مقالاتمقالات مختارة

معالم في الأساس التربوي عند “العدل والإحسان” المغربية (4من4)

معالم في الأساس التربوي عند “العدل والإحسان” المغربية (4من4)

بقلم عمر أمكاسو

تعدّ جماعة العدل والإحسان، واحدة من كبريات الحركات الإسلامية في المغرب، وعلى الرغم من أن لها قيادات معروفين ومواقع رسمية على الإنترنت، فإن السلطات المغربية لا تزال تعدّها جماعة محظورة، وهو تصنيف ترفضه الجماعة، وتقول إنها حصلت على ترخيص رسمي في الثمانينيات.

بعيدا عن الإشكال القانوني والسياسي، تفتح “عربي21” ملف المقومات الفكرية والسياسية لجماعة العدل والإحسان، بقلم واحد من قياداتها، وهو الدكتور عمر أمكاسو، وهو بالإضافة لصفته باحثا في التاريخ، فهو مسؤول مكتب الإعلام وعضو مجلس الإرشاد في الجماعة.

سابعا: المحاضن التربوية

وفاء بأهمية الأساس التربوي ومركزيته، تحرص جماعة العدل والإحسان أن تجعل من كل مجالسها ولقاءاتها محاضن تربوية، بل تعتبر كل أنشطتها أنشطة تربوية بالأصالة، ومن ذلك الحرص على افتتاح أنشطتها بحصة ذكر الله تعالى، فضلا عن الافتتاح بالقرآن الكريم، وتثبيت حصة قيام الليل في لقاءاتها التي يكون فيها مبيت…

وفي نفس السياق، تعقد جماعة العدل والإحسان عدة محاضن تربوية توليها عناية كبرى، وتُنَزِّل من خلالها برامجها التربوية، وأهمها:

1 ـ عمارة المسجد:

تعتبر الجماعة عمارة المسجد من أوكد الواجبات، فمنها ينطلق المؤمن في سبح النهار وإليه يفيء بعد كدحه وسعيه في طلب الرزق. قال الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ” (التوبة: 18)،ف”مهد الإيمان بعد الأم التقية والأب الورع هو المسجد، ومِن المسجد وبروح المسجد ولزوم الصلوات الخمس ومجالس العلم والذكر والإيمان في المسجد يندمج الطفل اندماجا عضويا في الجسم الحي المتوالي في الله، المتحاب الملتحم (ياسين، تنوير المؤمنات، 1/115)، وفي المسجد يُسمِع الواعظ المربِّي كلمةَ الله إلى الإنسان، وتُشِعُّ الكلمة الحق على العامة والخاصة. ويبلغ المد التربوي مداه…(ياسين،حوار الماضي والمستقبل، ص144.). ورغم ما تعانيه مساجدنا من حصار وتأميم، فإن ذلك ينبغي ألا يتخذ مبررا لهجرانها، بل نعمرها، ونسعى لتحريرها لتسترد وظيفتها المركزية في الحياة.

2 ـ الجلسات الإيمانية للأسر الدعوية:

تنظم الأسر الدعوية، وهي أصغر وحدة في تنظيم الجماعة، عدة جلسات ليتربى فيها مرتادوها على شعب الإيمان، ويواكبوا مستجدات الجماعة، ويعمقوا آصرة الأخوة فيما بينهم. ويوفر تنوع هذه الجلسات حيوية أفضل، ويقلل من الرتابة.

وأهم هذه الجلسات:

ـ جلسة تعليمية عادية: تنعقد كل أسبوعين، تستغرق حوالي ساعتين ونصف ويحضرها أعضاء الأسرة. وتخصص للمواد التعليمية من تفسير وفقه وحديث وسيرة ومنهاج…
ـ جلسة تعليمية خاصة (جلسة جامعة): تنعقد شهريا، ويحضرها أعضاء أسرتين أو  ثلاث أسر، وتخصص للتأطيرفي مواضيع محددة، بإشراف طواقم فرق العمل المتخصصة بالجهة التنفيذية (التعليم والتكوين، أوالدعوة والتواصل أوالتأطير السياسي، أو الأسرة والطفل…)
ـ الجلسة التربوية: تنعقد بمعدل جلسة تربوية كل أسبوعين، أي بتعاقب مع الجلسات التعليمية. وتخصص لمواد تربوية صرفة مثل حفظ القرآن الكريم، والذكر والإفطار الجماعي بعد صيام، وتتوج بالمبيت وقيام الليل وجلسة الشروق وغيرها، ويحضرها أعضاء أسرتين أو ثلاث أسرة، وتؤطرها طواقم الفرق المختصة في الشأن التربوي (لجنة التربية والنصيحة، أو لجنة القرآن الكريم..)
ـ اللقاء الجامع للشعبة: ينعقد بدورية شهرين، يحضره جميع أعضاء الشعبة، التي تعد ثاني وحدة في تنظيم الجماعة. ويعتبر مجلسا تربويا وتعليميا وتوجيهيا مكملا للجلسات التعليمية والتربوية.

3 ـ الرباطات والاعتكافات:

يقول تعالى: “﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.”(سورة آل عمران، 200)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ”. قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ “إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِد،ِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ” (صحيح مسلم).

تعتبر الجماعة الرباطات مما يحقق هذه المعاني، وهي وسيلة لاكتساب متطلبات الرجولة الإيمانية، والتخلص من صفات الرخاوة والتسيب، والتدريب العملي على الأوراد اليومية التي يؤطرها يوم المؤمن وليلته.

والرباطات محاضن إيمانية مطولة، وهي واسطة عقد محاضن الجماعة، وهي: “مدرسة تربوية يتحقق فيها الجمع والانجماع… تنتشلنا من أودية الغفلة، فالإنسان في حياته اليومية المعيشية وحتى الحركية الدعوية ينسى الأصل ويبتعد عنه، فهي تنتشلنا من هذه الوهدة، وتعود بنا إلى أصلنا الذي هو الصحبة والجماعة والذكر والصدق… الرباطات محطاتٌ نجدد فيها إيماننا بقول لا إله إلا الله، نجدد فيها توبتنا إلى الله سبحانه وتعالى عز وجل، نجدد فيها عزائمنا… لا ينبغي أن نتخلف عنها لأنها تحيينا حياة إيمانية، حياة أخرى نتزود فيها بالزاد الروحي… الرباطات محطات تجمعنا على الله سبحانه وتعالى عز وجل، وتوحد قلوبنا، وتوحد صفنا، وتجعل لحمة الجماعة قوية” (فضيلة الأمين العام للجماعة محمد عبادي، من كلمته في ختام الرباط المركزي بسلا في 07/2017).

تنظم هذه الرباطات في فترات غير متباعدة، وتشمل:

ـ رباطات فصلية: من يومين إلى ثلاثة أيام، مثل: الرباط الخريفي والشتوي والربيعي.
ـ رباطات سنوية: كاعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
ـ الرباط المركزي الجامع: يستغرق عشرة أيام، وينظم مرة في السنة، بحضور قياديي الجماعة من الإخوان، وتلتحق بهم القِيَّادِيّاتُ من الأخوات في الأيام الثلاثة الأخيرة. وبرنامجه يركز على الأساس الإيماني الإحساني، بما في ذلك حفظ وتعهد القرآن الكريم، والاستغراق في الذكر، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيام الليل، ومدارسة مشروع الجماعة.

 

ـ الرباطات الصيفية: قد يستغرق بعضها أربعين يوماً، أو عشرين يوما أو عشرة أيام حسب المتاح والممكن، ويعقد هذا النوع من الرباطات خلال العطلة الصيفية، ويخصص للأساس التربوي.

4 ـ مجالس النصيحة:

تعد مجالس النصيحة جوهرة محاضن الجماعة، وهي مجالس إيمانية نصف شهرية أو شهرية، تعقدها الجماعة بانتظام، يُتَعَلَّم فيها الإيمان والإحسان، وتتغذى فيها القلوب والأرواح، يستغرق برنامجها ما بين العشاءين إلى شروق شمس الغد، ويتنوع ما بين تلاوة القرآن الكريم ومدارسته، وذكر الله، وسِيَر الصحابة الكرام رضي الله عليهم، ومدارسة كتب الإمام المرشد وخاصة كتاب “الإحسان”، وقيام الليل، والاستغفار بالأسحار والتسبيح والدعاء…ولا يأخذ حضورها الصبغة التنظيمية الإلزامية، إذ المعوّل فيه على التطوع والرغبة، والاستعداد والقابلية.

عمّت هذه المجالس مختلف مناطق المغرب بوتيرة متدرجة، بعد الرسالة التي وجهها مرشد الجماعة رحمه الله إلى أول رباط عُقِد لتدبير وتنظيم مجالس النصيحة في نونبر 1997م. وسماها الإمام المجدد “مجالس النصيحة” انطلاقا من الحديث الشريف الذي رواه مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ”. قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: “لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ” (للاستزادة يُنظر نص رسالة الإمام عبد السلام ياسين حول مجالس النصيحة، مؤرخة بـ 5 رجب 1418هـ، في https://www.yassine.net/ar/2020/09/مجالس-النصيحة/؛ وكذا كتاب “دليل النصيحة” للأستاذ منير الركراكي، عضو مجلس إرشاد الجماعة).

ولأهمية مجالس النصيحة، وتقديرا لقيمتها التربوية، تحظى محطاتها المركزية (3 أو 4 في السنة) بالإشراف المباشر لأعضاء مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان.

ويجدر التنويه إلى أن الجماعة تنقل فقرات من بعض الرباطات ومجالس النصيحة المركزية على الهواء مباشرة عبر قناتها الرسمية “الشاهد” في ظل ظروف الاحترازات التي فرضتها جائحة كوفيد 19، عجل الله برفعها عن الإنسانية جمعاء. (أنظر نموذج من ذلك في الجلسة الختامية للرباط الجامع في رمضان 1441: https://www.youtube.com/watch?v=aX7I4xNyCO0 )).

5 ـ مدارس القرآن الكريم:

وهي محاضن خاصة بتعلُّم كتاب الله تعالى وتعليمه ومدارسته والتخلق بأخلاقه. ففي الحديث: “إن أفضلكم من تعلّم القرآن وعلّمه” (صحيح البخاري).

6 ـ مجالس الحديث:

هي مجالس لقراءة الحديث النبوي الشريف والتففه فيه، بنية الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم. ويتم فيها غالبا مدارسة كتاب “شعب الإيمان” للإمام المرشد رحمه الله.

7 ـ مجالس الذكر:

وهي مجالس تخصص حصريا للاستغراق في ذكر الله تعالى، في فقرات تتنوع بين تلاوة كتاب الله عز وجل، وذكر الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله)، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغفار والتسبيح، وغيره من الأذكار المسنونة المؤصلة.

8 ـ المخيمات:

دأبت الجماعة على تنظيم مخيمات صيفية باعتبارها محاضن للتربية والتعارف وتبادل التجارب، واكتساب المهارات، والتأطير، بعيدا عن ضوضاء الحياة اليومية، فضلا عن دورها في الاستجمام والترفيه؛ وقد فتحت بعض هذه المخيمات لمن يرغب في الاستفادة منها، ولقيت إقبالا كبيرا ونجاحا باهرا، (مثلا قدر عدد المشاركين في مخيم سيدي بونعايم نواحي الدار البيضاء صيف 1999 حوالي أربعين ألف، أغلبهم من الأسر). مما جعل السلطات تتدخل بكل وسائل بطشها المعهودة لمنعها ووأد حق المواطنين في الاستمتاع بمخيمات ملتزمة وهادفة. (يمكن الاطلاع على نموذج من هذه المخيمات في الروبورتاج التالي: https://www.youtube.com/watch?v=d4ypepEGcfk).

ثامنا: تنبيهات متعلقة بالأساس التربوي:

وجب التنبيه في الأخير أن الإمام المربي عبد السلام ياسين رحمه الله حَذَّر من عدة مخاطر تكتنف المسيرة التربوية، وتهددها، وقد تزيغ بها عن الجادة، ويمكننا إجمالها فيما يلي:

1 ـ ليس ظهور الكرامة شرطا في الولاية: الكرامة ثابتة لأولياء الله، غير أن ظهورها ليس شرطا في الولاية. كما أن المعجزة والكرامة لحظة استثنائية في حياة النبي والولي، وأعظم كرامة لزوم الاستقامة.

2 ـ طلب الفتح لذاته فتنة والمطلوب الاستقامة إلى الله: المقصود هنا بالفتح ما يسميه السالكون الفتح في مجال الكشف الغيبي، فالتعلق بهذا الفتح والتماسه بالدعاء والتضرع والأذكار الخاصة حجاب عن الله عز وجل وفتنة. إنما يطلب المؤمن الصادق رِضَى الله ووجهَ الله ودوامَ الاستقامة، فهي طريق الكمال لمن هداه الله عز وجل واتَّبَع السنة المصطفوية.

3 ـ من سبق فتحُه جهادَه لنفسه لا يأتي منه رجل: لوجود علة النفس الميَّالة للفرح بزينة الدنيا وللطغيان إذا استَغْنَتْ، فمما يُخْشى منه على السالك أن توقفَه عن السير وتُزيغه عن القصد بوادرُ الفتح، إن فاجَأته قبل أن تزكُوَ نفسُه، وترتفع عن المطالب الدنيا.

4 ـ العلوم القلبية الإحسانية، مثل الاجتهاد العقلي تُخْطِئُ وتصيب: مراتب الهداية القلبية كالإلهام والرؤيا الصادقة والفراسة والمخاطبات الخاصة بالأولياء والكشف، وما إلى ذلك مما اصطلح عليه أهل هذا الشأن، وإن كانت من صميم الدين، ليست من أدلة الأحكام الشرعية. ولا تُعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه؛ إذ لا عاصم من الزيغ العامد، والخطإ غير الراشد إلا معيار التمسكِ بظاهر الشريعة.” الفراسة مثل الاجتهاد العقلي تُخطئ وتصيب، ما هنالك معصوم سوى النبيئين. فالعاصم من الخطإ الشرعُ” (الإحسان 2 ص 47).

5 ـ الاشتغال بالخلافيات والسُّكْريات انحطاط من الأفق العلي، أفق العلم القرآني النبوي: والذي علينا أن نبلُغَ الجهد لكسبه، هو أن نؤسس تربية المجاهدين، وتربية سائر المسلمين، على الصواب لا على الخطإ، وعلى التسامح لا على العناد والشقاق، وعلى طرح الخلافيات والسُّكْريات التي تجاوزها العلماء والأولياء المتشاكسون أنفسهم قبل موتهم، وعلى التسليم لله عز وجل والاعتراف بفقرنا وعجزنا عن معرفته، إذ هذا العجز مع التسليم لما أخبر به الشرع هو قمة العرفان (ياسين، الإحسان ج 2/279).

6 ـ التبلد أمام القدر، والاستكانة والمسكنة والخمول، انحراف عملي خطير: المؤمن القوي، والجماعة المؤمنة، مأموران باتخاذ كل الأسباب المتاحة المعتبرة شرعا لتحقيق كل الأهداف المأمور بها شرعا. وألا يشتغلوا بأمر الله الكوني وقضائه في العباد، عن أمره الشرعي التكليفي. (ياسين، الإحسان ج 2/300).

7 ـ الاغترار بالعمل والمظهر خطر ماحق: التزكية المكروهة المنهي عنها الذميمة هي اغترار العامل بعمله، والمصلي بصلاته، والملتحي بلحيته، والمتحجبة بحجابها، يتغذى المُزكون لأنفسهم بغرورهم حتى يغشَى أعينَهم منظارٌ يُريهم الناسَ جميعا هلكى، وهم الناجون. ويخرجون بعدئذ نقمة على البلاد والعباد (ياسين، محنة العقل المسلم، ص63.).

8 ـ غلبة الأحوال بلاء وخطر على السالك: غلبة الأحوال بلاء ومحنة، وموقف الشرع في أصحابها أن يُعْذَروا كما يُعْذَر النائم والمجنون والمُغْمَى عليه، رُفِعَ عنهم التكليفُ، فما يَطلُبُ تلك الأحوالَ ولا يغترُّ بها إلا ناقصُ العلم ساقِطُ الإرادة عن معالي المقامات وأشرافها (ياسين، الإحسان ج 2، ص 521). ومن الأحوال ما هو نفسانيٌّ شيطانيٌّ ينزل بصاحبه دركاتٍ عن مرتبة عوام المسلمين، بل كل المغلوبين بالحال، لا يُصْحَبُون، ولا يُقْتَدى بهم. وهم خطرٌ على السالك (ياسين، الإحسان ج 2/256).

9 ـ لا يُسمع كلام مَن يَتَّجِرُ في آيات الله، ومن يعطي أذكاراً من عنده للتبرك: فإن الحدود الفاصلة بين ذلك وبين السحر لا تتبيّنها العين المجردة (ياسين، تنوير المؤمنات، ج1/358).

10 ـ اِدّعاءُ العصمة لأحد دون النبوة تجاوز لكل الحدود، وفتح لترعة لا تُسَد: وكم جنى ذلك على المسلمين ولا يزال (ياسين، الإحسان ج1/107)

على سبيل الختم لموضوع “الأساس التربوي”

عموما، يُعطي منهاجُ الجماعة الأولويةَ والأسبقيةَ المطلقة للتربية الإيمانية الإحسانية، ويجعلها منطلقا وشرطا ولازمة للتغيير، ويعتبر أن مطلب العدل والإحسان بدايته الوحيدة الصحيحة هي التربية ثم التربية ثم التربية، وهو منهاج يجمع التربية الإيمانية الإحسانية بالجهاد بأبوابه المتعددة، ويجمع الهمَّ الفردي بالهم الجماعي، ويجمع العقلَ بالقلب، ويجمع مطلبَ العزة والكرامة للأمة بتشوف الفرد إلى الدرجات العلى في الآخرة، وهو منهاج يجمع الأصالةَ بالانفتاح على متطلبات العصر والمستقبل، وهو منهاج يتميز بالتكامل والشمولية والأصالة والغائية .

إن الأمة اليوم في حاجة ماسة لاكتشاف معالم هذه التربية الإيمانية الإحسانية، وصُوى السلوك الإحساني المبثوثة في كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الأكابر من الصحابة والآل والعلماء العاملين. كما أن الإنسانية اليوم في أمس الحاجة إلى اكتشاف منهاج تربوي يعطي للوجود الإنساني معنى، ويٌخرجه من ريبة الشك وسجن العقلانية ومحدودية البراغماتية وبَلادة الإلحاد، وسيولة الحداثة إلى نور الفطرة وحلاوة الإيمان وولادة القلب ويقين الإحسان.

يقول الإمام المرشد في كلمة جامعة تلخص جوهر هذه التربية وماهيتها :” وطوبى لأهل زماننا إن شمَّروا للالتحاق بركب الأخيار على متن الجادة الجهادية التي سلكها الصحابة حتى نصروا الدين وأقاموا للإسلام دولة وصرحا شامخا، تلك الجادة أوسع وأبعد منالا وأوفر نورانية، لأنها جمعت بين الجهاد لتحقيق مطالب الأمة وبين المجاهدة لتحقيق المطلب الإحساني الفردي” (ياسين، الإجسان، ج1، ص 55).

وختاما، يجدر التأكيد أن التربية في تصور جماعة العدل والإحسان ليست كلاما ونصوصا، بل هي سلوك يومي فردي وجماعي على مدارج شعب الإيمان في حِضْن صحبة ربانية، وفي صف جماعة مجاهدة من أجل بلوغ الغاية الإحسانية الفردية وتحقيق الهدف الاستخلافي العدلي الجماعي.

وهذا الموضوع يجسد الهويةَ الأساسيةَ للجماعة، ورسالتَها لعامة المسلمين وخاصة فصائل الحركة الإسلامية، التي يُعاني أغلبها مزاحمة باقي الاهتمامات، وخاصة التدافع السياسي والفكري لهذا الأساس العظيم من أسس ديننا، إلى حد الإقصاء أو الإهمال أو اعتباره مجرد شأن فردي متروك لهمم الأعضاء وذممهم..

وقد ركز الإمام ياسين رحمه الله على هذا الأمر الجَلَل، وجعله محورَ دعوته تنظيرا وتنزيلا، واعتبره أسمى وأجلَّ ما دعا إليه، حتى إن البعض صنفه، خَطَأ أو لَمْزا مقصودا، من دعاة الصوفية، قال رحمه الله في كتاب الإحسان، ج1، ص 19 ـ 20 “لستُ أدعو إلى التصوف، ولا أحِبُّ الاِسمَ والشكلَ، لأني لا أجدهما في كتاب الله وسنة رسوله، بعد أن اخترتُ جِوارَ القرآن والجلوسَ عند منبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا، ولا حاجة لي بالمصطلحات المحدثة، فلي غِنَى عنها بلغة القرآن وبيان إمام أهل الإحسان. لكن الحق الذي مع الصوفية، حق حب الله تعالى، وابتغاء وجهه، وإرادة الوصول إليه، والتماس الطريق لمعرفته، وما يكرم به الحنان المنان المصطَفِيْن من عباده، حق ثابت في القرآن والسنة، ثابت في حياة من تَعَرَّضَ لنفحات الله، وصَدَقَ في الله، وذكر الله وسار إلى الله. ذاك حق شَهِد به الرجالُ تَحَدُّثا بنعمة الله عليهم، وأنا أسعدُ الناس إِنْ كان لِشهادتي سامعون واعون هَبُّوا من سُباتِ الغفلة لِصَرْختي هذه الهادئة، وتَيَّقَظوا يقظة القلب، وتَجافَوْا عن الحياة الدنيا، وفزعوا إلى من يدلهم على الله حتى يعرفوا الله. أنا أسعدُ الناس إذاً إنْ حصل في ميزان حسناتي أفواجٌ من المحسنين كُنْتُ لهم صوتا يقول: مِنْ هناالطريق، من هنا البداية”.

بهذه الحلقة، أنهي سلسلة التعريف بجماعة العدل والإحسان، باعتبارها من كبريات الحركات الإسلامية، حيث حاولت في هذه الحلقات الأربع عشرة، التعريف بمرشدها ومؤسسها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، وإبراز أهم المحطات في تاريخها، وأهم جوانب تصورها التربوي والفكري والسياسي، ومكانة المرأة في مشروعها، من خلال استقراء كتب ووثائق الجماعة.

ولا إخال الإحاطة بالموضوع من كل جوانبه، لكن، حسبي تسليط الضوء على ما أعتبره مهما وأساسيا لبناء فكرة واضحة عن هذا الفصيل الإسلامي. وأرحب بتفاعلات وملاحظات وانتقادات القراء الكرام، وخاصة المتابعين للحركات الإسلامية والمنتمين لها.

كما لا يفوتني شُكْرُ موقع “عربي21″، الذي أتاح لي هذه الفرصة، وشُكر من تابع وصحح وشجع….والله المستعان، وله الحمد والثناء من قبل ومن بعد، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام.

المصدر: عربي21

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى