مع الصين ضد الإيغور.. لماذا خذل المسلمون إخوتهم؟!
بقلم د. محمد العمر
يبدو أن المسلمين اليوم يعيشون عصرهم الذهبي في العجائب والصدمات. فلا يكاد الشارع الإسلامي والعربي يخرج من صدمة مفزعة حتى يتلقى صدمة أخرى أعظم منها وأشد وطأة. آخر هذه الصدمات المدوية كانت رسالة موجهة إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وإلى المفوض السامي لحقوق الإنسان وقعت عليها عدد من الدول العربية والإسلامية على راسها السعودية وباكستان ومصر والإمارات والبحرين وقطر والجزائر وطاجكستان. أما موضوع هذه الرسالة فهو دعم الصين الشيوعية في إجراءاتها “لمحاربة الإرهاب” في إقليم شينغ يانغ الذي تتركز فيه العديد من الأقليات المسلمة وعلى رأسها أقلية الإيغور.
هذه الرسالة التي وقع عليها قادة عدد من الدول الإسلامية المحورية في العالم جاءت بالتوازي مع رسالة أخرى تحمل توقيع 22 دولة على رأسها بريطانيا واليابان وكندا وأستراليا ونيوزلاندا والتي تتهم الصين بارتكاب فضائع ممنهجة لحقوق الإنسان ضد الأقليات المسلمة في إقليم شينغ يانغ وتدعو بالتالي السلطات الصينية إلى إغلاق مراكز الاعتقال الضخمة هناك. حسنا، قبل أن نبحث عن أسباب هذا الموقف العربي والإسلامي المتضامن مع الصين، دعونا نلقي نظرة سريعة على أحوال الأقليات المسلمة في إقليم شانغ يانغ وعلى سياسة الحكومة الصينية المتبعة في التعامل مع هؤلاء “الإرهابيين”.
الإيغور هم قبيلة مسلمة، سنية في غالبتها العظمى، يتحدثون اللغة التركية ويستخدمون الحروف العربية. تحولوا للإسلام ابتداء من أواخر القرن السابع الميلادي بعد أن كانوا يديونون بالهندوسية والزرادشتية وغيرها من الديانات المنتشرة في تلك المنطقة. شكلوا دولة قوية في تركستان الشرقية والتي بقيت جزءا من العالم الإسلامي حتى غزاها الصينيون عام 1759. قام الإيغور بعدها بعدة ثورات نجح بعضها في إقامة دولة مستقلة، إلا أنها لم تستطع الصمود أمام الصينين الذين استطاعوا في النهاية الحاق تركستان الشرقية بدولتهم عام 1949 وأطلقوا علها منذ ذلك الوقت إقليم شينغ يانغ، والتي تعني “الحدود الجديدة”.
يعتبر هذا الإقليم الذي يتمتع نظريا بحكم ذاتي ويمتد على حوالي سدس مساحة الصين، من أغنى أقاليم البلاد، ففيه يتركز حوالي 85 بالمئة من انتاج الصين من اليورانيوم إضافة لأكثر من سبعين بالمئة من إنتاجها النفطي. مع ذلك فإن غنى هذا الإقليم لم ينعكس على سكانه من الإيغور، بينما حظي السكان من عرقية الهان الصينية والذين يشكلون اليوم حوالي 40 بالمئة من سكان الإقليم على أكبر نصيب من الثروة والوظائف. الجدير بالذكر أن عرقية الهان لم تكن متواجدة في الإقليم إلا بنسبة قليلة جدا لا تتجاوز العشرة في المئة، إلا أن السلطات الصينية اتبعت سياسة ممنهجة لإغراق إقليم شينغ يانغ بعرقية الهان من أجل التغلغل بين الإيغوريين وتسهيل عملية إذابتهم في البوتقة الصينية الشيوعية.
منذ عام 1949، شهدت علاقة السلطات الصينية بشعب الإيغور مراحل من الشد والجذب تميز أغلبها بمحاولة القضاء على معالم الثقافة الإسلامية لشعب الإيغور وتذويبهم في المجتمع الشيوعي الصيني، خاصة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1966 و1976 والتي شهدت حملة كبيرة شملت إحراق المصاحف وإغلاق المساجد وضرب رجال الدين والتضييق بشدة على المسلمين.
تصاعدت حملات القمع ضد الإيغور بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية والتي شكلت بيئة دولية متسامحة مع كل قمع ضد المسلمين. أما في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد عام 2017 فبالإضافة إلى التضييق الشديد على مسلمي الإيغور ومنعهم حتى من أداء شعائرهم الدينية في الصوم والصلاة، فقد شيدت الصين عدة مراكز اعتقال ضخمة تحتجز داخلها اليوم ما يقارب المليون من شعب الإيغور حسب تقارير لمنطمات حقوقية على راسها هيومن رايس ووتش. وبينما انكرت الصين وجود مثل هذه المراكز ابتداء ثم اعترفت بها مدعية أنها مراكز لإعادة التأهيل، إلا أن الشهادات القادمة من داخل هذه المعتقلات أو من رجال أو نساء خرجوا منها بعد اعتقالهم فيها تشير إلى ممارسات فظيعة تتضمن بشكل خاص ممارسات لسلخ هويتهم الثقافية واجبارهم على تناول لحم الخنزير أو شرب الخمر أو ترديد شعارات مؤيدة للحزب الشيوعي الصيني.
في تقرير نشرته قناة فرانس 24، تحدثت غولباهار، إحدى المعتقلات السابقات في هذه المراكز، عن ظروف اعتقالها واحتجازها هناك. فقد تم وضعها مع عشرين امرأة أخرى في زنزانة ذات باب حديدي وبدون نوافذ لا تتجاوز مساحتها العشرين متر مربع، كما تم وضع السلاسل في أقدامهن. وأشارت غولباهار إلى ظروف اعتقالها السيئة والكميات المحدودة جدا من الطعام الشراب التي كانت تتلقاها خلال فترة الاعتقال. كما أضافت إلى ذلك تعرضها لعملية غسل دماغ ممنهجة حتى أنها كانت تحقن أسبوعيا بحقنة غريبة. وبعد شهر من الحقن تقول غولباهار أنها بدأت تنسى كل شيء، أهلها وأقربائها، حتى مكان ولادتها، وبدأت تشعر بأنها قد كبرت وترعرت في ذلك المعتقل. وفي معرض تعليقها على إحدى تقارير التلفزيون الرسمي الصيني الذي تناول هذه القضية والذي ادعى بتوفر ظروف معيشة جيدة في هذه “المراكز التعليمية”، قالت غولباهار: أنا عشت هناك وكل ما يقوله التلفزيون الرسمي مجرد كذب. لم تكن غولباهار هي الشاهدة الوحيدة، بل هناك المئات من الشهادات الموثقة حول ما يرتكب داخل المعتقلات من فظائع.
يبدو بأن المصالح الاقتصادية التي تربط الدول العربية والإسلامية الموقعة على الرسالة مع بكين هي العنصر الأهم الذي يفسر لنا هذا الموقف. فمعظم هذه الدول تمتلك علاقات اقتصادية واستثمارية متشابكة جدا مع الصين. أضف إلى ذلك بأن العديد من الدول العربية والإسلامية، خاصة تلك الواقعة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، تأمل في أن تكون طرفا فاعلا في مشروع الصين العملاق “الحزام والطريق” والذي تم الإعلان عنه في عام 2013 وتم في إطاره توقيع اتفاقيات تجاوزت قيمتها ثلاثة ونصف ترليون دولار. هذا المشروع يهدف إلى إعادة إحياء طريق الحرير القديم من خلال ربط 78 دولة عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا وأوقيانوسيا بشبكة من خطوط السكك الحديدية وممرات الشحن وغيرها من المشاريع الضخمة للبنية التحتية.
غني عن القول بأن إبرام مثل هذه الصفقات المليارية الضخمة تستلزم موافقة الصين على تقديم قروض ضخمة للاقتصاديات ذات التصنيف الائتماني السيئ، والتي تجد دول مثل باكستان صعوبة في سدادها. استنادا على ذلك، يبدو بأن هذه الشراكات والمصالح الاقتصادية هي التي قادت الكثير من الدول العربية والإسلامية على توقيع رسالة الدعم لبكين والتخلي عن مبادئ الأخوة الإسلامية.
يبدو الموقف التركي شاذا في هذا الإطار. فمنذ عام 2009 وجه رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا آنذاك انتقادات لاذعة لممارسات الصين ضد المسلمين في إقليم شينغ يانغ مشبها أيها “بالإبادة الجماعية”. وفي عام 2015 فتحت تركيا أبوابها أمام الإيغور الفارين من الاضطهاد هناك مما أدى لنشوب أزمة دبلوماسية بين أنقرة وبكين. أما مؤخرا فيبدو بأن أنقرة تحاول إمساك العصا من الوسط مخففة من حدة لهجتها تجاه بكين. ففي كلمته خلال الدورة الافتتاحية للدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان، أشار وزير الخارجية التركي مولود جازيش أوغلو إلى التقارير حول الانتهاكات الممنهجة بحق الإيغور، مطالبا الصين باحترام وحقوقهم ومعترفا في الوقت نفسه بحق الصين في “مكافحة الإرهاب”.. فهل تصمد تركيا على موقفها في مواجهة المغريات الاقتصادية.. أم تنضم لجوقة الداعمين؟
(المصدر: مدونات الجزيرة)