مع كتاب: مذكرة في حكمة التشريع الإسلامي – قسم العبادات
(أحمد محمد ندا وطنطاوي مصطفى)
كانا أستاذين في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، ولهما كتاب بعنوان: “مذكرة في حكمة التشريع الإسلامي، قسم العبادات”[1].
تحدث الكتاب عن أن الأحكام الشرعية نوعان: نوع معلل تدرك حكمته، والنوع الثاني تعبُّدي لا تدرك حكمته[2].
ثم ينطلق المؤلِّفان في الاجتهاد ببيان الحِكم التشريعية للطهارة بتفاصيلها، ثم الصلاة بما فيها من أحكام وأنواع، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج.
الفرع الأول: حكمة الطهارة:
– ففي حكمة الطهارة مثلًا جاء في الكتاب: إن الشخص إذا كان قذِرَ الثياب والبدن اشمأزت منه النفوس، ونفَرت منه القلوب، وتحولت عنه الأعين… ثم إن هذه الطهارة الظاهرية تذكر بطهارة الباطن من الصفات الذميمة المخلة بمكارم الأخلاق؛ كالكِبْر والحقد والحسد وسوء الظن بالمسلمين.. إلخ.. وشرعية الطهارة في جملتها رحمة من الله بعباده؛ لأنها اشتملت على حكم كثيرة وفوائد عدة؛ فهي تزيل الأقذار، وتقتلع الروائح الكريهة، وتجدد في المتطهر النشاط والهمة، وتحفزه على أداء الكثير من العبادات المفروضة عليه بنفس منشرحة وفكر مستيقظ، ومن ثم ينصرف عن الحالة البهيمية إلى الحالة الملائكية… ولقد كان لشرعية الطهارة من الوجهة الصحية أثر كبير؛ فإن ما يكتنف البدن من الأقذار وما يعلق بالأعضاء من غبار عند مزاولة الأعمال من شأنه أن يزعج الصحة، ويجلب للبدن شر الأمراض؛ من أجل ذلك كانت الطهارة ضرورية لحفظ الصحة وسلامة البنية[3].
والحديث هنا عن حكمة تشريع الطهارة يكاد يكون متوافقًا مع من سبقه، لكنه يتميز بذكر شيء هنا يقترب كثيرًا من مفهوم المقصد إن لم ينطبق عليه، وهو حفظ الصحة وسلامة البنية، وهو مقصد معتبر بلا شك.
الفرع الثاني: حكمة الصلاة:
– وفي حكمة مشروعية الصلاة، ذكر الكتاب أن لها حِكمًا خمسة، هي:
أولًا: شُرعت الصلاة لتعظيم المنعم وتقديسه بكافة أنواع التعظيم والتقديس.
ثانيًا: لشكر المنعم باستعمال الجوارح كلها في خدمته.
ثالثًا: لحجز المسلم عن اقتحام المعاصي وارتكاب المنكرات.
رابعًا: لتكفير ما يقع فيه المسلم من صغائر الذنوب والخطايا.
خامسًا: لتعويد المسلم على كثير من الرياضات البدنية والروحية.
ولا شك أن هذه الحكم تشترك مع الصلاة فيها باقي العبادات، لكن المؤلفين يبينان خصوصية هذه الحكم مع العبادات ووجه الحكمة منها فيها[4].
الفرع الثالث: حكمة الزكاة:
– وفي حكمة مشروعية الزكاة، تم تقسيمها إلى أنواع:
حِكم نفسية، مثل: المواساة والتعاون وإدخال السرور على الناس.
حِكم خُلُقية، مثل: تطهير المسلم من أخلاق الطمع والجشع والأثَرة والأنانية، وسائر الرذائل الخُلقية.
حِكم اجتماعية: فإن الفقراء يمثلون أكثرية في المجتمع، ولا بد من رعايتهم وإخراج ضرورياتهم لكفايتهم؛ حتى يكونوا أعضاء نافعين في المجتمع ومواطنين صالحين، وقد يكون فيهم من هو أقدر على القيام بأعمال معينة كفاءة وذكاءً إذا ما توفرت له ضروريات العيش، وإلا حملوا على توفيرها بكل ضرب من ضروب الشر للحصول عليها، ونشب بين الناس العداوة والبغضاء، فيهتز كيان الأمة بما يشيع فيها من فساد[5].
ونستطيع أن نصل إلى مقصد مقرر من خلال هذه الحكم، وهو: حفظ المجتمع وضمان سلامته من الأخطار، وهذا مقصد كبير ومعتبر، تسعى إليه كثير من الأحكام الفقهية والتدابير الشرعية.
وهكذا نستطيع أن نصل إلى مقاصد من خلال هذه الحكم، رغم أن كثيرًا منها أو معظمها لا علاقة له بمفهوم المقصد المقرر في هذه الدراسة، وإنما هو حديث عن الأسرار والمعاني والآثار كما الحال في باقي المصنفات.
————————————–
[1] أصل الكتاب مجموعة من المحاضرات في حكمة التشريع الإسلامي، قسم العبادات، ألقيت على طلاب السنة الأولى الإعدادية بكلية الشريعة بجامعة الأزهر على حسب المنهج المقرر عليهم، وقد توخَّتِ الأسلوب المبسط المفهوم، راجع: مذكرات في حكمة التشريع الإسلامي، قسم العبادات: 3، أحمد محمد ندا، وطنطاوي مصطفى، دار الطباعة المحمدية بالأزهر، القاهرة، بدون طبعة ولا تاريخ.
[2] مذكرات في حكمة التشريع: 5.
[3] مذكرات في حكمة التشريع الإسلامي، قسم العبادات: 8 – 9.
[4] السابق: 39، وما بعدها.
[5] السابق: 86 – 92.
المصدر: شبكة الألوكة.