعا الفصائل العراقية لبيعة أبي عمر البغدادي أميراً للمؤمنين في العراق، وعدم تعطيل الوحدة بحجة أنهم لا يعرفونه ، فالرجل مزكّى من قادة القاعدة بالعراق: الزرقاوي (الأردني) وأبي حمزة المهاجر (المصري)، وهما من الثقات العدول عند بن لادن:

“فالامتناع عن مبايعة أمير من أمراء المجاهدين في العراق بعد تزكيته من الثقات العدول بعذرالجهل بسيرته يؤدي إلى مفاسد عظام، من أهمها تعطيل قيام جماعة المسلمين الكبرى تحت إمام واحد وهذا باطل” .

نستطيع هنا أن نستشعر دون كثير عناء نظرة بن لادن للدور السياسي المنوط به تجاه الساحات الجهادية، وهو ما تجسده كلمات عطية الله الليبي مفتي القاعدة للزرقاوي: “لابد أن تضع نصب عينيك أنك قائد ميداني في ناحية تحت قيادة كبيرة، هي أقوى وأكثر قدرة على القيادة العامة للأمة” .

ورغم تراجع بن لادن بعد ذلك عن مسألة إعلان الدول أو مباركتها، واقتناعه بالعجز عن الحفاظ على أي دولة إسلامية يُعلن عنها في الوقت الحالي في ظل موازين القوى العالمية ، فإنه لم يظهر أي تراجع عن فكرة الاستقلال بالمشروع السياسي الجهادي عن مجاهدي البلد المضيف، وبقي للقاعدة مشروعها الخاص.

الثانية: المشاركة في الاقتتالات الداخلية بين الفصائل المقاتلة. وقع هذا في أفغانستان عندما كانت الحرب مشتعلة بين حركة طالبان وتحالف الشمال نهاية التسعينيات، ونستطيع أن نلخص المشهد وقتها على النحو التالي:

1- رأي طالبان في تحالف الشمال “لم تكفرهم بل كانت تعتبرهم بغاة”.
2- رأي الملا عمر في أحمد شاه مسعود القائد العسكري لتحالف الشمال: “نحترم مسعود، وقد كنا مجاهدين معاً”.
3- رأي الملا ضعيف : “صحيح أن أطرافاً خارجية كانت تدعم الطرفين وتمولهما، وتغذّي الصراع الداخلي، لكن استمرار الحرب كان فعلياً بسبب الأفراد الذين انخرطوا فيها”.
4- قرار طالبان بخصوص اشتراك القاعدة في القتال: “أنتم ضيوف خليكم بعيدين عن القتال، وتحت إصرار بعض الأخوة المجاهدين سمحت لهم طالبان بالقتال إلى صفوفها ضد الشمال”.
5- موقف الموريتاني مفتي القاعدة من تحالف الشمال: “ضد قتالهم وضد تكفيرهم”.
6- موقف بن لادن من تحالف الشمال: “كان يكفر هؤلاء” .

بالانتقال إلى العراق، رفضت غالب الفصائل العسكرية العراقية والهيئات العلمية الداخلية بيعة “دولة العراق الإسلامية” لعدم توفر مقومات الدولة وأسباب أخرى، ونشب بعدها صراعٌ عنيفٌ بين جل الفصائل و”الدولة” ، وقف بن لادن بقوة مع “الدولة”، ووجه نداءً إلى الظواهري طلب منه فيه: “العمل على حشد الناس وفضح مؤامرات الخصوم عليها بشكل صريح وواضح، أي أن يكون دعمكم للدولة بشكل ظاهر للعيان لا يخفى على أحد” ، وطلب منه أيضاً إخراج بيان يغلب عليه: “صورة الصراع بين القاعدة والكفر العالمي المحلي.. مع الإشارة إلى أن التدافع بيننا وبين الجماعات هو فرع لتقاطع مصالحهم مع مصالح الحكام في مجابهة وإفشال دولة العراق الإسلامية” .

خاتمة

إذن فالجهاد العالمي المعاصر ليس طبعة واحدة، ولم يقم على ثوابت وأسس مشتركة، إنما انقسم إلى نموذجين مختلفين، ولكل منهما خصائصه التي تميزه كما مر معنا.

فدور”جهاد المناصرة” الذي دعا له وطبقه عزام وغيره هو: إمداد الجبهات المشتعلة بالرجال والمساعدات والخبرات، وتسخير هذه العناصر وفق الخطوط العامة لمجاهدي البلاد المضيفة، مع التأكيد على عدم التدخل في الخلافات البينية والسعي في الإصلاح، ومن باب أولى عدم الاستقلال بمشروع سياسي جهادي يتجاوز مجاهدي وقادة الداخل.

أما “جهاد المهاجرة” فينطلق من فرضية أن هناك تنظيماً يقود الجهاد في العالم (القاعدة في أفغانستان) ولهذا التنظيم إستراتيجية شاملة يطبقها حيثما وجد، بغض النظر عن خطط واختيارات مجاهدي كل ساحة، إضافةً إلى انخراطه بشكل كبير في الاقتتالات الداخلية ومزجها بفتاوى منفردة تحكم على الكثير من الفصائل المخالفة بالخروج من الملة.

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى