مقالاتمقالات مختارة

معركة ذكية وأخرى قذرة.. ما الذي يحدث في إدلب؟!!

معركة ذكية وأخرى قذرة.. ما الذي يحدث في إدلب؟!!

 

بقلم أحمد قنيطة

تقترب المعركة التي أطلقها الجيش الروسي لاحتلال محافظة إدلب في الشمال السوري من دخول عامها الأول، إذ بدأ الهجوم على قرى وبلدات ريفي حماة الشمالي وإدلب الشرقي خلال شهر رمضان الماضي، وأمام صمود وثبات أبطال الثورة السورية على جبهات القتال، وتكبيدهم لقوات “الحلفاء” خسائر فادحة في الأرواح والآليات؛ عمدت قوات الاحتلال الروسي والمليشيات الطائفية الداعمة له – كالعادة – إلى استخدام سياسة الأرض المحروقة، وقصف القرى والبلدات الآمنة بالصواريخ الفتاكة والبراميل المتفجرة، وارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين من النساء والأطفال؛ لإحداث أزمات إنسانية من شأنها التأثير على معنويات السوريين والمقاتلين على الجبهات، وعلى إثر ذلك تمكّنت قوات الاحتلال الروسي من السيطرة على عشرات القرى والبلدات المحيطة بمحافظة إدلب وصولاً إلى أطراف مركز المدينة، ما تسبب في أزمات هجرة ونزوح قاربت المليون مهاجر توجهوا نحو الحدود السورية التركية.

 ومع استمرار الهجمة الروسية المدعومة بالمليشيات الإيرانية ومليشيا حزب الله لتضييق الخناق على “إدلب المدينة”، تمكّنت الحملة الروسية من الوصول والسيطرة على قرى وبلدات استراتيجية محيطة بإدلب، كبلدات “خان شيخون ومورك وقلعة المضيق وغيرها” جنوب إدلب، وكذلك استطاعت المليشيات السيطرة على بلدات “جرجناز وسراقب ومعرة النعمان وغيرها” شرق إدلب، وبلدات “خان طومان وعندان وحيان وغيرها” غرب حلب، ما مكّن المليشيات التابعة لروسيا من السيطرة على الطريق الدولي الاستراتيجي  M5 (حلب – دمشق ) وتشغيل مطار حلب الدولي المعطّل منذ بدايات الثورة، وما زالت روسيا ومليشياتها تقاتل بشراسة وعنجهية حتى هذه اللحظة للوصول إلى بلدات “أريحا وجسر الشغور وغيرها” جنوب إدلب، بهدف السيطرة على طريقM4  (حلب – اللاذقية) تحت ضغط الهجمات الإرهابية المتواصلة على المدنيين في تلك المناطق.

وكانت دول تركيا وروسيا وإيران قد وقّعوا على اتفاقية خفض التصعيد “أستانة” التي استمرت في 14 جولة ما بين عامي 2017 – 2019م من المباحثات في العاصمة الكازخية ، والتي لم تلتزم روسيا وحلفائها مطلقاً بمخرجاتها، واستمرت في مهاجمة المناطق المشمولة باتفاقية خفض التصعيد، حتى سقطت جبهات وجيوب مهمة للثورة السورية في درعا وحمص ودمشق والقلمون وغيرها دون أن تحرّك تركيا “الضامن” ساكناً، وفي أيلول سبتمبر 2018 م بموازاة جولات “أستانة” توصّل الرئيسان التركي والروسي إلى اتفاقية “سوتشي” التي تقضي باستمرار خفض التصعيد في إدلب وإقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 كيلومتر داخل منطقة خفض التصعيد، وهو ما لم تلتزم به روسيا مجدداً؛ واستمرت في مهاجمة مناطق إدلب بهدف اخضاع الثورة والقضاء عليها بشكل تام، استعداداً لإعادة إنتاج النظام السوري وتسويقه في المنطقة من جديد.

ومع انطلاق العملية العسكرية التركية بإدلب؛ في ظل التحدي الكبير المتمثل في سيطرة الاحتلال الروسي على الأجواء بشكل تام في المدينة، تفاجأ الكثير من المراقبين والمتابعين بحجم القدرات التقنية والتكنولوجية الكبيرة التي يتمتع بها الجيش التركي، والذي أصبح الآن في مواجهة شبه مباشرة مع قوات الاحتلال الروسي في إدلب، وعلى الرغم من أن الجيش التركي خاض ثلاث معارك في الشمال السوري قبل عملية “درع الربيع” أمام مليشيات داعش والمليشيات الكردية الإرهابية في ريف حلب الشمالي، إلا أن معركة إدلب كانت بمثابة الاختبار الحقيقي لقوة وقدرات الجيش التركي الذي يواجه اليوم حرباً حقيقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى – وإن كانت حرباً محدودة حتى الآن – في مواجهة إمكانيات وقدرات الجيش الروسي من منظومات تجسس ومراقبة، ومرابض المدفعية والصواريخ، ومنظومات الدفاع الجوي وغيرها؛ حيث أن النظام السوري مجرد وكيل ينفّذ الأوامر الروسية فقط، ما يجعل المعركة القائمة في حقيقتها هي معركة “غير معلنة” بين الجيش الروسي والجيش التركي.

لقد أظهرت الضربات الجوية التركية بالطائرات المسيرة ذات التصنيع المحلي؛ قدرة عالية في تدمير الأهداف التي هاجمتها على محاور القتال المختلفة في إدلب، ودقة متناهية في تحييد الأرتال العسكرية ومرابض المدفعية ومراكز القيادة والسيطرة التابعة للنظام الطائفي، وأزاحت الهجمات الجوية كذلك الستار عن الإمكانيات الكبيرة للطائرات المسيرة ومنظومات التشويش والحرب الإلكترونية التركية وعلى رأسها منظومة (كورال KORAL) ذات التصنيع المحلي، والتي صُممت لخداع الرادارات المعادية سواءً التقليدية أو المعقدة، وقد استطاعت المنظومة التركية خداع الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي التي تفتخر بها روسيا، مثل منظومات (S300)  و ((S400 و(بانتسير-S1 ) ) و(PUK-M2 ) المتطورة، وأظهرت عجز وضعف فعالية المنظومات المنتشرة في معظم الأراضي السورية أمام الغارات المتواصلة بالطائرات المسيرة التركية؛ إلا إسقاط  طائرتين فقط مقارنة بكثافة الهجمات التي شنتها تركيا على مواقع النظام بالطائرات المسيرة.

وقد نشر الجيش التركي الثلاثاء 3/مارس مقطع فيديو يظهر فيه استهداف وتدمير منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة (بانتسير-S1 ) من قبل طائرة تركية مسيرة متطورة من نوع “بيرقدار” في محور سراقب شرق إدلب، والمنظومة (بانتسير-S1 ) حسب ما تقول روسيا قادرة على مجابهة جميع أنواع التهديدات المعادية سواء كانت طائرات مقاتلة، مروحيات، طائرات دون طيار، أو صواريخ كروز، ويمكنه كذلك – حسب التقارير الروسية-  تدمير الأهداف البرية والبحرية ذات الدرع الخفيف على مديات تصل إلى 20 كم، وبوسعه متابعة 20 هدفاً في وقتٍ واحد، وإطلاق الصواريخ على 4 منها، لكنّ التصوير الحراري التركي للاستهداف أظهر أن “بانتسير” كانت في وضعية التشغيل والتفعيل قبل استهدافها وتدميرها، ما يثبت فشل المنظومة الروسية “المتطورة” في التصدي للطائرات المسيرة التركية، ويضرب نظرية التفوّق الروسي في منظومات الدفاع الجوي، أمام التفوّق التقني والتكنولوجي التركي الذي أظهرته معركة درع الربيع.

وفي ظل الحرب القذرة القائمة على ارتكاب المذابح، وهدم البيوت والتهجير والتغيير الديمغرافي، التي يمارسها الاحتلال الروسي على الشعب السوري منذ التدخل في أحداث الثورة السورية عام 2015م وحتى الآن، نتج عنها مقتل ما يزيد عن 370 ألف مواطن سوري خلال( 8 سنوات ) بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو رقم كبير جداً مقارنة مثلاً بعدد الفلسطينيين الذي قضوا بهجمات الاحتلال الصهيوني منذ عام 1984م إلى الآن، والذين بلغ عددهم 100 ألف فلسطيني خلال ( 72 عام )!!، وكذلك هجرة ما يقارب 13 مليون سوري نزحوا داخلياً وخارجياً باتجاه تركيا وأوروبا، هرباً من القصف ورفضاً للاستقرار في ظل النظام السوري، وهذا الرقم يمثّل حوالي 60 في المائة من عدد السكان قبل الثورة، وهي نسبة نزوح مخيفة لم تشهدها دولة من قبل خلال العقود الأخيرة بحسب “مركز بيو للأبحاث”، وهذه هي طبيعة الاحتلال الذي يهدف إلى القتل والتشريد والتدمير وإلحاق أشد الخسائر بالمدنيين، كي يقتل فيهم روح المقاومة والصمود ويدفعهم للاستسلام ورفع الراية البيضاء، فكيف إذاً بالاحتلال إن كان روسيّاً؟؟!!

وأمام هذا الإرهاب الروسي والعمليات القذرة والهجمات العنيفة والبراميل “الغبية” التي استهدفت المدنيين الآمنين، تتدخل تركيا في إدلب بعملية عسكرية “ذكية” تكاد تكون من أنظف العمليات العسكرية في التاريخ – إذا اعتبرنا تجاوزاً أن هناك حرباً نظيفة – إذ أظهرت الفيديوهات والتقارير المنشورة أن الجيش التركي وجّه ضرباتٍ قاسيةٍ أشبه ما تكون بالعمليات الجراحية، بهدف تقويض القدرات العسكرية للنظام السوري وتحييدها، ومنعها من مواصلة هجماتها الإرهابية على المدنيين في إدلب، فجميع الضربات التركية كانت لأهداف عسكرية خالصة، الأمر الذي ينسف الدعاية السوداء التي يسعى النظام السوري لترويجها عبر وسائل إعلامه؛ أن تركيا تريد احتلال المناطق السورية طمعاً في توسيع نفوذها والسيطرة على ثروات السوريين ومقدراتهم، وهو ما أعجز الماكينة الإعلامية للنظام عن الظفر بأي مادة إعلامية تثبت استهداف تركيا للمدنيين الآمنين تدينها أمام الرأي العام العالمي.

شبح الطائرات المسيّرة التركية ما زال يُلاحق منظومات الاحتلال الروسي التي فشلت دفاعاتها الجوية “الأقوى في العالم” في التصدي للمسيّرات البدائية التابعة للفصائل الثورية في إدلب؛ حين كانت تهاجم قاعدة حميميم الجوية الروسية شرق مدينة اللاذقية، وسببت لها خسائر في عدد من الطائرات الحربية باعتراف الروس أنفسهم، واليوم تؤكّد الهجمات التركية بالطائرات المسيرة ضعف فعالية المنظومات الدفاعية الروسية في التصدي لهذا السلاح الخطير والفتاك الذي تتفوق به تركيا، وهو ما يضع تركيا في مصاف الدول الكبيرة في العالم، والتي يجب على الدول العظمى أن تحسب لها ألف حساب من جهة، ويُظهر قوة الثورة السورية وعنفوانها حين صمدت -وما زالت- أمام عنجهية الاحتلال الروسي وقدراته العسكرية الهائلة، وقدرتها على قلب الموازين وإفشال المخططات الرامية لوأدها وسحقها؛ إذا ما تم دعمها من بعض الدول العربية أو الإسلامية المناصرة لقضايا الشعوب العربية.

 

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى