مقالاتمقالات مختارة

مطاردات لذيذة خلف الكتب ! (2)

بقلم أحمد بن عبد المحسن العساف

حين كتبت الجزء الأول من هذه المقالة، لم أتوقع أنّي سأحتاج لكتابة جزء ثان مع توافر مادة له، وربَّما لثالث، ولو كنت أحسب لمثل ذلك لما جعلت المقالة الأولى طويلة، تعسر على الجيل الذي اعتاد على كلمات يسيرة، وصور كثيرة، وتعليقات سريعة، وإشارات عابرة.
بيد أنّه بعد نشرها، فوجئت بمن يطالبني بكتابة المزيد، فرأيت أن أستجيب لطلباتهم، فالحديث عن الكتب ماتع؛ وشكر المحسن واجب، والذّكريات لها طعم بعد أن تمضي، ومنها ما تزيده الأيام عبقًا وجمالًا، والله يجعلنا ممن يكتب فينفع ولا يضر، ويفيد ويستفيد.

الفريق والخير الكثير:
سمعت طرفًا من سيرة الرَّاحل الفريق أول عبد الله بن راشد البصيلي، ونبذة من بعض حكاياته ومواقفه، فشغفت بهذه الرُّوح الخيِّرة، وبحثت عن شيء من خبره فلم أجد، حتى مقاطع اليوتيوب المسجَّلة معه حذفت من الشَّبكة، وقبيل يوم عرفة عام 1438 أحضر لي أخي عبد الرّحمن بارك الله فيه نسخة من كتاب عنوانه: البصيلي: حارس الملوك عملاق الخير، تأليف بدر الخرّيف، ومع أنَّ الكتاب أفادني إلاّ أنّ سيرة الرَّجل بحاجة إلى كتابة فاحصة، تستجلي أعظم المؤثرات في حياته، وأبرز المكونات لشخصيته.

الفيتوري بين جدَّة والخرطوم:
أثنى محدِّثي في سياق حوار علمي داخل سيارة على رسالتين مختصرتين عنوانهما: قراءة سياسية لخروج الرُّسول الكريم إلى الطَّائف، والثَّانية بعنوان: صلح الحديبية وأبعاده السياسية المعاصرة، وكان البحث عنهما عسيرًا، إلى أن ظفر بهما الصَّديق المحامي أنس بن سامي السِّيد، وأحضر لي عدّة نسخ منهما، من مكتبة في جدَّة لا تفتح إلا يومًا واحدًا في الأسبوع، وهو يوم متنقل غير ثابت، فأخذت واحدة، وأهديت البقية.
وبعد أن قرأت الرِّسالتين كتبت عنهما، ولفت نظري أنَّهما فصول من رسالة الدّكتوراه لباحث ليبي مهاجر هو د. عبد الحكيم الصَّادق الفيتوري، وعنوانها: النَّظرية السِّياسيّة في السِّيرة النَّبويّة: دراسة وتحليل، ولم تطبع هذه الرِّسالة حسب علمي، ولنفاستها حرصت عليها، ووعدني الصَّديق الشَّيخ علي الضّحيان وفقه الله، بنسخة منها، وقد فعل مع صعوبة الأمر.
والشّيخ علي قارئ بصير، لا يقع إلا على أحسن الكتب، وقلّما يشتري نسخة واحدة من أي كتاب؛ لأنَّه كثير الإهداء، والنِّقاش معه يحرِّك الأذهان بل يحرثها، ويفيد، سواء اتفق معه محاوره أم اختلف، وليت أنَّ هذا الرّجل يكتب أفكاره، فيتشارك معه في نقاشها غيره من النّاس، فالمباحثة والمدارسة مفيدة للحاضر والغائب.

سبعة مقابل واحد:
من أفضل الطُّرق للتَّغلب على حبسة الكاتب، أن يكتب المرء عمّا قرأ، ففي ذلك قراءة، وكتابة، ومآرب أخرى، وهي طريقة اعتمدتها ولا زلت، وآمل أن أكون مصيبًا مأجورًا. وكنت قد كتبت قديمًا مقالة عن كتاب عنوانه: سوانح الأيام: أيام من حياتي، وهو سيرة ذاتية للإمام الإيراني البرقعي رحمه الله، الذي هجر خزعبلات مذهب الشِّيعة.
ومما وردني من القرّاء، تلّهف رجل من الأردن على الكتاب؛ لأنّه لم يجده في مكتباتهم، فاشتريت نسخة منه، وأرسلته له بالبريد، وفي ذات اليوم، أهداني الكاتب والأديب المتألق حتى في احتجابه، عبد الله بن عبد العزيز الهدلق، سبعة كتب نفيسة؛ ومن ضمن السَّبعة سيرة الأديب الشِّيعي عادل اللبّاد، بعنوان الانقلاب وبيع الوهم على الذَّات، ونسخه كانت ولازالت نادرة في الأسواق، ثمَّ كتبت عنه مقالة انتشرت كثيرًا، والحمدلله.

المملكة من داخل البريد:
قبل ثلاثين عامًا تقريبًا، قرأت كتابًا جميلًا بعنوان: المملكة، تأليف روبرت ليسي، ترجمة دهام العطاونة، والكتاب نادر إلى ما قبل عامين حيت أعيدت طباعته من جديد، وقد استعرت هذا الكتاب من قريب عزيز نضَّر الله وجهه، حيث وصله الكتاب هدية من أمير تزامل معه في الدِّراسة الجامعية.
وحين عرفت أنَّ المؤلف أصدر كتابًا جديدًا عنوانه: المملكة من الدّاخل: تاريخ السُّعودية الحديث، ترجمة خالد العوض، وطباعة المسبار، حرصت على شراء نسخة منه لأنَّ الكتاب القديم آسر، ولذلك طلبته بالبريد العادي، وتفاجئت أنَّهم أعطوني الكتب الأخرى دونه؛ على اعتبار أنَّه غير مفسوح!
فاستنجدت بعد الله بالإعلامي الأستاذ إبراهيم العقل، فاتصل بأصدقائه في الإعلام، وهؤلاء كلَّموا زميلهم في البريد، فأعطاه لصاحبي الذي يصف الموقف بقوله: شعرت من تحرُّز الموظف وكأنّي أخذت منه مخدِّرات أو مثلها! وزميلي هذا ألقبُّه بصديق الثَّقافة؛ وهو لقب أطلقه على كل من يتولى تسلّم الكتب نيابة عنّي، وما أكثرهم، أعلى الله منازلهم.
وفي فترة التَّحفظ على الكتاب ومحاولات تخليصه، طلبت من عديلي البّار محمَّد القاسم، البحث عن نسخة لي من مكتبات لندن، ففعل رضي الله عنه وأرضاه، وكنت قد قلت له بوضوح تام: المؤلف دخل للسّعودية بطريقة رسمية؛ لتأليف الكتاب، والمركز النّاشر وأفراده مقربون من الحكومة فيما أحسب، وليس في الكتاب مايزعج، ومصيره أن يباع علانيّة؛ وهو ما كان.

نصف قرن من العمل:
قرأت نعيًا للفقيه والقانوني الإسلامي د. توفيق الشَّاوي رحمه الله، ولفت نظري عنوان سيرته الذَّاتية: نصف قرن من العمل الإسلامي 1945-1995، وبيني وبين نفسي عهد بقراءة سيرة ذاتية كل شهر تقريبًا، فبحثت عن الكتاب وأوصيت عليه ولم أصل لمبتغاي، حتى تكفَّل بإحضاره الكتبي الشّيخ جهاد الأستاذ، وفي مكتبته نوادر ونفائس، فما كنت أتوقع أن أجد نسخة أصليّة من كتاب عن هتلر، وآخر عن موسوليني، ولكنّي وجدتهما عند الأستاذ في مكتبة أنوار الخبير.

