مقالاتمقالات مختارة

معاني المفهومات .. تحرر الامة وخاصة شبابها من العقد | بقلم أبو يعرب المرزوقي

أخذت مفهومين يبالغ حداثيو العرب-وهم ممن تسكرهم زبيبة- في السخرية من أصحابهما ليس لان تأويلهما انحط بانحطاط الأمة ولا بتعمد بل لجهلهم بمعانيها.
فأردت -بفلسفة القانون الحديث والوضعي- بيان ضرورة المفهومين. فلا يمكن أن تخلو منهما دولة: الحاكمية شرط وجود الدولة والولاء والبراء شرط بقائها.
وقد أتمادى فأحلل جل المفهومات التي تنتسب إلى فلسفة السياسة الإسلامية لأحررها مما شابها من تشويه بعضه للجهل وجله من فنيات الحرب النفسية.
وانتظر أن يكون مثل هذا العمل مما لا يرضى عنه كلا الصفين: فأدعياء التأصيل وأدعياء التحديث ليسوا بالقابلين للعلاج المتحرر من التوظيف الإيديولوجي.
لكني لعلة لم أخفها لن أتردد في مواصلة الجهد. والعلة هي أني اعتبر أن الحرب النفسية قد أثرت في روح الأمة فأصبح الإسلاميون مستسلمين للابتزاز.
وهدفي هو تمكين الشباب من استرجاع الثقة في رؤاهم الفلسفية ببيان دلالاتها العميقة التي عمى عليها التشويه سواء لجهل أو لخطة حربية ضد الأمة.
وبذلك استكمل التفسير القرآني الفلسفي الذي يعرفه بكونه استراتيجية توحيد البشرية بطريقتين نقدية للتاريخ الروحي والسياسي وبنائية بنموذج فعلي.
ويتعلق النقد بالتحريف الذي شاب نماذج ما تزال فاعلية في عصر نزول القرآن من الأديان الطبيعية (الصابئية والمجوسية) ومن المنزلة وأصلها الشرك.
وهو نقد يبرز ما فيها من ديني وما فيها من تحريف للدين بمنهج التصديق والهيمنة حتى يحرر الإنسانية من المرضين اللذين ينتج عنهما تحريف الديني.
– والمرض الأول هو الوساطة الروحية التي توظف الدين في إنشاء طاغوت روحي (الكنسية)
– والمرض الثاني هو الوساطة المادية التي توظفه في إنشاء طاغوت سياسي.
وكل التحريفات تأتي من الحلف بين الطاغوتين: أحدهما له سلطان الدنيا والثاني سلطان الأخرى فيكون الإنسان عبدا خلقيا وماديا لهذين الطاغوتين.
وهذا هو جوهر سورة آل عمران التي تبين علة وجودهما (آل عمران 7) وغايته (آل عمران 79) أي إن تأليه عيسى هو رمز الطاغوتين: عبادة العباد للعباد
والطاغوتان يشتركان في الاعتماد عليهما كلا الصفين: التأصيلي والتحديثي.
وقد بينت الثورة ذلك بوضوح ففضحت النخبتين المتحالفتين مع الثورة المضادة.
ويخطئ من يتصور العلمانيين والليبراليين غنيين عن الطاغوت الروحي. فالإلحاد مثلا ليس عديم الطاغوت الروحي. كل ما في الأمر أنه أدمجه في الطبيعة.
وهو بذلك ومن حيث لا يعلم نكص إلى الأديان الطبيعية التي تؤله القوى الطبيعية وخاصة ما يعبر فيها عن القوة المادية والعنف: سلطان العجل الذهبي.
وينتج الإدماج عن بتر المعادلة الوجودية: يلغي القطب الإلهي برده إلى قوى الطبيعة. والنتيجة الحتمية إلغاء القطب الإنساني: التفسير المادي للتاريخ.
فتصبح المعادلة الوجودية: طبيعة تاريخ وبينهما الإنسان ريشة تتقاذفها قوى الطبيعة والتاريخ المادي ويكون الإنسان ريشة يتقاذفها قانون العجل.
لكن القطبين اللذين يبقيان مفقودين بالغياب التصوري يوجدان بالخانة الخالية التي تمثل الصراع العدمي الذي يملؤها بميلودراما الفلسفة الوجودية.
والفلسفة والوجودية هي دين العدمية التي تحول وجود الإنسان إلى كلام على الحرية الغائبة فعليا نتيجة لفقدان النفس المطمئنة القادرة على الفعل.
وهو ما يؤول إلى ما سميته بإدمان المخدر الوجودي: يصبح هم الإنسان التخلص من “عبء” الحياة الفاقدة لكل معنى فيطلب ما يسميه باسكال باللهو.
واللهو هو الهروب من الذات بأي مشغل مهما كان فلا تبقى للحياة أدنى لذة عدى الغرق في اللامتناهي الزائف: ومن علاماته “الموبايل” والثرثرة الدائمة.
وهو التواصل المبني على التباعد: فبدلا من رؤية المحبوب يكفي مهاتفته أو رؤيته عبر مواقع التواصل الاجتماعي. تحاضر بتلاق عن بعد بين صور المتواصلين: فضاء افتراضي.

(المصدر: موقع أبو يعرب المرزوقي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى