مفتي سلطنة عمان… ومصرع الإلحاد!
بقلم د. محمد العوضي
والاطمئنان على صحته، ولإهدائه مجموعة إصدارات مركز رواسخ الفكري الذي أتولى رئاسته.
لكن زيارتي صادفت انشغال الشيخ الخليلي بمجلس العزاء لأحد أقربائه، لذا كان لقائي به قصيراً، لكن ثرياً.
من عادات العمانيين في العزاء أنك تسلم على جمع الحاضرين، حيث ينتصبون قياماً ابتداءً بأهل المتوفى ثم بالزائرين، وكان المكان واسعاً والأعداد الواقفة تفوق المئة والخمسين، وما أن وصلت إلى الشيخ بالسلام حتى شدني وأوقفني بجواره، ولم يدعني أكمل السلام على البقية من الضيوف وطلب لي الماء والقهوة.
وأخبرته بالهدية وسميت له الكتب، فقال لي:
إنني أعكف على تأليف كتاب سيخرج بمجلدين بعنوان (مصرع الإلحاد)، وكان الموضوع والعنوان في غاية التحفيز لي لأن أطيل المكوث لأستفهم عن موضوعات الكتاب ومنهجية النقد، لا سيما أن الشيخ متقن لعلوم الآلة (المنطق) وإخوانه، لكن المقام لا يسمح، ففي العزاء لا تكاد تتم جملة إلا ويقطعها السلام، لكني سألته: هل تطرقت للمشكلات العصرية كالنظريات الفيزيائية ذات الصلة بالموضوع وجماعة الداروينيين الجدد، فبدأ الشيخ بداروين وقال: نعم اطلعت على أهم المراجع مثل كتب البروفيسور مايكل دنتون أستاذ علوم الوراثة والكيمياء الحيوية، (التطور نظرية في أزمة).
وصدق الشيخ فإن هذا الكتاب الذي أثر في الساحة العلمية، لا سيما أن مؤلفه «لا أدري» المعتقد أي ليس لديه تحيز للإيمان، وزاد نقده تأثيراً أنه لم ينتقد نظرية التطور من منطلقات الخلقويين، وإنما من منهجية علمية وازنة، لذا تأثر به أشهر علماء البيولوجيا المنقلبين على الداروينية والناقدين لها، ألا وهو مايكل بيهي صاحب الكتاب ذائع الصيت (الصندوق الأسود لداروين)، وبعد ثلاثين سنة من تأليف مايكل دانتون لكتابه (التطور نظرية في أزمة)، الذي أشار إليه سماحة المفتي، أصدر ذات العالم كتابا آخر بعنوان (التطور نظرية «ما تزال» في أزمة)، طور فيه نقده وأكد على قناعته.
كما أشار المفتي الشيخ أحمد الخليلي إلى من أسماهما «متعصبة الملاحدة» الفيزيائي سام هاريس والبيولوجي ريتشارد داوكينز.
وصدق الشيخ في وصفه لهما.
فصلت بعض الشيء في الحديث عن المراجع، وذكرت الأسماء لأبيّن أهمية اطلاع الرمز الشرعي والواجهة الدينية على علوم العصر، في سياق متابعته للتحولات الفكرية، آخذاً في الاعتبار آخر المفاهيم والنظريات ذات الصلة المباشرة بالعقيدة والدين عموماً.
وليس سهلاً على الإطلاق في زمن الانفجار المعرفي والتراكم العلمي أن يطلع من هو في منصب المفتي العام وعمره ومسؤولياته، على مثل هذه الأطروحات العلمية والفلسفية واستيعابها واختبارها، ومن ثم الحكم عليها.
هذا ما سرني، فالجمع بين الأصالة والمعاصرة ومعرفة الأوليات في معركة الهوية، هو المطلوب، وهذا ما يتبين من عنوان الكتاب المنتظر لفضيلة الشيخ الخليلي (مصرع الإلحاد)، الذي ينصب على الانتصار لأصل الأصول، وهو وجود الباري سبحانه وتعالى، وهو محط إجماع المسلمين بل جميع المؤلهين في زمن مشاريع واستراتجيات دعم الالحاد وتطبيع الشعوب عليه.
ودّعت الشيخ وطلب من ابنه الفاضل أفلح أن يصطحبني إلى السيارة، وطلبت منه هاتفه لأرسل ما أحسبه أو لعله ينفع في ما يخص مصرع الإلحاد.
(المصدر: صحيفة الراي الالكترونية)