مقالاتمقالات مختارة

مفاهيم عظيمة لتربية مستقيمة

مفاهيم عظيمة لتربية مستقيمة

بقلم د. ليلى حمدان

ولأن تربية الأطفال التربية المستقيمة هي أساس لاستمرار الأجيال عاملة ناصبة، منع الإسلام زاوج المسلم من مشركة، ذلك أن الأم هي المدرسة الأولى والمنبع الأول للإسلام، وإن لقنت هذه الأم المفاهيم الخاطئة للطفل، فإن نهايته ستكون خسرانًا وحسرة.

دور الأم هو الأهم

ولا تكاد تذكر عبقرية في الإسلام إلا واقترنت بأم عظيمة من خلفها تعتبر أحد أسباب النجاح والتميز! وهذا للدور الراسخ الذي تؤديه هذه الأم في بناء الأجيال قبل غيرها.

وكلما استذكرت دور الأم وهمتها في تربية فلذات الأكباد، أتذكر هند بنت عتبة -رضي الله عنها- ومقولتها الشهيرة عن معاوية ابنها -رضي الله عنه-؛ وهي تحمله وليدًا بين يديها: ثكلته أمه إن لم يسد إلا قومه، وقد صدقت فقد ساد وعلا شأنه وهو يكرر، أنا ابن هند!.

وهذا الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أمه صفية بنت عبد المطلب -رضي الله عنها- صحابية مجاهدة عظيمة الشأن والعطاء. فكان أن رأيناها أنجبت حواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتميز بين الأقران!

وهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- تربى في حجر  أمه فاطمة بنت أسد، واستقام على يد أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها– من نساء العالمين، فأي تربية فاز بها، ليصبح الإمام والخليفة الراشد الذي ملأ صفحات التاريخ بمواقف العلم والحكمة والشجاعة والقوة -رضي الله عنه-.

ومن ينس بنت الصديق، ذات النطاقين، أسماء -رضي الله عنهما-، التي قالت وهي تدفع ابنها عبد الله بن الزبير في قتال الحجاج:

اذهب والله لضربة بالسيف على عز أفضل من ضربة بالسوط على ذل.

وإن أمثلة الأمهات النجيبات اللاتي أخرجن أبطالًا وأعلامًا ليعيى القلم بإحصاء أسمائهن على مر عصور الإسلام، ولكن لنعلم أن السرّ كل السر في إحرازهن هذا السبق هو إدراكهن خطورة الثغر الذي يقمن عليه، وحبهن الخالص للإسلام، ورغبتهن التي لا تباري في نصرته وسموقه.

المدرسة الأولى

وقد علم الإسلام نساء القرن الأول كيف يتمسكن بالصدق في التربية وكيف يقدمن القدوة من أنفسهن؛ لأنه أساس نجاح في مسيرة الطفل وصناعة الأجيال. فعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- قال:

أتانا رسول الله ـصلى الله عليه وسلمـ في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعالَ أُعطك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” وما أردت أن تعطيه؟” قالت: تمرًا، فقال:” أما إنك لو لم تفعلي كُتبت عليك كذبة”.

علم متكامل ومرجعية كاملة

وكم قلبت في صفحات التربية منذ صدر الإسلام الأول فلم أجد تفريطًا في أي تفصيل مهم يجب أن يدركه المربي، سواء من ناحية التربية الجسدية أو العقلية أو الخلقية. فقد كان عمر -رضي الله عنه- يقول:” علِّموا أولادكم السباحة، ومُرُوهم يثبوا على الخيل وثبًا”؛ ليعكس أهمية التربية البدنية في هذه العمر.

وفي ذات الوقت جعل الإسلام طلب العلم  فريضة لا سنة، وعلى كل مسلم ومسلمة دون أي استثناء. وأما القرآن فقد جمع من الآداب والحِكَم ما يعجز اللسان عن وصفه.

ومن الآيات التي تستحق التدبر قوله تعالى في أوقات الاستئذان التي يجب على الطفل أن يلتزم بها، قبل صلاة الفجر وعند وقت الظهر وبعد صلاة العشاء، ثلاث أوقات يجب أن يعود الأطفال على الاستئذان خلالها وهي بالفعل أهم أوقات في يوم الأزواج تحترم فيه خصوصيتهم.

دون الحديث عن حجم الأحايث والمواقف في سير النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام التي تغنينا عن كل مراجع أخرى في علم التربية.

تحذير القرآن

قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) -التحريم:6-. وقال تعالى يمدح نبيه إسماعيل عليه السلام:(وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) -مريم:55-.

وقال تعالى:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) -طـه:132-. وتكفي هذه الآيات لتعكس لنا عظمة الإسلام في مبادئ التربية التي أساسها الخشية والصبر.

فن الترغيب

كما أتقن السلف الصالح فن ترغيب الأطفال في العلم والمثابرة؛ فقد روى النضر بن شميل قال:” سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: قال لي أبي: يا بنيَّ، اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثًا وحفظته فلك درهم. فطلبت الحديث على هذا”.

وهي وسيلة ناجعة ثبت أنها تجذب اهتمام الطفل بطريقة مبشرة سواء في تحقيق درجات علمية، أو التزام الفرائض والعبادات وتعويدهم عليها، أو اتباع سلوك وأدب، أو تقويم عادات سيئة.

وفي هذا الباب روت عائشة ـرضي الله عنهاـ أنهم كانوا يأخذون الصبيان من الكُتَّاب ليقوموا بهم في رمضان، ويرغبوهم في ذلك عن طريق الأطعمة الشهية.

ملازمة أهل العلم والصلاح

وحتى نضمن حسن تلقي الطفل، علينا أن نحرص على المنطق الذي حرص عليه الأولون من قبل، حين كان الصغار يتعلمون من ملازمة الكبار بأدب جمّ. إذ يُروى أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مر على حلقة من قريش فقال:” ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا! أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم”.

وكذلك كان ابن شهاب الزهري -رحمه الله- يشجع الصغار ويقول:” لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم. وقد ثبت ذلك عنه -رضي الله عنه- لبعد بصيرته. وكان يشرك عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في مجالس الشورى وهو أصغر الصحابة سنًا -رضي الله عنهم- بل ويبدي اهتمامًا كبيرًا برأيه.

أحد الأسرار

وهنا أحد الأسرار التي أخرجت لنا جيلًا متفردًا بمعنى الكلمة، يتلقى المفاهيم النقية وتظهر آثارها العظيمة عند أول فرصة، كما نقرأ ذلك في تفاصيل قصة عمر بن سلمة حين قال:

كنا بماء ممر الناس  وكان يمر بنا الركبان فنسألهم عن النبي؟ فيقولون يزعم أن الله أرسله أوحى إليه بكذا فكنت أحفظ ذلك الكلام وكأنما يقر في صدري فلما أسلم قومه وأمرهم النبي بالصلاة قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني! لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم و أنا ابن ست أو سبع سنين! -رواه البخاري-.

ومن هنا تظهر لنا بركة الحرص على التلقي منذ الصغر. فلا نعجز في تعليم الطفل منذ أن يرى النور، لأننا سنجني ثمار هذا التعليم يومًا ما.

صلاح الدين وقصة الوقف

ولو نظرنا في سير الأبطال في تاريخ الإسلام سنجد مواقف كثيرة تدعو للابتهاج، ومن سيرة صلاح الدين الأيوبي فاتح بيت المقدس، نتعلم كيف كان الحرص من قبله في توفير سبل إنشاء جيل قوي وسليم البنية… لمن هم ذخر هذه الأمة.

فيذكر أن صلاح الدين أوقف وقفًا لإمداد الأمهات بالحليب اللازم لأطفالهن، وقد جعل في أحد أبواب قلعة دمشق ميزابًا يسيل منه الحليب، وميزابًا يسيل منه الماء المذاب بالسكر، فتأتي الأمهات يومين في كل أسبوع فيأخذن لأطفالهن ما يحتاجون إليه من الحليب والسكر. وهذا يعكس دور الوالي والراعي لهذه الأمة في تسهيل المهمة على الأمهات والآباء والمربيين أيضًا.

خطر المربيات غير المسلمات

بل حتى التحذير من خطر الخدم المربيات، وجدناه في ميراث الأولين، فقد حذر ابن مسكويه من إسناد مهمة التربية للخدم فيرثوا أخلاقهم وأفعالهم، ولو شهد ابن مسكويه عصرنا الحالي لهاله الأمر، ومربيات غير مسلمات يتولين تربية أبناء المسلمين في حين الأمهات مشغولات باللهث خلف ملذات الدنيا وهمومها.

وكم من قصص لطفل سجد للنار عند خادمة مجوسية، أو صغير يكرر تراتيل النصارى عند مربية فلبينية. ثم تتفاجأ الأم بطفل منحرف لا يعرف عقيدته وتتساءل بما قصرت!

العناية والمحبة

كل شيء نجده في تراث أمتنا، في أسس التربية السليمة، ولم أر أروع من مواقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المحبة والحرص على سلامة الصغار، وهذا موقف رواه الحاكم من حديث فاطمة -رضي الله عنها-  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتاها يومًا فقال:

أين أبنائي؟ فقالت: ذهب بهما علي. فتوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدهما يلعبان في مشربة وبين أيديهما فضل من تمر. فقال: أيا علي، ألا تقلب ابنيَّ قبل الحر؟ خشية أن تصيبهم حرارة الشمس بأذى.

وهو الذي كان يحرص على تعويذ الأطفال وحفظهم من أذى الإنس والجن، روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:” وأكفتوا صبيانكم عند العشاء؛ فإن للجن انتشارًا”.

الرفق زينة وأسلوب تربية

وسأختم هذا القسم بقصتين:

  • الأولى رواها الإمام أحمد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج إلى طعام كان قد دُعي إليه مع بعض أصحابه، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمام القوم، وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذه، فطفق الصبي ها هنا مرة، وها هنا مرة، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يضاحكه حتى أخذه.

وفي هذه القصة من العبر الكثير، يتعلم منها المربي كيف يصبر في تحقيق مراده وكيف يلاطف بمحبة وإن كان تصرف الطفل مزعجًا له، إنها درس كامل في فنون التربية، يستحق التأمل والتطبيق.

  • والثانية تجسد روعة الرفق في معاملة الصغير، وهي قصة رواها أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلمـ من أحسن الناس خُلُقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب ـوفي نفسي أن أذهب لما أمرني نبي الله صلى الله عليه وسلمـ.

قال: فخرجت حتى أمرَّ على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس، اذهب حيث أمرتك. قلت: نعم، أنا ذاهب يا رسول الله. فالعتاب الرقيق بمحبة يؤتي أكله في طفل معاند، وهذه من روائع التربية على علم.

 

 

(المصدر: موقع تبيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى