مفهومُ الشَّرْعِيَّة في التَّاريخِ الإسلامِيّ مِنْ دَوْلَةِ الخَلافةِ إِلَى الدَّوْلَة السُّلْطَانِيَّة .. رؤيةٌ أوليةٌ
إعداد د. أحمد محمود إبراهيم
الملخص
تتغيَّا هذه الدراسةُ الإسهامَ في الإجابة عن جزءٍ من ذلك السؤال المهم الذي تقدمت الإشارة إليه، ألا وهو: كيف حَكَم المسلمون أنفسهم؟ من خلال التعرض لمفهومٍ سياسي مركزي كان له حضورٌ مهيمنٌ في تجربة الحكم الإسلامي منذ نشأتها الأولى وعبر مراحل تطورها المختلفة، ولا أحسبني مبالغًا إذا زعمتُ أن انقسام المسلمين إلى فرق متنافسة وأحزابٍ لا يربط بينها إلا الشقاق والصراع- إنما كان بأثرٍ من اختلافهم حول الإجابة عن سؤال الشرعية.
وإذا كان هذا السؤال قد واجه المسلمين مبكرًا مع نشأة نظام الخلافة نفسه، فقد غدا أكثر إلحاحًا مع صور التغير الكبرى التي طرأت على هذا النظام، وهو تغيُّر بلغ ذروته بظهور “الدولة السلطانية”التي أضحت ـــــ على اختلاف أشكالها وتنوع صورها ـــــ منذ منتصف القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) هي القاعدة المطردة لنمط الحكم الإسلامي، عوضًا عن أن تكون الاستثناء العارض الذي تفرضه الضرورةُ، الأمر الذي دفع الفقهاءَ دفعًا إلى التساؤل عن حقيقة “شرعيتها”، ومن ثم تحديد طبيعة الموقف الذي يجدر بالخاضعين لها اتخاذُه تُجاهها دعمًا وتأييدًا، أو رفضًا وإنكارًا.
ولعلنا لا نجاوز الصواب إذا قلنا: إن سؤال الشرعية كان هو السؤال المركزي الذي طرحه الفقهاء المسلمون على “الدولة السُّلطانية”، بحكم اختلافها الجوهري عن “دولة الخلافة” التي تحققت صورتُها المثاليةُ ـــــ وفقًا للتقليد السُّني العام ـــــ في دولة الراشدين، وعن “دولة المُلْك” التي دشَّنها الأمويون، وتابعهم فيها العباسيون حتى بلغت أوجَ نضجها في عصرهم.