معبدٌ إبراهيميّ أم مسجدُ ضِرار جديد؟!
بقلم حسين لقرع
يبدو أننا سنترحّم طويلا على اتفاق كامب ديفيد الذي اكتفت فيه مصر بتطبيع فوقيّ مع الاحتلال الصهيوني مقابل انسحابه من صحراء سيناء، ولم يكن هناك تطبيعٌ عميق يشمل مختلف مناحي الحياة منذ توقيع الاتفاق في مارس 1979 إلى حدّ الساعة، والأمر نفسه ينطبق على اتفاقية وادي عربة التي وُقّعت بين الأردن والكيان في 1994، الآن اختلف الوضعُ وأصبحت بعض دول التطبيع “تتفنّن” في الإلقاء بالمودّة إلى الاحتلال والارتماء في أحضانه حتى باتت تقدّم له تنازلاتٍ خطيرة تمسُّ العقيدة نفسها، لعلّ أخطرها إلى الآن هو إقامة معبد مشترَك للديانات الثلاث في أبو ظبي!
يحمل المعبدُ اسم “معبد الديانات الإبراهيمية الثلاث”، وقال سفير الإمارات في روسيا إنه سيُفتح لأتباع الإسلام والمسيحية واليهودية السنة المقبلة، وسيكون “مكاناً للتعلّم والحوار والعبادة، وسيركز على التقريب بين الناس من جميع الأديان”؟!
طيلة 14 قرنا ونصف قرن من تاريخنا الإسلامي، لم يكن هناك قطّ معبدٌ مشترَك لأتباع الديانات الثلاث في أيّ مكان في العالم، وقد جاور المسلمون اليهودَ سنوات في المدينة المنوّرة، ولكنّهم لم يصلُّوا قطّ في معابدهم وكان أول ما بنوه بعد الهجرة النبوية هو المسجد النبوي حتى يكون لهم جامعُهم الخاص الذي لا يدخله سوى مسلم موحِّد لله، وحينما فتح المسلمون القدس وتسلّم الخليفة عمر مفاتيحها، صلى خارج كنيسة القيامة ورفض الصلاة داخلها حتى لا يقلّده أحدٌ من المسلمين. الآن انقلبت الآية، وأصبحت الإمارات “تجتهد” لهذه الأمة في أمور دينها و”تُفتي” بإمكانية إقامة معبد مشترَك يحوي مسجدا وكنيساً وكنيسة تحت سقفٍ واحد، يؤدّي فيه المسلمون واليهود والنصارى صلواتهم، وتشرع فعلا في تشييده وتُنفق عليه أموالا طائلة، وهو ما يمنح لاحقاً حجّة إضافية للاحتلال لترسيم التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى المبارك بين الصهاينة والمسلمين، فضلا عن تحويل القدس الفلسطينية إلى “مدينةٍ إبراهيمية” وإضفاء الشرعية على احتلالها.
قبل معركة تبوك بقليل، بنى المنافقون “مسجدا” قرب قُباء، للإضرار بالمسلمين والتفرقة بينهم، فأمر الرسولُ صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بهدمه وإحراقه، ولا نرى هذا “المعبد الإبراهيمي” المزعوم لأتباع الديانات الثلاث، إلا مسجد ضرارٍ جديداً، أو أسوأ منه وأكثر شرّا؛ فهو لا يكتفي بالترويج للانبطاح للاحتلال تحت أسماء برَّاقة كـ”التسامح” و”السلام” و”التعايش بين الأديان”… بل إنه يمهِّد أيضاً الطريق لإحياء فكرة “وحدة الأديان” التي تدعو إلى إزالة الفوارق بين الديانات السماوية الثلاث وصهرِها في قالب دينٍ واحد، وليس لدينا شكّ في أن الإماراتيين سيهدمونه بعد أن يتخلّصوا من نظامهم الاستبدادي والمنبطِح للاحتلال، مهما طال الزمن.
من اتفاق إبراهيم إلى المعبد الإبراهيمي ووحدة الأديان، والقادم أدهى وأمرّ باسم “العائلة الإبراهيمية الواحدة”.. وعِش رجبا ترى عجبا!
(المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية)