مقالاتمقالات مختارة

مطاردات لذيذة خلف الكتب (3)

بقلم أحمد بن عبد المحسن العساف

لقد كانت جلستي مع رفاقي في منتزه مداخيل الصَّحراوي، في محافظ العلا الفاتنة، سببًا في كتابة هذه المقالات، وما أحسن أن يكون الإنسان شريكًا في بعث ما يفيد، أو تحريك ما سكن مما شأنه الحراك، أو تسكين ما لا يصلحه إلاّ السّكون، والبركة متفرقة بين الأشخاص، والمواضع، والنَّواصي، فاللهم اجعلنا مباركين نافعين.
وأكمل اليوم كتابة المجموعة الثّالثة من هذه المطاردات، ولا أعلم هل سأنشط لرابعة أم أكتفي بما مضى فقط، وعند كلّ واحد من الأمرين حجة ظاهرة، فالتّوقف بعد الثّالثة يحتج بدفع الملل، وتجنب السّأم من التّكرار، والتقاط الأنفاس، والحثُّ على الرّابعة يأوي إلى ركن شديد من التّجديد، فضلاً عن الواجب تجاه أهل الفضل؛ وحتى يترجَّح لي أي الطّريقين أصوب، أترككم مع هذه المجموعة.

الكتاب الممزّق:
الاطلاع على مقالات كبار أدبائنا مهم للكاتب، وقد جمعت عدداً من كتب مقالات كتَّاب العربيّة، ونقص من مكتبتي مقالات ناشر الرِّسالة أحمد حسن الزَّيات بعنوان: وحي الرِّسالة: فصول في الأدب والنّقد والسّياسة والاجتماع، فأحضرها لي أخي المحامي سعود-أدام الله سعادته-، واتصل بي من عند البائع في مصر، وقال بأنَّ الكتاب منزوع الغلافين؛ لكنَّه كامل المحتوى، فطلبت منه شراءه.
ولما عاد للرِّياض سلَّمه لابني عبد المحسن وكان طفلًا حينها، ثم أخذت الكتاب للتَّجليد عند صاحبي المصري الذي أمازحه دومًا بقولي: أصابعك من ذهب! فجلَّده عبد العزيز وتفنّن، وحين رآه ولدي لم يصدِّق، وأصبح كلمَّا دخل عليَّ المكتبة يسأل: أين الكتاب الممزّق الذي أحضره عمِّي؟!

الطّريقي وشيءٌ من حتى:
منذ زمن بعيد وأنا حريص على تتبع سيرة أول وزير نفط سعودي، الشَّيخ الجيولوجي عبد الله الحمود الطّريقي، وكنت ولا زلت أعتقد أنَّ سيرته الكاملة لما تكتب بعدُ كما يستحق، وحين سمعت أنَّ المؤلف والمؤرخ محمَّد بن عبد الرّزاق القشعمي -وهو بلدي الوزير- أصدر كتابًا عنه، حرصت عليه، فأهدانيه الصَّديق المثقف فهد بن علي الفرهود، وهو بلديُّ الوزير والمؤلف، ورجل قارئ، مثقف، عميق الوعي، وهداياه من الكتب لا تنقطع.

يوميات بين الدبلوماسيّة والتّرفيه:
يمتاز د. بطرس غالي بالجاذبية متحدّثًا، وبالرّشاقة كاتبًا، وهو رجل دولة، وابن عائلة ضليعة في شؤون السّياسة، وقد حرصت على اقتناء نسخة من يومياته بعنوان: بين النّيل والقدس: يوميات دبلوماسي مصري، فلّبى طلبي المحاسب المبارك الأستاذ مختار إبراهيم، وهو أحد الذين يحضرون لي الكتب من مصر بين فينة وأختها، وحين شرعت بقراءته أعجبني جدّاً، فحرصت على يومياته الأخرى بعنوان: بانتظار بدر البدور: يوميات 1997-2002، وجاءتني من مصر بواسطة أخي سليمان، والله يكتب أجرهما.

الوثائق محتجزة:
اشتريت عبر الانترنت قبل بضع سنوات كتاب: العالم العربي في وثائق ألمانية 1937-1941، جمع: رزق الله بطرس، وحين وصل إلى البريد احتجزوه، وفي احتجازهم له غرابة لا تفسَّر! وأرسلت لمن أتوقع انَّه يستطيع فكاك العاني من أصحاب العلاقات، وجاءت النَّجدة من الكاتب د. عبد العزيز قاسم، وأبلغني أبو أسامة بالإفراج عن كتابي، ويبدو أنَّ علاقاته بالمحتجزين من الرِّجال والكتب قديمة مستحدثة! ولإتمام الفائدة فهذا الكتاب يعرض في واجهة المكتبات، وأستغرب جدًا مما حدث له.

الدَّولة العثمانية في مجلدين:
سألت باحثًا عن أفضل كتاب معاصر عن الدَّولة العثمانية فأجاب: الدَّولة العثمانية: تاريخ وحضارة، لعدَّة مؤلفين، وأشرف عليه: إكمال الدِّين إحسان أوغلي، فتواصلت مع النَّاشر في مصر، وأرسلت له بعض الأصدقاء، ولم أحقق مناي.
وكنت في جدَّة لتقديم برنامج تدريبي بضعة أيام، وخطَّطت لقضاء فترة العصر من أحدها في مكتبة كنوز المعرفة، ومعي عناوين كثيرة، وسألت البائع عن هذا الكتاب مع أنّي لم أدونه يأسًا من وجوده، وكان الجواب المبهج بتوافر ثلاث نسخ منه، فأخذت نصيبي، وتركت لغيري الباقيات، وهما مجلدان ضخمان فيهما جهد كبير.

تاريخ الفكر الأوروبي:
لم أجد كتاب تاريخ الفكر الأوروبي تأليف دونالد سترومبرج، ترجمة: أحمد الشيباني، فاستعنت بعد الله بأصحابي الكتبيين، وجاءت الفزعة من مفكر مثقف مبارك، حيث بعث لي د. خالد السّريحي جزاه الله خيرًا نسخة جديدة مغلفة بالبلاستيك، والكتاب مهم جدًا؛ لعنايته بتاريخ الأفكار التي أثرت في حركة التَّاريخ، ولازالت.

نجد قبل الوهابية:
أهداني الصَّديق د. فهد الخويطر كتاب نجد قبل الوهابية: الظّروف الاجتماعيّة والسّياسية والدّينيّة إبّان القرون الثّلاثة التي سبقت الحركة الوهابيّة، تأليف: عويضة بن متيريك الجهني، وهو رسالة علمية قديمة تعود لعام 1403 في جامعة أمريكية على ما أذكر، وكنت أبحث عنه طوال الأشهر التي أعقبت طباعته.
وعلمت فيما بعد أنَّ رسالتي الماجستير والدّكتوراه للبروفيسور عبد الرّحمن بن علي العريني كانتا عن حاضرة نجد وباديتها خلال القرون الثَّلاثة السّابقة لظهور الدَّعوة السّلفيّة، والعجب يغمرني من بقائهما دون طباعة، مع أنَّهما نوقشتا في جامعة الإمام قبل أزيد من ثلاثين عامًا، وهذه فرصة تسويقيّة للمكتبات المهتمة بالتّاريخ.

أوراق السنهوري في عرض البحر:
يبلغني المحامي النَّابه أنس بن سامي السّيد سلام والده الفاضل بين فينة وأخرى، وسألني ذات مرّة نقلًا عن والده الكريم المسافر لمصر: ماذا أريد من كتب؟ ولأنّي حريص على تراث السّنهوري، طلبت كتابًا ماتعًا بعنوان: السّنهوري من خلال أوراقه الشّخصية، وهو من إعداد ابنته الوحيدة نادية السّنهوري وزوجها توفيق الشّاوي، فتفضل بشرائه، وإرساله لي هدية عبر البحر، وقد كتبت عنه مقالة فيما بعد.
الخروج مع فتاة:
عندي اهتمام بالتَّدريب على الكتابة والتَّحرير، ولذلك أقرأ كثيرًا حولهما، وبحثت عن كتاب عنوانه: اخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة، اختيار وترجمة محمد الضّبع، ولم أستطع الحصول على نسخة حتى من النَّاشر، بيد أنَّه أخبرني بتوافره في النَّادي الأدبي بجازان، فأوصيت زميلي محمد الحكمي، وتولى يسّر الله أمره إحضار الكتاب لي من هناك؛ وربما أنّها النُّسخة الأخيرة، فجازان موئل البيان والأدب.

مثقفون وأمير ورسالة إصلاح:
لم أكن أتصور أن يقع بين يدي كتاب مثقفون وأمير قبل أزيد من ثلاثين عامًا، وكان الكتاب مجهول النِّسبة حينذاك، حتى أعلن النَّاشط والكاتب محمد سعيد طيِّب أنَّه من تأليفه، وقصّة حصولي عليه طريفة، فقد كنت في منزل أحد الزِّملاء، وطلب الانفراد بي، وأخبرني بأنَّ أمه استحلفته أن يحرق هذه الكتب، فطلب منها الموافقة على أن يهديها لمن ينتفع منها، فوافقتْ، وعرض الكتب عليَّ، فأخذت منها كتابين هما: مثقفون وأمير، ورسالة الإصلاح للدّكتور عبد الرّحمن الجبرين، وكانا حينذاك غير متاحين.

مقاومة التَّبرج من لبنان:
بحثت عن كتاب عنوانه: المرأة المتبرجة وأثرها السّيء في الأمة، تأليف عبد الله التَّليدي، ولم أجد منه شيئًا في المكتبات المحلية، وطلبت من زميل لبناني شراء نسخ من بيروت إذا وجده، وفعلًا وجد الكتاب، واشترى النُّسخ المطلوبة، وأحضرها لي، فأخذت واحدة، وأوصلت الباقيات لمن يستفيد منها، ومع الأسف أنّي نسيت من أحضرها لي، والله يكتب سعيه.

رسالة جوال تجلب كتبًا كثيرة:
لصديقي الأثير خالد المدني ولع بالقراءة، وحسن انتقاء واصطفاء، وظهرت آثار ذلك في كتابه النّافع رسائل الأمير. وذات ضحى أرسل لي عبر الجوال، رسالة يسأل فيها عن كتب الشّيخ الدّكتور عبد المحسن العسكر أمتع الله به، وهو لغوي فقيه مفسِّر، فقلت في نفسي هذه فرصة أن أذهب للسَّلام على الشّيخ وسؤاله، فصلّيت معه الظّهر، وأطلعته على الرّسالة، فأجابني، ثم أهداني نسخة من كتابه النّفيس المجاز من الإبداع إلى الابتداع، واستحلفني ألاّ أشتري كتابًا له، وإنّما آخذ نسختي منه مباشرة، وهو ما كان في كتب أخرى مثل الاقتباس: أنواعه وأحكامه، وجميع الكتب التي ألّفها أو حقّقها، وعلاقتي بالشّيخ الموفق تعود إلى مشاركتي قديمًا في درس أسبوعي في شرح الأجرومية، عقده في مسجده بحي النّخيل بالرّياض.
إنَّ الحديث عن الكتب وحولها لذيذ ولا يمل، وليس المهم جمع الكتب، ولا حفظ عناوينها ومحتواها، وإنَّما الشَّأن كلّه في دقّة الفهم، وعمق الوعي، وصواب العمل، وأن يكون الكتاب ومضمونه، وأثره، مما ينفع الإنسان يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلّا من أتى الله بقلب سليم.

 

 

(المصدر: صيد الفوائد)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى