مقالات المنتدى

معنى التفسير المقاصدي للقرآن الكريم

بقلم د. وصفي عاشور أبوزيد.

“التفسير المقاصدي” مركَّب وصفي، ينبغي أن يعرَّف كلُّ لفظ من ألفاظه، ثم نعرِّف المصطلح بتركيبه.

أولًا: تعريف التفسير:

التفسير لغة: من “الفسْر”، وهو الإبانَةُ وكشْفُ المُغطَّى[1]، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33]، ولم يَرِد هذا اللفظ في القرآن الكريم إلا في هذه الآية فقط[2]، ويقال: هو مقلوب السَّفر، تقول: أسفَر الصبح، إذا أضاء، وقيل: مأخوذ من التَّفْسِرة؛ وهي اسم لما يَعرف به الطبيب المرض[3].

والتفسير اصطلاحًا: هو عِلمُ نزول الآية وسورتها، وأقاصيصها والإشارات النَّازلة فيها، ثمَّ ترتيبُ مكِّيِّها ومدنيِّها، ومحكمِها ومتشابهِها، وناسخِها ومنسوخِها، وخاصِّها وعامِّها، ومطلقِها ومقيدِها، ومجملِها ومفسرِها…، وزاد فيها قوم فقالوا: عِلْمُ حلالها وحرامها، ووعْدِها ووعيدِها، وأمرِها ونهيِها، وعِبَرِها وأمثالِها[4].

وقال الزرقاني: “والتفسير في الاصطلاح: علم يُبْحَثُ فيه عن القرآن الكريم؛ من حيث دَلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، وعرَّفوا علم التفسير أيضًا بأنه: علم يُبْحَثُ فيه عن أحوال الكتاب العزيز؛ من جهة نزولِه وسندِه، وأدائه وألفاظه، ومعانيه المتعلقة بالألفاظ والمتعلقة بالأحكام، وعرَّفوا التفسير تعريفًا ثالثًا بأنه: علم يُبْحَثُ فيه عن كيفيَّة النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حالَ التركيب، وغير ذلك؛ كمعرفة النسخ وسبب النزول، وما به توضيح المقام؛ كالقصة والمَثَل”.

قال: “وهذا تعريفٌ وسطٌ بين التعريفين، ومن السهل رجوعه إلى التعريف الأول؛ لأنَّ ما ذُكر هنا بالتفصيل يُعتبر بيانًا لمراد الله من كلامه بقَدر الطَّاقة البشريَّة في شيء من التفصيل”[5].

قال الراغب: “التفسير أعم من التأويل، وأكثَرُ استعمالِه في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمَل، وأكثر ما يُستعمل في الكتب الإلهية، والتفسيرُ يستعمل فيها وفي غيرها”، وقال غيره: “التفسيرُ بيانُ لفظٍ لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والتأويلُ توجيهُ لفظ متوجِّهٍ إلى معانٍ مختلفة – إلى واحد منها بما ظهر من الأدلَّة”[6].

والتعريف الثاني للزرقاني هو الأقرب للمضمون، والمُعَبِّرُ عن المفهوم، والأشمل للتعريفات جميعًا؛ فهو “علمٌ يُبْحَثُ فيه عن أحوال الكتاب العزيز، من جهة نزولِه وسنده، وأدائه وألفاظه، ومعانيه المتعلِّقة بالألفاظ والمتعلقة بالأحكام”.

ومن الواضح أنَّ التعريف الاصطلاحي هنا لم يختلف كثيرًا عن التعريف اللغوي، وإنما يدور التعريف الاصطلاحي حول الإبانة والكشفِ والإيضاح، وكل ما يوصل إليه، ويعمل عليه، كما أنه تفصيلٌ وتحقيقٌ له.

ثانيًا: تعريف المقاصد:

المقاصد لغة: هي الأَمُّ والتوجُّه والنهوض، قال ابن منظور: “قال ابن جنِّي: أَصل (ق ص د) ومواقعها في كلام العرب الاعتزامُ والتوجُّه، والنهودُ والنهوضُ نحو الشيء، على اعتدالٍ كان ذلك أو جَوْر؛ هذا أَصله في الحقيقة، وإنْ كان قد يُخَصُّ في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل”[7].

والمقاصد اصطلاحًا: هي ما تَغَيَّاهُ الشَّارع من وضع أحكام الشريعة الإسلامية، لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، قال علال الفاسي: “المراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حُكْم من أحكامها”[8]، وقال أستاذنا الدكتور أحمد الريسوني: “هي الغايات التي وُضِعَت الشريعةُ لأجل تحقيقها لمصلحة العباد”[9].

وقد تتبَّع الدكتور نور الدين بن مختار الخادمي أغلبَ التعبيرات والاستعمالات لكلمة “المقاصد” التي استخدمها العلماء قديمًا وحديًثا ليَعْنُوا بها مرادَ الشارع، ومقصودَ الوحي، ومصالحَ الخلق، فوجد أنَّه يعبَّر عن المقاصد عندهم بالحكمة المقصودة بالشريعة، ويعبَّر عنها أيضًا بمطلَق المصلحة، ويعبَّر عنها كذلك بنَفي الضَّرر ورفعِه وقطعِه، كما يعبَّر عنها بدفعِ المشقَّة ورفعِها، ويعبَّر عنها كذلك بالكليات الشرعية الخمس الشهيرة، ويعبر عنها أيضًا بمعقولية الشريعة وتعليلاتها وأسرارها، كما يعبر عنها بلفظ المعاني[10].

يتبين هنا أيضًا أن التعريف الاصطلاحي كان في اتجاه التعريف اللغوي، وتعميقًا له، مع تخصيصه بمجال الشريعة، كما يلاحَظ أن تعريف الفاسي شمل المقاصدَ الكلية والمقاصدَ الجزئية، وأن تعريف د. الريسوني شمل قصدَ الشارع وقصد المكلَّف معًا.

ثالثًا: تعريف التفسير المقاصدي للقرآن الكريم:

مما سبق من تعريفاتٍ للتفسير والمقاصد، يتبيَّن لنا أنهما يدوران حول: الكشف عن الأهداف، والإبانة عن الغايات؛ وذلك في مجال القرآن الكريم.

ومن هنا، يمكننا تعريف التفسير المقاصدي للقرآن الكريم، فنقول: “هو لونٌ من ألوان التفسير، يَبحث في الكشف عن المعاني والغايات التي يدور حولها القرآن الكريم كليًّا أو جزئيًّا، مع بيان كيفية الإفادة منها في تحقيق مصلحة العباد”.

ونعني بـ “كليًّا أو جزئيًّا” المقاصدَ العامة للقرآن الكريم، التي تحدَّث عنها القرآنُ نفسه، وكثيرٌ من العلماء، وسيأتي تفصيلٌ عنها، والمقاصدَ الجزئية التي ربَّما تكون خاصةً بموضوعٍ أو سورة أو مجموعة من الآيات، أو حتى آية واحدة، وربما لفظة واحدة، وبيان المراد منها.

والنصُّ على “بيان كيفية الإفادة منها” جاء للتأكيد على أن التفسير ليس للتفسير وحسب؛ وإنما لبيان كيفية استنزال هدايات القرآن للواقع المعاصر، وكيف تفيدُ منها الدوائرُ الاجتماعيةُ المختلفةُ؛ الفرد، والأسرة، والمجتمع، والدولة، والأمة، والإنسانية جمعاء.

—————————————–

[1] القاموس المحيط (456)، محمد بن يعقوب الفيروزَابادي مجد الدين، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثامنة، 1426هـ – 2005م.

[2] المدخل إلى التفسير الموضوعي (13)؛ لشيخنا العلامة د. عبدالستار فتح الله سعيد، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1411هـ، 1991م.

[3] “الإتقان في علوم القرآن” (6/ 2261)؛ جلال الدين السيوطي، مركز الدراسات القرآنية، طبعة مجمع الملك فهد، السعودية، الطبعة الأولى.

[4] “البرهان في علوم القرآن” (2/ 148)؛ لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، ثم صوَّرَته دار المعرفة، بيروت، لبنان – وبنفس ترقيم الصفحات، الطبعة الأولى، 1376هـ – 1957م.

[5] “مناهل العرفان في علوم القرآن” (2/ 6، 7)؛ محمد عبدالعظيم الزرقاني، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ، 1995م.

[6] “الإتقان في علوم القرآن” (6/ 2261، 2262).

[7] لسان العرب (3/ 353)؛ لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.

[8] “مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها” (7)؛ علال الفاسي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1993م.

[9] نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي (7)، دار الأمان، الرباط، ط 1، 1411هـ / 1990م.

[10] ينظر: “الاجتهاد المقاصدي”؛ للدكتور نور الدين الخادمي (1/ 48 – 51)، كتاب الأمة، عدد 65، جمادى الأولى 1419هـ.

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى