بقلم أبو لجين إبراهيم
رواد المشروع العلماني أبهرهم الأنموذج الغربي، بكل تفاصيله، حتى ما يخص الجانب الاجْتِمَاعِيّ، والسلوكي، وتوهموا خطأً، أن ذلك كله من مقومات نهضة الغرب؛ ومِنْ ثَمَّ لا يمكن تجزئة هذا المشروع بحيث يستفاد من جوانبه العلمية ويطرح ما عداها من جوانب.
ووفق هذا التصور، راح أصحاب هذا المشروع يبشرون بين أيدينا بالأنموذج الغربي، باعتباره أُنْمُوذَجَاً فذاً، تغلب على معوقاته، وحل جميع إشكالياته، وانْطَلَقَ قطار النهضة فيه بلا توقف، وأن العقل يقتضي منا أن نركب ذات القطار قبل فوات الأوان.
وهم يجرون الأمة للاقتداء بهذا الأنموذج، كانت دعوتهم كذلك إلى تبني كافة مفردات هذا الأنموذج، وكان تركيزهم الشديد على محاور متعددة، يرون أنها القاطرة التي تقود قطار النهضة، وفي مقدمتها المرأة، حيث يرون أن تحريرها؛ مِمَّا يرون أنه من القيود الاجْتِمَاعِيّة والدينية، من أولويات النهضة ومقدماتها.
ولم يفطن رواد المشروع العلماني أن لكل مجتمع خصوصياته، التي إن فارقها ضل، وإن اقتبسها من غيره، لم يتقبلها نسيجه، ولفظها الجسد؛ لأنها لا تنسجم مع مكوناته وقيمه وتقاليده، التي تشكل المنصة التي يمكن أن ينطلق منها لأية مشروع نهضوي.
صحيح أن الأنموذج الغربي، يملك بعض ما نعوزه ونحتاجه، خَاصَّة في الناحية العلمية، حيث قطع فيها بوناً شاسعاً، لم تدركه أمتنا حتى اللحظة، ولا يسعها إلا أن تعتمد عليه، وتقتبس منه؛ لأن العلم حق للجميع، ثم تذهب تبني مجدها وتصارع الغرب في هذا المضمار.
أما القيم والسلوكيات والمعتقدات والاجْتِمَاعِيّات، فهي أبعد ما تكون عن الاقتباس؛ لأنها ثقافة الأمم وهويتها، ولا يمكن لأمة تريد نهضة أن تنسلخ من هويتها، وتذوب في هوية الآخرين، فهذا إن حدث، يعني انتكاسة وموتاً سريرياً لهذه الأمة وليس تقدماً.
إن رواد المشروع العلماني، مع انبهارهم بالتقدم الذي حازه الغرب، في مضمار العلم، لم يشاهدوا الوجه الآخر من العملة، حيث الشقاء المجتمعي، الناجم عن انغماس المواطن الغربي من أخمص قدميه حتى مفرق رأسه في وحل المادية المفرطة، والإباحية الجنسية، والشهوات الشاذة المنحرفة.
ولذا فإن أصحاب المشروع العلماني التغريبي، وقعوا في خطأ من اثْنَيْنِ، إما أنهم لم يقرؤوا الغرب بصورة علمية صحيحة، حيث كان تركيز العين والعقل على الجانب العلمي المنير، وإهمال النظر إلى بقية أركان الأنموذج المعتمة، وإما أنهم شاهدوا واختبروا الأنموذج بكافة تفاصيله، وأرادوا منا كأمة لها قيمها وأَخْلَاقياتها أن تتنازل عن ذلك كله لصالح أنموذج مسخ مشوه.
(المصدر: موقع تواصل)