من كتب المؤرخ الكبير:
احرص على مؤلفات البروفيسور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، خاصَّة ما تعلق بتاريخ الجزيرة العربيّة، ومع الأسف أنَّ كتبه القديمة نادرة جدًا لنفادها من السُّوق، وبمشقّة حصلت على نسخة من كتابين قديمين له هما: السَّلام البريطاني في الخليج العربي 1899-1947 دراسة وثائقية، وحكومة الهند البريطانية والإدارة في الخليج العربي دراسة وثائقية، وذلك ضمن بحثي في قسم التَّاريخ بمكتبة المريخ بالرِّياض، وكتبت عنهما، ورأيت أخيرًا أنَّ المؤلف جدّد طباعة الكتابين بطبعات أنيقة.
وأما كتابه محاضرات في تاريخ أوروبا بين النَّهضة والثَّورة الفرنسية، فقد وجدته في مكتبة المتنبي بالدَّمام، وتتميز مكتبات كنوز المعرفة، والمريخ، والمتنبي، بأنَّ الباعة فيها يعرفون الموجود من الكتب، ومكانه؛ حتى لو كان بين زحمة الكتب الكثيرة.

المستقبل في كتاب:
كنت أتمنّى الحصول على نسخة من كتاب مدخل إلى الدِّراسات المستقبلية في العلوم السِّياسيّة، تأليف د. وليد عبد الحي، فكتب مراكز الدِّراسات والأبحاث متينة، ويعيبها النَّدرة، وضعف التَّسويق أحيانًا، وفي بادرة كريمة غير مستغربة، أهداني الأستاذ الشّيخ خالد الفواز نسخة من هذا الكتاب المهم.

حياة أمير البيان العربي:
قرأت للرَّافعي كثيرًا؛ ولم أجد سيرته لمحمد سعيد العريان، ورسائله لأبي رية، والكتابان مهمان لمن يعتني بشؤون الكتابة، فأمّا كتاب حياة الرافعي فقد وجدت نسخة قديمة منه في مكتبة كانت تعرض آخر ما بقي في مخازنها ضمن أحد معارض الكتاب في جامعة الملك سعود عام 1418 فيما أذكر، ورأيت عند البائع كلَّ كتب الشَّيخ الخضر حسين، فاشتريتها، ونصحته بالتَّواصل مع الشَّيخ بكر أبو زيد بشأنها، وبعد أيام أخبرني البائع أن الشَّيخ أهداه نسخة من كلِّ كتبه المطبوعة عن طريق دار العاصمة؛ إكرامًا له على تواصله لأجل كتب علاّمة تونس.
وقد قرأت حياة الرافعي غير مرّة، وأعرته لمن أحب، وأمّا الرسائل فقرأت إشارة عنها في بعض ما كتبه الكاتب الأديب ماجد البلوشي، وسألته عن مكانها؛ فدَّلني على مكتبة في شرق الرِّياض، تصور الكتب القديمة؛ فزرتها، وابتعت نسخة من رسائل الرّافعي لأبي رية، ثمَّ كتبت عنها ما يمكن أن يفيد في صناعة الكتابة.

ديارات أم أوكار؟:
قرأت في كتاب محمود محمد شاكر أباطيل وأسمار نقولًا عن كتاب الدّيارات، تأليف الشّابشتي، تحقيق كوركيس عواد، وهو كتاب يؤرخ لأديرة النصارى في بلاد المسلمين، مع ذكر بعض ما يكون فيها، وحاولت الحصول على نسخة منه في ركن النَّاشر دار الرَّائد العربي، الذي يشارك في معرض الكتاب بجامعة نايف للعلوم الأمنيّة، ولم أستطع لنفاد النُّسخ بسرعة، وهي كميات قليلة في الغالب.
وحين ذهب الأستاذ صالح الصّالح في رحلة إغاثية إلى لبنان مع هيئة الهلال الأحمر قبل بضع سنوات، أوصيته على نسخة منها، فأحضرها عافاه الله، وأصبح الكتاب الذي فرَّ مني في الرِّياض بين يدي من بيروت، والحمدلله على أفضاله؛ ثمَّ الشُّكر والدُّعاء لجميع أهل الفضل المذكورين هنا، ومن لم يذكروا.

 

(المصدر: صيد الفوائد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى