إعداد محمد جمال الدين
أعد بأني سألقنهم درسا في القتال، وفي النار .. وإذا أشعلوا النار سأقول لهم انتظروا جحيمًا ستروه بأم أعينكم .. ولكن لن تجدوا لكم مغيثًا، وإن استغثتم ستغاثون بماء كالمهل .. السلام عليكم
(العميد “سهيل الحسن”، قائد قوات الأسد البرية على حدود الغوطة)
ببذلته العسكرية المفضلة، وخطبته المازجة بين النصوص الدينية والفلسفة والشعارات العسكرية في قالب غير مفهوم، وقف العميد “سهيل الحسن” الملقب بـ “النمر”، صاحب نظرية “أعداء العالم” الشهيرة، والموصوف بعميد سياسة الأرض المحروقة، ليلقي خطابه القصير على ثغور الغوطة الشرقية في 18 فبراير/شباط للعام الحالي 2018، أمام جنود كانوا يهتفون وهم مؤمنون بأنه رجل المهمة المناسب، متوعًّدا بإغاثة أهل الغوطة الشرقية بـ «ماء كالمهل».
انتشرت خطبة العميد على وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، واحتفى بها المؤيدون، وتلقفها المعارضون في البداية بالسخرية المعتادة من طريقة النمر في ارتجال عبارات غير مفهومة، لكن حملة القصف الشرسة التي بدأها النظام والروس منذ 18 فبراير/شباط 2018 أثارت رعب المدنيين المحاصرين بالغوطة من سيناريوهات النظام المجهولة، ودفعتهم للتعاطي معها بجدية أكثر.
لم يكن «المُهْل» الذي وعد به النمر أول تهديد يوجه للغوطة الشرقية بكل الأحوال، إذ أن المُهلَ بات جُزءً من حياة الأهالي اليومية منذ عدة سنوات، غير أن أسئلة أخرى أكثر أهمية طُرِحت حول تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لمح فيها لإمكانية تكرار تهجير حلب في الغوطة الشرقية، وهي تصريحات تزامنت مع بدء الحملة العسكرية للنظام على الغوطة، وتساؤلات بدرجة أخف عن حجم الاتفاقيات والضمانات الدولية التي اعتاد الناس أن يخترقها النظام والروس، بالرغم من أن الغوطة مشمولة باتفاق أستانا في مايو/أيار 2017، وهو اتفاق من المفترض أن ترعاه روسيا كإحدى الدول الضامنة.
لم تتضرر الغوطة خلال الشهور الأولى لحصارها قبل ستة أعوام مثلما تضرر النظام، فقد خسرت دمشق سلتها الغذائية بحصارها للغوطة، ولكن هذا الضرر كان هامشيًا أمام التهديد الذي حمله الموقع الجيوسياسي لإمبراطورية معارضة سورية مسلحة وليدة راحت تعيد تشكيل مصادرها الخاصة لإكمال الحياة، وتتوسع باتجاهات مختلفة. فهي تطل من جهة على المتحلق الجنوبي، وعلى مطار الضمير العسكري، وتربط البادية من جهة الشرق بالعاصمة دمشق، وهي قريبة من مطار دمشق الدولي ومدينة المعارض، ومن ضاحية الأسد ممثلة للعمق الطائفي للنظام وسط العاصمة السورية، ويفصل بينهما أوتوستراد دمشق حمص الدولي. باختصار، لن تحتاج أية سيارة تنطلق من بلدات الغوطة لأكثر من 15 دقيقة فقط لتصل للقصر الجمهوري السوري ولمقعد الأسد نفسه، ما يعني أن أيّ عملية عسكرية جديدة تقوم بها المعارضة المسلحة ستكلف النظام خسارة جزءً لا بأس به من رمزيته السياسية، إن لم يخسر ما هو أكثر.
لم تكن الرمزية السياسية هي ما يقلق فقط، فقد استشعر النظام بوقت مبكر خطر الثقل الاستراتيجي الذي تشكله الحاضنة الشعبية في الغوطة، بعدد سكانها البالغ 400 ألف نسمة[1]، ممثلة أكبر حاضنة معارضة للنظام متماسكة في سوريا، لتشكل عمقًا استراتيجيًا للسُنّة في دمشق، ورافدًا لفصائل الجيش الحر، ما عنى أنّه وبمجرد التفكير بإعادة السيطرة عليها فإن على النظام التهيؤ للانخراط في حرب عصابات طويلة الأمد، وهي حرب لم يتدرب عليها، وسيكون الانتصار فيها صعبًا طالما أنها كانت في أرض خصومه وبقواعدهم.
وجد النظام لحسن حظه شريكًا يشاركه مخاوفه واهتمامه بإنهاء تمرد وخطورة الغوطة، ويحظى بالخبرات اللازمة لخوض تلك الحرب ولديه مصالح تحمله على دفع الثمن، ولأن التكتل البشري السني في الغوطة مثل على الأرجح عائقًا أمام التطلعات الإيرانية، وتهديدًا لمشروع الجسر البري الإيراني الممتد من هراري في أفغانستان وحتى لبنان، كان على طهران لعب دور ذلك الشريك المتوجس، محاولة دفع النظام ومساعدته لإنهاء هذه الثغرة الكبرى مرة واحدة بأكبر قدر من العنف وللأبد.
بالنظر لسياسة النظام وحلفائه تجاه الغوطة الشرقية، وصمود الغوطة الشرقية غير المألوف بشريًا ، فلا يمكننا النظرُ لتبديل الاستراتيجيات المُتّبعة معها على أنه يأس كامل من النظام تجاه تلك التكتيكات، وإنما تفاعلٌ تلقائي مع عدة عوامل أبرزها وضع ميداني متغير، ومصالح حلفاء الأسد التي بدأت تزيد تدريجيًا لتأخذ شكل الوصاية مقابل خدمات النظام، ولذلك، وحرصًا على رمزية جيش النظام أمام الحاضنة المؤيدة، كان الأسد يسمح بالترويج إعلاميًا لشخصيات عسكرية مخلصة له مثل العميد النمر شريطة ألا تنافسه سياسيًا في وعي الحاضنة.
لذا، ووفق الطريقة المناسبة للأسد، تحدث النمر مع جنودٍ قابلوه على تخوم الغوطة عن «نصر قريب في الغوطة الشرقية شبيه بنصر حلب» كما قال، إلا أنه وبعيدًا عن تصريحات استعراضية، كان الجحيمُ الذي وعد به النمر قد بدأ يرسم ملامحه بشكل أوضح على الأرض بمرور ثمانية أيام على بدء الحملة.
خلال سنوات الحرب الست، تمتعت المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية بأفضلية جغرافية وانتشار واسع في محيط مألوف حفظوا عن ظهر قلب مداخله ومخارجه، ومع دعمهم بشكل كامل من الحاضنة الشعبية أي سكان الغوطة أنفسهم، كان ذلك كل ما تحتاجه أي حرب عصابات لتصبح ناجحة تمامًا. لذلك، حملت النتائج الأولية لعمليات اقتحام النظام السوري للغوطة قتلى وأسرى بالجملة لقوات النمر، ما دعا النظام والروس لأخذ مستويات تطبيق سياسة الأرض المحروقة لسقفها الأقصى، دون الالتفات لقرار مجلس الأمن، الصادر في 24 فبراير/شباط بعد أيام من بدء المحرقة، بإعلان هدنة عامة في سوريا لمدة 30 يومًا استثنت تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ “داعش”، وتنظيم القاعدة.
كان الاستثناء الأخير لمجلس الأمن هو كل ما احتاج إليه الروس والنظام كغطاء دولي ليواصلوا عملياتهم العسكرية في الغوطة ضد التشكيلات العسكرية والمدنيين، بحجة وجود “هيئة تحرير الشام” المصنفة تحت قوائم «الإرهاب» هناك. ولذلك أيضًا وفي وقت سابق ماطل الروس في تأمين التسهيلات اللازمة لإخراج مقاتلي الهيئة من المدينة بعد إعلان تشكيلات المعارضة المسلحة جاهزيتها لإخراجهم مقابل توقف القصف، لكن المماطلة ومن ثم الغطاء فاستمرار القصف كانت سلسلة تعاونية بين بشار وموسكو عنت أن موقع الهيئة داخل الغوطة يناسبهم تمامًا، وعنت أيضًا أن عالم الفصائل المسلحة المتشابكة مر بمخاض طويل أسس يقينًا لهذه المرحلة.
كانت شخصية “زهران” الحادة والمتماسكة حاضرة في فصيله منذ تشكله، حيث اعتمد على نواة محلية صلبة من أبناء مدينة دوما أكبر مناطق الغوطة الشرقية، والتي تشكلُ مدرسة “السلفية العلمية” عمودها الفقري، بينما تُعرف بخصومتها التقليدية للمؤسسة الدينية الدمشقية بمزيجها الأشعري الصوفي الشافعي، وبالعداوة الشديدة مع السلفية الجهادية أيضًا، ما جعل علاقة “جيش الإسلام” مع “جبهة النصرة” و تنظيم الدولة “داعش” متوترة دومًا منذ بداية ظهورهما، فيما كانت علاقة “جيش الإسلام” أقل حساسية مع “فيلق الرحمن”، من ظهر بعد ثلاثة أشهر فقط من تشكل الأول، باجتماع عدة تشكيلات محلية غير مؤدلجة في الغوطة الشرقية، أهمها لواء البراء بقيادة “عبد الناصر شمير”[2].
حافظ “فيلق الرحمن” منذ تشكله على علاقة جيدة مع جيش الإسلام، وخاضا معًا عدة معارك ناجحة، وبلغ التفاهم بينهما ذروته نهاية 2014 بعد نضوج مشروع القيادة الموحدة بقيادة علوش، فشغل شمير منصب القائد العسكري فيها، إلى أن حدث تطوران مهمان بالغوطة أسسا لشرخ عميق بين الفصيلين.
أتى التطور الأول باغتيال “زهران علوش” في ديسمبر/كانون الأول 2015 بغارة جوية روسية، حينها خسر الفصيل المعارض الأب الروحي له صاحب الثقل العسكري، وخسرت الغوطة شخصية ذات كاريزمية جماهيرية واسعة. أما الثاني فكان انضمام “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام” لـ “فيلق الرحمن” أوائل عام 2016، حيث يعتبر فصيل الأجناد _المتشكل بالتزامن مع تشكيل الفيلق_ المقابلَ الفكري لـ “جيش الإسلام” من حيث انتمائه للمدرسة الدينية الدمشقية، ومن حيث تأثره بجماعة “الإخوان المسلمين” وانفتاحه على حلفائها الإقليميين، مقابل انفتاح “جيش الإسلام” على الخليج وبالأخص الرياض. وبانضمام الاتحاد تحولَ فيلق الرحمن لثاني أكبر قوة عسكرية في الغوطة بعد “جيش الإسلام”، مستندًا لقواعد اجتماعية ومدرسة فكرية معاكسة لمدرسة الجيش كليًا.
لم يكن مستغربًا أن تتأثر سياسة الفيلق بانضمام الأجناد بمرور الوقت، فقد حصل قادة الأجناد على مراكز حساسة في الفيلق، وعززت الخصومة التاريخية بين مدرستي الأجناد والجيش الحساسية المتراكمة بينهما وهاجسَ النفوذ لدى الفيلق، فشن هجومًا واسعًا ضد “جيش الإسلام” _بتحريض ومساعدة من “جبهة النصرة” العدو الأيديولوجي الأول للجيش_ منتصف عام 2016، متجاوزًا العداء الرمزي بين المدرسة الدمشقية والسلفية الجهادية لتكتيك أكثر براغماتية استهدف إضعاف الجيش.
على خلاف الفيلق وجيش الإسلام، لم تتمكن “جبهة النصرة” بقيادة رجل مكنى بـ “أبي عاصم” (مجهول الاسم) من اجتذاب أكثر من بضع مئات من أبناء الغوطة لسلفيتها الجهادية بسبب ما يمكن أن يطلق عليه مناعة الحاضنة الشعبية، ما دفع الجبهة للاحتماء بتحالف رسمي مع حركتي “أحرار الشام” و “فجر الأمة”، ليشكلوا معًا ما سُمِّيَ بـ “جيش الفسطاط”، وهو مشروع تفكك لاحقًا بعد اندماج “فجر الأمة” مع “الأحرار”، ثم وقوف الكيان الجديد على الحياد بعد هجوم “جيش الإسلام” على “جبهة النصرة” منتصف العام الماضي 2017 ثم تفكيك كتلتها الصلبة تمامًا.
انحسر المشهد بعد شهرين عن ثلاثة فصائل تسيدت المشهد الغوطي؛ جيشُ الإسلام في الجزء الشرقي من الغوطة، وفيلق الرحمن في الجزء الغربي منها وصولًا لحي جوبر قرب دمشق، وحركة أحرار الشام _في حرستا بشكل رئيس_ وهي مكونة من بضعة مئات من المقاتلين وتعاني من تجاذبات أيديولوجية مألوفة _لدى فروعها في عموم سوريا_ بين المدرسة الجهادية والأشعرية. وبجانب هؤلاء وجد في الغوطة جيوبٌ من “هيئة تحرير الشام” بدرجة أقل وبغياب كامل للمركزية، متواجدة في جيوب مناطق فيلق الرحمن، وحاملة لعقيدة ثأر أبدية ضد “جيش الإسلام”، وهي عقيدة مرتكزة على أصول أيديولوجية عززها حلم الثأر للنفوذ، ووجدها الروس فرصة باستثمارها عبر إضعاف خصوم الهيئة باستهدافهم لمساعدة الأخيرة على بسط نفوذها، لتعيد روسيا بهذه الطريقة تشكيل الظروف الميدانية بما يتسق مع تحركاتها ضمن شبكة نسجت خيوطها بإتقان.
عملت روسيا منذ بداية تدخلها في سوريا على لعب أدوار مختلفة، حيث زجّت بثقلها العسكري في الأيام الأولى لتدخُّلها لترجيح كفة النظام، ثم بدأت تمهد الأرضية السياسية عبر سلسلة من جولات الأستانة لقبول الواقع العسكري الذي فرضته، إلا أنّ الغوطة الشرقية ظلت تحمل أهمية خاصة للنظام وحلفائه معًا، وطفا ملفها على السطح بشكل أكبر مع ازدياد التهجير والتفريغ الذي قامت به إيران في محيط العاصمة، لتبقى الغوطة الشرقية المحاصرة آخر قلاع المعارضة الصلبة في دمشق وريفها.
بشكل مجمل وأبسط، تتلخص علاقة الكرملين بالقوانين الدولية _كما البيت الأبيض وكما الخمس دول الكبرى_ باستخدام الفيتو ضد أي قرار يخالف خطتها، أو عدم الاكتراث به بالكلية، وتطبيق القرارات المواكبة لاستراتيجيتها المطولة بالداخل السوري، إلا أنها استخدمت طريقة لا تخلو من غرابة لمناكفة مجلس الأمن في قراره بفرض الهدنة_ يوم 24 فبراير/شباط الماضي_ تمثّلت بتصريح لوزير دفاعها سيرغي شويغو بإعلان هدنة منفصلة بعد يومين من قرار المجلس الأمن، تحظر القصف صباحًا فيما تسمح به بعد الثانية ظهًرا، ويتم خلالها فتح الطريق لمغادرة الغوطة لمن يرغب من المدنيين، ما دعا المجتمع الدولي لانتقاد «اللعبة الساخرة» كما سماها جوناثان ألن نائب المندوب البريطاني في مجلس الأمن[3] .
بتتبع السلوك الروسي في التعامل مع الشأن السوري بالعموم وشأن الغوطة بالخصوص، فإنه وعلى الأرجح سنجد أن أي محاولة لكبح جماح “وحشية” النظام السوري عليها أن تجد طريقها الخاص خارج مظلة مجلس الأمن تجنبًا للفيتو الروسي أو الصيني، ما يعني أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وحدهم من يمكنهم التدخل لكبح موسكو والأسد. إلا أن الأمر يبدو أقرب لأحلام وردية، فبينما دفع التصعيد الأخير ضد الغوطة لندن لتهديد متردد بضرب نظام الأسد إذا كرر استخدامه للأسلحة الكيماوية[4]، بعد عشرة أيام من تصريح فرنسي مشابه[5]، سنجد أن سقف قرارات مجلس الأمن سينحصر _في حال تعرض الروس للضغط_ لانتزاع هدنة مؤقتة يُشكُّ في التزام الروس بها، وممرات إنسانية مؤقتة بأحسن الأحوال، ما يعني تأخير المجازر لا إنهاءها.
بالموازين الواقعية وعلى الأرض، تدرك الفصائل المسلحة حاجتها لظهير دولي يحميها، ولذلك رحبت بهدنة مجلس الأمن[6]، وأعلنت جاهزيتها لإخراج مقاتلي “هيئة تحرير الشام” من الغوطة كما ذكرنا، ورفضت مقترح التهجير الروسي على لسان لافروف، واكتفت بالدفاع عن الجبهات، متوقعة أن تُلزمَ الضغوط الدولية روسيا بإيقاف الهجوم، ولكن مناكفة روسيا للقرارات الأممية دفعت الفصائل لصياغة خيارها الخاص، فشكلت غرفة عمليات مشتركة، وضمّت التشكيلات العسكرية الثلاثة في تطور لافت في العلاقة المعقدة بينها.
عندما وصل الأطفال السوريون لمقطع الأنشودة المتحدث عن مصير النمر، نسوا بقية الأغنية، فأطلقوا ضحكة طفولية جماعية لم ينزعها منهم القصف والمشاهد الدامية، لكن المقطع المفقود عكس مستقبلًا مجهولًا للمشهد الحالي والمرتقب في الغوطة الشرقية، وبدرجة أكبر، طرح تساؤلات حيال أسباب وحشية هذه الحملة وبروزها بهذا الشكل عن الحملات السابقة.
تشكِّلُ الغوطة اليوم آخر جيب عسكري متمرد على النظام السوري في دمشق وريفها، ما يعني أنه لا يفصل النظام عن استعادة سيطرته على كل أجزاء سوريا المفيدة، ممثلة بدمشق وطرطوس واللاذقية وحمص وريف حماه، إلا إنهاء تمرد الغوطة، ويمكن تمييز استثنائية حملة الغوطة اليوم بوضوحٍ في تصوّر لافروف الذي خرج به مُلمّحًا بتكرار سيناريو حلب، وتكليف النمر الذي يلقى استحسانًا روسيًا واسعًا بقيادة القوات البرية للحملة.
في أعين الفصائل، وكما عبَّر حمزة بيرقدار الناطق باسم هيئة أركان “جيش الإسلام” لميدان عندما تواصلنا معه قائلًا «لا يمكن لثوار الغوطة أن يتنازلوا بأي شكل من الأشكال عما خرجوا لأجله طوال سبع سنوات»، فإن احتمالية انتصار النظام وروسيا، أو تكرار سيناريو حلب، مُرادفٌ لإفناء الحالة المعارضِة المسلحة كاملة في الغوطة، وهو أمر لن يتحقق على الأرجح، فجغرافية الغوطة الشرقية وظروفها العسكرية والاجتماعية لا تدعم وجود تشابه بين مصير الغوطة الشرقية وحلب، ويجعل الأولى المرتكز في خاصرة دمشق ثقبًا أسود يصعب التعامل معه عسكريًا إلا بقصف عشوائي يسقط مئات المدنيين والأطفال قتلى بلا رحمة، ويحول سياسة النظام العسكرية البرية حيالها لألعاب نيران حقيقية قد تحرق أول ما تحرق قوات الأسد المدعومة روسيًا وإيرانيًا وميليشياتهما، لأن فصائل المعارضة قادرة على أن توصل نيرانها لأهداف عسكرية حساسة في دمشق بلا صعوبة كبيرة، ورغم عدم وجود أي تحضير عسكري معلن نحو دمشق، أو تهديد بفتحه، إلا أن خيار ضرب عمق العاصمة قد يكون آخر أوراق المعارضة وأهمها وأكثرها تأثيرًا.
(المصدر: الجزيرة)