مقالاتمقالات المنتدى

معركة كربلاء واستشهاد الحسين بن علي (رضي الله عنه): المعركة الفاصلة والمواقف من استشهاد الحسين (5)

 معركة كربلاء واستشهاد الحسين بن علي (رضي الله عنه): المعركة الفاصلة والمواقف من استشهاد الحسين

 

(المقالة الخامسة)

بقلم: د. علي محمد الصلَّابي (خاص بالمنتدى)

10 محرم 1444ه/ 8 أغسطس 2022م

أولاً: معركة كربلاء الفاصلة واستشهاد الحسين (رضي الله عنه)

في صباح يوم الجمعة عام 61هـ نظم الحسين – رضي الله عنه – أصحابه وعزم على القتال وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنته، وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايته العباس بن علي، وجعل البيوت وراء ظهورهم، وأمر الحسين بحطب وقصب فجعله من وراء البيوت، وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوهم من خلفهم، وأما عمر بن سعد فقد نظم جيشه، وجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي – بدلاً من الحر بن يزيد الذي انضم إلى الحسين-، وجعل على الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجال شبث بن ربعي الرياحي، وأعطى الراية ذويداً مولاه.

وبدأت المعركة سريعة وكانت مبارزة في بداية الأمر، وجُوبهَ جيش عمر بن سعد بمقاومة شديدة من قبل أصحاب الحسين، حيث إن مقاتلتهم اتسمت بالفدائية فلم يعد لهم أمل في الحياة، وكان الحسين – رضي الله عنه – في البداية لم يشترك في القتال، وكان أصحابه يدافعون عنه ولما قتل أصحابه لم يجرؤ أحد على قتله، وكان جيش عمر بن سعد يتدافعون ويخشى كل فرد أن يبوء بقتله وتمنوا أن يستسلم، ولكن الحسين – رضي الله عنه – لم يبدِ شيئاً من الليونة، بل كان – رضي الله عنه – يقاتلهم بشجاعة نادرة، عندئذ خشي شمر بن ذي الجوشن من انفلات زمام الأمور، فصاح بالجند وأمرهم بقتله، فحملوا عليه، وضربه زرعة بن شريك التميمي، ثم طعنه سنان بن أنس النخعي واحتز رأسه، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التغلبي، وزيد بن رقادة الحيني، ويقال أن المتولي للإجهاز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبي، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي، وكان قتله – رضي الله عنه – في محرم في العاشر منه سنة إحدى وستين.

وقتل مع الحسين – رضي الله عنه – اثنان وسبعون رجلاً، وقتل من أصحاب عمر ثمانية وثمانون رجلاً، وبعد انتهاء المعركة أمر عمر بن سعد بأن لا يدخل أحد على نساء الحسين وصبيانه، وأن لا يتعرض لهم أحد بسوء، وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونسائه ومن كان معه الصبيان إلى ابن زياد.

وكان الذين قتلوا مع الحسين – رضي الله عنه – من آل أبي طالب، فمن أولاد علي بن أبي طالب الحسين نفسه، وجعفر والعباس وأبو بكر ومحمد وعثمان، ومن أولاد الحسين: علي الأكبر غير علي زين العابدين؛ لأنه كان عنده علي الأصغر، وعلي الأكبر، وعبد الله، ومن أبناء الحسن قتل عبد الله والقاسم وأبو بكر، ومن أولاد عقيل قتل جعفر وعبد الله وعبد الرحمن، ومسلم بن عقيل قتل بالكوفة وعبد الله بن مسلم، ومن أولاد عبد الله بن جعفر: قتل عون ومحمد، ثمانية عشر رجلاً كلهم من بيت رسول الله قد قتلوا في هذه المعركة غير المتكافئة، والعجيب في هذه أن ممن قتل بين يدي الحسين بن علي – رضي الله عنهما – أبو بكر بن علي وعثمان بن علي وأبو بكر بن الحسن ولا تجد لهم ذكراً عندما تسمع أشرطة الشيعة، وتقرأ كتبهم التي أُلفت في مقتل الحسين، حتى لا يقال إن علي بن أبي طالب سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان، أو أن الحسن سمى على اسم أبي بكر، وهذا أمر عجيب جداً منهم.

وعن أنس قال: ولما أُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكت بالقضيب ثناياه يقول: لقد كان – أحسبه – جميلاً، فقلت: والله لأَسوءنَّك، إني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يلثم حيث يقع قضيبك. قال: فانقبض.

وفي رواية البخاري عن أنس قال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعله في طست، فجعل ينكت عليه، وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس: إنه كان أشبههم برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وكان مخضوباً بالوسمة.

ولما وصل نساء الحسين وصبيانه صنع بهما ابن زياد أن أمر لهم بمنزل في مكان معتزل فأجرى عليهم الرزق، وأمر لهن بالكسوة والنفقة.

وتذكر بعض الروايات التي لها ميول شيعية أن ابن زياد أمر بقتل كل من أنبت، ولعل مما يظهر كذب هذه الروايات حينما تذكر أن علي بن الحسين كشفوا عنه فوجدوه قد أنبت، فأمر ابن زياد بقتله ولكن شفاعة أخته زينب وتعلقها به حالت دون قتله، وليس صحيحاً كذلك أن ابن زياد قد أساء معاملة نساء الحسين بعد قتله، أو في ترحيله لهن إلى الشام، فالروايات التاريخية تخبرنا أن أحسن شيء صنعه ابن زياد أنه أمر لهن بمنزل في مكان معتزل، وأجرى عليهن رزقاً، وأمر لهن بنفقة وكسوة.

ويقول ابن تيمية في رده على بعض كذابي الشيعة: وأما ما ذكره من سبي نسائه والدوران بهن على البلدان وحملهن على الجمال بغير أقتاب، فهذا كذب، وباطل وما سبى المسلمون – ولله الحمد – هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – هاشمية قط، ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيراً، بل المرجح أن ابن زياد بعد أن ذهبت عنه نشوة النصر، أحس فداحة خطئه، وكان ذلك الشعور هو المسيطر على بعض أفراد أسرته القريبين منه، فقد كانت أمه تقول له: ويلك ماذا صنعت؟، أو ماذا ركبت؟ وكان أخوه عثمان بن زياد يقول: لوددت والله أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة، وأن حسيناً لم يقتل: فلا ينكر عليه عبيد الله قوله.

 ثانياً: مواقف رائعة بجانب الحسين (رضي الله عنه):

كانت هناك مواقف رائعة هزت مشاعرنا، وقد سطر التاريخ هذه المواقف لأصحابها لكي يتبين للناس أن في كل زمان شخصيات تقف إلى جوار الرجال؛ تقديراً لمقامهم، ورعاية لحرمتهم، وإظهاراً للحق في مقارنة الرجال إذا واجه بعضهم بعضاً، فهم يقدرون الرجال لمكانتهم الاجتماعية ويفضلونهم على غيرهم، لما يتصفون به من العلم والشجاعة والتقوى ولو كان غيرهم هم الحكام والأمراء، فلا الخوف من الحاكم ينسيهم قدر الرجال، ولا ظلم الحكام ينحرف بهم إلى النفاق والمجاملة، ولا المناصب التي يشغلونها تلهيهم عما يجب أن يكونوا عليه من الصراحة والشجاعة الأدبية ومن هذه المواقف:

1 – موقف الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (رحمه الله):

فقد امتنع عن استخدام الشدة والقسوة مع الحسين وإلزامه بالقوة أو قتله وقال: … والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسيناً، سبحان الله!، أقتل حسيناً أن قال: لا أبايع!، والله إني لا أظن امرءاً يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة.

وهكذا يقف الوليد هذا الموقف الرائع، وهو أمير المدينة يومئذ، وهو يعلم تماماً أن ذلك الموقف سيؤدي لا محالة إلى عزله عن إمارة المدينة، بل قد يزيد على ذلك، فيؤدي إلى قتله وهلاكه، وهو مع هذا يفضل هلاك الدنيا وزوال الملك والسلطان، على أن يلقى الله بدم الحسين (رضي الله عنه).

2 – موقف النعمان بن بشير (رضي الله عنه):

وكان أمير الكوفة، فإنه لما بلغه خروج الحسين بن علي – رضي الله عنهما – ووصول مسلم بن عقيل إلى الكوفة يأخذ البيعة للحسين، قام فخطب في الناس وحذرهم الخروج على الإمام، وأرهبهم من السعي في الفتنة، وذكرهم بما يجره على العامة والخاصة من الخراب والدمار، ومع ذلك كان ليناً مع الناس، وأخبرهم أنه لن يأخذ أحداً بظنه، ولن يقاتل أحداً لم يقاتله، ولكن شدد في نهاية الخطبة، وقال للناس: ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن لي منكم ناصر. ومع هذا فقد عاب عليه محبو الأمويين هذا الموقف ووسموه بالضعف، وقالوا: إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين، فقال: – رضي الله عنه -: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله، أحب إلي من أن أكون من الأعزِّين في معصية الله.

إن رضا الله – تبارك وتعالى – غاية يضحي المسلم في سبيلها بكل غاية، ويبذل في سبيل الحصول عليها كل غالٍ ونفيس، فرضوان الله هو النعمة العظمى التي سيتجلى الله بها على عباده المؤمنين في الجنة، يقول الحق – عز وجل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 72].

3- موقف الحر بن يزيد (رحمه الله):

وهو أول من لقي الحسين في جيش الكوفة، وهو الذي حال بينه وبين الرجوع إلى المكان الذي أتى منه، ولكنه مع ذلك كان نبيلاً في معاملته للحسين – رضي الله عنه – فقد قال له: أنا لم أؤمر بقتالك، ولكني أمرت أن أخرج بك إلى الكوفة إن وجدتك، ولكني أقول لك: اختر مكاناً لا يؤدي بك إلى الكوفة ولا يعود بك إلى المدينة، ثم أكتب بعد ذلك إلى يزيد بن معاوية أو إلى ابن زياد إن شئت، ولم يكد يصل الجيش وعلى رأسه عمر بن سعد بن أبي وقاص، وتواجه كلا الفريقين، وتأكد الحرّ أن الحرب دائرة بينهما لا محالة، قال الحر لعمر بن سعد: أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال عمر؟ إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي، عندئذ ضرب الحر فرسه، وانطلق به نحو الحسين، وانضم إلى جماعته، ثم قال: يا أهل الكوفة، لأمكم الهَبل، أدعوتم الحسين إليكم حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه؟!، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، ومنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة الوسيعة التي لا يمنع فيها الكلب والخنزير، وحلتم بينه وبين الماء الفرات الجاري الذي يشرب منه الكلب والخنزير، وقد صرعهم العطش؟ بئس ما خلفتم محمداً في ذريته، لا أسقاكم الله يوم الظمأ الأكبر إن لم تتوبوا وتتراجعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه، واعتذر الحر عن موقفه الأول من الحسين، وقبل الحسين عذره، فلما لامه بعض أصحابه عن الذهاب إلى الحسين قال: والله إني لأخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة غيرها ولو قطعت وحرّقت.

إن الحر بن يزيد – رحمه الله – غير موقفه من الحسين – رضي الله عنه – بعد أن جنح الحسين إلى السلم، ورأى أن موقفه ضده ليس فيه إنصاف ولا عدل، إذ كيف يقاتل رجلاً يدعو إلى السلم، ويطلبه، ويمد يده إلى عدوه ليصالحه، إن الرجولة تقتضي أن يكون الموقف مع هذا المسالم موقف العون وشد الأزر، وإن العقل يحكم بأن الحق مع من يطلب السلم وينشده، والحر يعلم أن الوقوف مع حسين والميل إليه ليس له معنى إلا الموت، ولكنه اختار الموت الذي يوصل إلى الجنة، ومما قيل في الحر بن يزيد التميمي من شعر ما قاله جعفر بن عفان الطائي:

ولم يك فيهم رجل رشيد   سوى الحر التميمي الرشيدِ
فواحزناه إن بني عليٍّ   وفاطم قد أبيدوا بالحديدِ

4- موقف النَّوار بنت مالك الحضرمية:

وهي امرأة خوليِّ بن يزيد الذي بعثه عمر بن سعد برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد، فلما بلغ خولي الكوفة قصد القصر، فوجد بابه مغلقاً، فتوجه بالرأس الشريف إلى بيته، فوضعه هناك تحت إجانة -والإجانة إناء تغسل فيه الثياب – ثم دخل على زوجته، وآوى إلى فراشه فقالت له زوجته: ما الخبر عندك؟

قال: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار، فقالت: ويلك جاء الناس بالذهب والفضة، وجئت برأس ابن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -! لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبداً، هذه امرأة انتظرت زوجها طويلاً، ولكن زوجها جاءها بما عكر عليها صفوها، وكدر عليها حياتها، وأفسد عليها انتظارها الطويل، لقد كانت ترجو أن يعود إليها زوجها بأخبار سارة تشرح صدرها، وتملأ عليها نفسها سروراً، نعم، إن عودة زوجها إليها سالماً هي أحسن خبر يحمله لها، ولكنه لم يعد إليها خالي الوفاض من الذهب والفضة اللذين يعود بهما المحاربون عادة فقط، ولو كان الأمر كذلك لسُرَّت بعودته، وسلامته، ولكنه حمل إليها رأس الحسين ابن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم إنه يبلغها الخبر بفرحة تدل على رضاه وسروره، أفتفرح هي بذلك؟ إنه لو جاءها بالخبر دون أن يكون مصحوباً بالرأس كان ذلك كفيلاً بزيادة حزنها وأسفها، فكيف وهو يحدثها بالخبر مقروناً برأس الحسين – رضي الله عنه -!، إن كل مؤمن يحزنه الخبر، ويهدُّ نفسه سماعه، لهذا غادرت النوار فراش زوجها، وأقسمت ألا تجتمع معه في بيت أبداً.

رابط كتاب “استشهاد الحسين بن علي (رضي الله عنه) ومعركة كربلاء لمؤلفه الدكتور علي محمد الصلابي تجدونه في موقعه الرسمي:

http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/8.pdf

#كتب_الدكتور_علي_الصلابي

#الصلاة_على_النبي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى