بقلم : طارق فكري
تكملة لمقال الأسبوع الفائت، نُكمل سرد المفاهيم وطرح الشُبهات حول الشريعة الإسلامية، ليفهم كل مسلم أن شريعته لن تقيده، ولن ترهبه، فهي شريعة الرحمة والحب، والتقدم والرُقي، أخذ منها الغرب وطبق فنجح وفلح.
ونقدم شُبههم لنُريح قلوبهم، يقولون: بأن هناك آراء في الفقه الإسلامي كثيرة فالبعض يريد رأي الحنابلة والبعض يريد الأحناف وهناك الشافعي والمالكي.. وغيرهم.
فبما نحكم ولمن نتحاكم؟
ولتعلم أخي الحبيب أن شريعتنا الغراء تنقسم إلى:
١- المحكمات: وهي ثوابت لا تبديل فيها ولا مساس بها فهي أصل التشريع ومنبعه، ولم يختلف عليها واحد من أهل العلم، مثل وجوب الصلاة، والحج، وحكم السارق، وحكم الزاني، وحق البيعة واختيار الحاكم للشعب.. ولكن هنا يأتي المتشابه من التفصيل واختلاف العلماء في بعض أحكام الصلاة، والحج، واختلافهم حول السارق تقطع يده من أي مكان، واختلافهم حول آلية اختيار الحاكم بالاستفتاء الشعبي أم الاقتراع المباشر أم البيعة من أهل الحل والعقد فتلك تُترك لاجتهاد أهل الفن والعلم فيها.
كما يستقي اجتهاد العلماء وينبنى ويستنبط ويُقاس من المحكم ألم تقرأ قول الله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}
هن أم الكتاب فالأم هي أصل الشيء فما تشابه يقاس أو يُستنبط من الأصل .
كما أن التشريع قد احترم العقول وترك لها فُسحة للاجتهاد والتفكر، وقدَّر متطلبات الواقع واختلاف الحوادث والمشاهد، وعلى هذا بُني القانون الوضعي بين ثابت ومتغير منه ما أطلقوا عليه السلطة التقديرية للقاضي أي تكييف الحادثة بما يراه من حال المتنازعين ثم إسقاط الحكم عليها، فربما تذهب لقاضي يحكم في الحكم خلاف ما يحكم به آخر، فالقانون الوضعي به مدارس وآراء مختلفة في المسألة الواحدة لأساتذة القانون.
فلم اللوم إذا على التشريع الإسلامي؟
كما أن توحيد القوانين وفق الشريعة الإسلامية يكون وفق المؤسسات الدينية والتشريعية مثل الأزهر، والمجمعات الفقهية.. وغيرهم، وبالفعل هناك مشاريع أبحاث لتطبيق الشريعة الإسلامية لدى كثير من المجمعات الفقهية حبيسة الأدراج.
ولتعلم أخي القارئ أن اختلاف الشريعة في سياستها الشرعية وتعدد الآراء حول المسألة الواحدة فيها هي عين مقصد الشارع وبغيته ومراده لتكن فُسحة للناس وتنوع يصنع إبداعاً تنموياً يكون مداداً لتقدم الحياة وتطور الحضارات.
فالأيدلوجيات الغربية البشرية بها هذا التنوع.. يقول (مكسيم لوروا) في كتابه «إرادة الاشتراكية الفرنسية»: «لاشك أن هناك اشتراكيات متعددة فاشتراكية بابون تختلف أكبر الاختلاف عن اشتراكية برودون، واشتراكيتا سان سيمون وبرد دون تتميزان عن اشتراكية بلانكي، وهذه كلها لا تتمشى مع أفكار لويس بلان، وكاييه، ونوربيه، دبيكور، وإنك لا تجد داخل كل فرقة أو شعبة إلا خصومات عنيفة تحفل بالأسى والمرارة».. وغيرها من التوجهات والأيدلوجيات.
إضافة أخرى: الشريعة الإسلامية ليست بحائط صد أمام التقدم والرقي والإبداع والفنون من سينما ومسرح، وغيرها.
ولكن تُقَوِّم الشريعة ما يضر بالمجتمع من بث أفكار تساعد على الإلحاد والطعن في العقيدة، أو مشاهد تثير الغرائز وتُضيع الذوق العام، والعرف المحترم.. يقول فضيلة شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق في حديث نشرته جريدة الوفد في يوليو ١٩٨٨ م : أما عن السينما والمسرح وما شابهها، وهل يحرم أو يحل ارتيادها؟.. فإن هذه الدور ولا شك أدوات هامة للتوجيه والترفيه والتثقيف، وكشأن كل أداة صالحة لأن تستعمل في النفع أو في الضرر، فهي في ذاتها لا ضرر فيها، كالسكين يستعمل في النفع كما يستعمل في العدوان ……………… إذ كل ما يدعوا لإثارة الغرائز المفسدة، أو تدعو إلى عقائد باطلة وأفكار منحرفة حرام لا يحل لمسلم أن ينتجه، أو يُشارك في إنتاجه كما لا تحل مشاهدته أو تشجيعه أو الدعوة إلى شيء من ذلك.
كما أخرج الفريق المناهض لتطبيق الشريعة الفنون من دائرة الحلال والحرام.. فانطلق الكاتب الصحفي أحمد عبد المعطي حجازي في جريدة الأهرام ٢٥/٥/١٩٨٨ يُخرج الفن بعيداً عن ميزان الشريعة ليقول: وليس في الرقص حلال وحرام ثم قال: الفن ليس أمراً من أمور الدين فهو نشاط روحي له قوانينه التي تنظمه بعيداً عن الدين.
ونجح التيار الإسلامي في تقديم فن خالي من الفُجر والعربدة في صورة مسلسلات ومسرحيات وأناشيد ،قبلتها الجماهير الناقمة على فن العري والتبذل والإسفاف.
نجح أعداء الشريعة الإسلامية في تخويف المرأة المُسلمة من شريعة ربها ومنهاج نبيها وقالوا لها : سيجلدوا ظهرك لو لم ترتدي الحجاب، أو النقاب.. ونقول لها: الشريعة تعلم أن المرأة جوهرة مصونة ودُرة مكنونة أوصى بكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسوف تعالج الشريعة قضية التبرج بإقناعك أنك غالية لا يراكِ أي رجل، وسوف تقدم لكي الشريعة نماذج من المحجبات الناجحات نجمات للمجتمع في شتى المجالات.
والشريعة لم تضع حداً عقابياً على التبرج وإن كان للسلطان وضع نظم وقوانين لضبط النظام العام للدولة ،كما له أن يعتمد على الوعظ والإرشاد والتوعية لمعالجة قضية لفترة يراها كافية.
العجيب ! أن أهل الإسلام لا يريدون تطبيق شريعتهم، والغرب قد أخذ من الشريعة ونهل منها ما ينفع به دنياه ويبني به نظامه الإقتصادي والسياسي والاجتماعي.
نشرت صحيفة “ذي جورنال” دراسة مثيرة أعدها الباحث البريطاني “بول هوسفورد” حول أكثر دول العالم تطبيقاً لمبادىء الشريعة الإسلامية وتعاليم القرآن الكريم.
وأتت أيرلندا في المركز الأول والدنمارك في المركز الثاني والسويد في المركز الثالث.
وبالنسبة للدول ذات الأغلبية المسلمة, فقد احتلت “ماليزيا” المرتبة 33 عالمياً والأولى بالنسبة للدول المسلمة. أما بالنسبة للدول العربية فقد جاءت الكويت في المرتبة 48 عالمياً, والأولى عربياً, فيما جاءت الإمارات في المركز 61 عالمياً والثاني عربياً, تليها الإمارات العربية المتحدة في المركز 64 عالمياً، ثم كانت المملكة العربية السعودية في المركز ٩٣، ثم قطر ١١١، ثم السودان في ذيل الترتيب ١٩٠، المفاجأة أن دولة الكيان الصهيوني ترتيبها عالمياً ٢٧.
ذكر د.”بول هوسفورد” مُعدّ الدراسة أسباب تدني ترتيب الدول ذات الغالبية الإسلامية في هذا الترتيب، حسب وجهة نظره حيث قال: إن السبب يكمن في سوء الحكام واستعمال الدين كوسيلة للسلطة وإضفاء الشرعية على نظام الحكم، بينما تنص تعاليم القرآن على أن الازدهار الاقتصادي جيد بالنسبة للمجتمع.
وأقول إن سبب تدني ترتيب البلاد ذات الأغلبية الإسلامية يرجع لعدة سباب:
١- الحكم الاستبدادي بهذه الدول
٢- دُعاة العلمانية والتنوير
٣- تغييب الشعب وتخويفه من شريعة دينه ومنهاج نبيه.
– فهذا هو الغرب وجد ضالته في شريعتكم، ووجد سعادته في تعاليم قرآنكم، فأخذه تطبيقاً وتنفيذاً، واكتفيتم بالقرآن قر اءة وتبركاً، فهجرتم أحكامه، وأهملتم نُظمه القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
*المصدر : موقع الأمة