معركة الوعي في العالم العربي حول “إسرائيل”
بقلم عبدالله الأشعل
شاهدت على إحدى الفضائيات العربية مؤخرا مناظرة بين شخصين الأول متحمس للتطبيع مع إسرائيل، والثاني ضد هذا التطبيع، ولكن المتحمس للتطبيع قدّم ثلاث حجج تدعم رأيه فأعجز الثاني الذي لا يملك إلا العاطفة السلبية ضد إسرائيل.
في هذه المقالة أريد أن أسلح المواطن العربي بالحجج العلمية التي تقطع بأن التطبيع مع إسرائيل هو تسهيل للسرطان من أن يتمكن من الجسد، وأن هؤلاء الذين يتحمسون للتطبيع هي الشوارد الحرة التي تشكل ستارا لانتشار السرطان.
فقد طرح المتمحس ثلاث حجج ليبرر حماسه للتطبيع مع إسرائيل، الحجة الأولى هي أن إسرائيل دولة قوية ومتقدمة وديمقراطية وأفضل من كل الدول العربية مجتمعة، وأنها هزمت جميع الدول العربية.
أما الحجة الثانية فإن شرعية إسرائيل تستند إلى وضعها في الأمم المتحدة واعتراف معظم دول العالم بها حتى لم يتخلف عن الاعتراف بها إلا الدول الدكتاتورية العربية والإسلامية.
وأما الحجة الثالثة فهي أن القرآن الكريم خصص فلسطين لبني إسرائيل وطرد الفلسطينيين منها لأن بني إسرائيل هم شعب الله المختار المدلل، وأن بقاء الفلسطينيين في فلسطين هو عدوان على حق اليهود في العودة إلى فلسطين.
وطبيعي أن يعجز المحاور الآخر عن مناقشة هذه الحجج، وهذا هو الجدال الذي يستخدم الباطل لكي يظهره على أنه الحق وحتى لا يظل المواطن العربي عاجزا عن الرد على هذه الحجج فنحن نتولى الرد العلمي تباعا.
بالنسبة للحجة الأولى صحيح أن إسرائيل تزعم أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأن العرب حولها هم أسوأ أنواع الاستبداد، وأن تقدمها راجع إلى ديمقراطيتها، ولكن الصحيح أيضا هو أن إسرائيل من مصلحتها استمرار الدكتاتورية العربية التي تاجرت بزعم أن الدكتاتورية في مواجهة الشعوب العربية ثمنها تحرير فلسطين من اليهود.
وكانت النتيجة أن إسرائيل لا يمكن أن تستمر في البقاء لو تحولت النظم العربية إلى ديمقراطية والصحيح ثانيا أن الغرب متواطئ مع إسرائيل ومع الحكام العرب لكي تبقى المنطقة تحت سيطرتهم وتبقى مقدراتها نهبا لهم وتبقى الشعوب العربية تعانى كل أنواع العذاب فإذا انفك التحالف الإسرائيلي الغربي مع الحكام العرب انفلتت الشعوب إلى عصر الانعتاق والاستقلال والرخاء فإسرائيل هذه هي السرطان الذى ينهش الجسد العربي واستدار لكى ينهش عقله، وهذا هو السبب في أن إسرائيل تزعمت الحكام العرب في قمع ثورات الشعوب العربية.
ثم إن الديمقراطية الإسرائيلية لليهود وحدهم، وأن الشعب اليهودي في إسرائيل يجمعه المشروع الصهيوني لاغتصاب فلسطين وقهر الشعوب العربية فهذه ديمقراطية العصابة ولا يمكن أن تحسب ضمن النظم الديمقراطية للعالم كما لا يمكن أن تعتبر إسرائيل امتدادا للحضارة الغربية وإنما هي وكيل للقوة الاستعمارية ووكلائها من الحكام العرب في المنطقة.
الحجة الثانية هي أن شرعية إسرائيل تكمن في مكانتها الدولية وعدد المعترفين بها. والحقيقة أن هذا معيار شكلي لأن إسرائيل لا شرعية لها فهي جزء من المؤامرة الاستعمارية على العالم العربي وفلسطين وظن العرب في البداية أن قرار التقسيم هو أساس شرعية إسرائيل.
ولكن هذا القرار تدليس على العرب، وكان مجرد خطوة في سبيل تمرير المشروع الصهيوني وعلى كل حال هذا القرار لا شرعية له لأنه يتناقض مع سلطات الجمعية العامة في ميثاق الأمم المتحدة بل أن الأمم المتحدة أصدرت عددا من القرارات التي استخدمتها إسرائيل للتعمية على هدفها الأساسي.
أما عضويتها في الأمم المتحدة فهي مشروطة بقرار الجمعية العامة رقم 273 في 9 مايو 1949 وهذه الشروط لم تف بها إسرائيل، وكان يجب إبطال عضويتها خاصة بعد أن أعلنت إسرائيل أنها دولة اليهود فقط، وأن اليهود يستردون أرض أجدادهم التي اغتصبها الفلسطينيون.
فالمحاور الخليجي متأثر بالرواية الإسرائيلية ولا يقوى عقله على التعمق في فهم هذه النقطة ثم أن إسرائيل لا تفي بالشروط الواردة في المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بالعضوية فهي ليست دولة لأنها نشأت على أرض أجنبية وأداة إنشائها، وهو قرار التقسيم لا تعترف به كما يناقض الميثاق ثم أن سلوكها يظهر أنها ليست محبة للسلام وأنها ليست قادرة ولا راغبة في احترام قرارات الأمم المتحدة حتى لو سلمنا بسلامة الأسس التي كسبت بها إسرائيل عضوية الأمم المتحدة فإن انتهاكها لكافة قرارات المنظمة الدولية بما فيها المحكمة العالمية تبرر طردها من الأمم المتحدة التي لا تكف عن احتقارها ومهاجمتها.
وأما عدد الدول التي اعترفت بإسرائيل فذلك راجع إلى أن إسرائيل قهرت مصر على صفقة كامب دايفيد التي كانت تحولا لسقوط الدبلوماسية العربية، والتي منعت دول العالم من الاعتراف بإسرائيل فاعتراف العالم بإسرائيل رغم كل ذلك راجع إلى ضعف العرب بل إلى التواطؤ العربي مع إسرائيل ضد الوطن العربي في مقايضة واضحة بين توحش إسرائيل واحتفاظ الحكام بعروشهم.
وأخيرا الحجة الثالثة التي ساق فيها المحاور نصا قرآنيا وهو “وإذ قال موسى لقومه أدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم“. وهذا النص يغري العامة والسفهاء بتفسير كذلك الذي قدمه المحاور الخليجي والثابت تاريخيا أن الفلسطينيين هم سكان فلسطين وأن قبيلة بني إسرائيل قبل موسى كانت تعيش تحت حكم الفلسطينيين، وقد اختار الله بني إسرائيل اختيار امتحان وليس تفضيلهم على غيرهم قد اختارهم الله دون غيرهم في البداية لكي يحملوا أول رسالة في عصر الرسالات بعد عصور الأنبياء، ولكنهم عجزوا وكفروا وارتدوا وارتكبوا الفواحش وحقت عليهم لعنة الله وعذابه بعد أن قص علينا القرآن الكريم قصتهم وكيف مد الله لهم في طغيانهم يعمهون ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر ثم أن احبارهم حرفوا التوراة وادعوا على الله مالم يقله.
ولذلك، قال القرآن فيهم أن الذين حملوا التوراة فلم يحملوها كالحمار يحمل أسفارا، وقال جلت قدرته “فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا…”.
فهو شعب مختار لاختبار إيمانهم وليس مختارا لكي يرضى الله عنهم وإنما نلمح في آيات الذكر الحكيم قصة بني إسرائيل التي نجدها في ثنايا الكثير من سور القرآن على سبيل الذم حتى توعدهم الله ونفذ وعيده بأن جعله قردة وخنازير.
ثم إن الله سبحانه جلت قدرته عن أن يخصص أرضاً لبعض خلقه فالاستيلاء على الأراضي متروك لتفاعل البشر والتدافع في الأرض ومن الحماقة أن يفسر القرآن الكريم بما يتناقض مع سلطان الله في ملكه.
وقد ذكرنا في مقال آخر نقطتين تتعلقان ببني إسرائيل، وهما “أدخلوها بسلام آمنين”، هذا ما قاله يوسف لأبويه وأسرته عندما استقدمهم من البدو إلى الحضارة ولا يمكن تفسيرها على أنها رخصة لليهود بأن يستولوا على مصر آمنين مطمئنين دون مقاومة أهلها فاليهود هم أول من خرج على الرسالة، ولذلك فإن عددهم قليل كما أنهم لا يعترفون برسالة عيسى التي نزلت أيضا عليهم فهم الشعب الذي انفرد بثلاثة أنبياء ذوي الرسالة فنزلت رسالة موسى ومعه هارون ثم رسالة عيسى خصيصا لبنى إسرائيل مصدقا لما معهم فاستحبوا العمى على الإيمان كما أنهم الشعب الوحيد الذي قتل أنبياءه وقال فيهم القرآن الكريم ما معناه أنهم يكذبون أنبياءهم أو يقتلونهم وهؤلاء الأنبياء جاؤوا بين موسى وعيسى وأبرزهم داود وسليمان.
وأخيرا، فإنني أقول لصاحب هذه الحجج أن اليهود حكموا فلسطين أقل من مائتي عام وأنت تريدهم أن يعودوا إلى حكم فلسطين وطرد أهلها بعد انتشارهم في الأرض وفقدوا وحدتهم وهم يسيرون على وصايا حكماء صهيون التي تعارض كل الاديان والأخلاق، ولو صحت هذه الرواية، فإن العرب المسلمين أحق بأن يعودوا إلى الأندلس التي حكموها ونشروا الحضارة فيها لأكثر من ثمانية قرون ولعاد العثمانيون إلى العالم العربي الذي حكموه عشرة قرون، وعاد الرومان إلى مصر التي حكموها أكثر من ستة قرون، ولعاد اليونانيون إلى مصر التي حكموها ثلاثة قرون، ولتغيرت خريطة العالم، ويجب عليك أن تعرض هذه الحجج على عقلك، وأن تفهم القرآن فهما دقيقا، وألا تحتكم إلى الآيات التي تخدم بصرك القاصر.
(المصدر: موقع بصائر)